Tuesday, 17 January 2017

النفط واكتشافه في العراق




النفط واكتشافه في العراق

    بقلم : غانم العناز

لقد اصبحت مشتقات النفط معروفة لكل واحد منا في هذه الايام لتصبح من متطبات حياتنا اليومية التي لا غنى لنا عنها. فنحن نستخدمها لتشغيل معاملنا وسيارتنا وآلاتنا وادواتنا المنزلية ولتوليد الطاقة الكهربائية لإنارة منازنا ومخازننا وتدفئة بيوتنا ولطبخ وحفظ اطعمتنا . كما انها تدخل في صناعة آلاف السلع كالاثاث والاقمشة وغيرها اضافة الادوية والاسمدة وما الى غير ذلك من الاستعمالات التي يصعب حصرها.

لمحة تاريخية
ن النفط الخام والقار كانا معروفين ومستعملين منذ آلاف السنين. فالعيون التي يتسرب منها النفط الى سطح الارض موجودة في بلاد كثيرة منها العراق وايران واذربيجان وغيرها. ويعتقد بأن السومريون قد استعملوا القار لطلاء قواربهم المصنوعة من البردي قبل خمسة الاف سنة. كما يقال بان القفة التي لا زالت مستعملة في وقتنا الحاضر يعود تاريخها الى سومر.

القفة في القرن العشرين

كما استعمل القار كمادة مانعة للرطوبة من قبل البابليون قبل ثلاثة آلاف سنة في انشاء زقوراتهم وجدران عاصمتهم بابل وجنائنها المعلقة احدى عجائب الدنيا السبع. ويقال بان القار استعمل كذلك في تبليط بعض طرق بغداد عند تشييدها عام 762 ميلادية. كما ان الشعر العربي منذ العصر الجاهلي لا يكاد يخلو من ذكر الابل الحبيبة الى قلوب العرب او من ذكراصابتها بمرض الجرب المعدي وعلاجه بطليه بالنفط الذي استمر استعماله الى زمن غير بعيد.

لقد تمكن الكيمياوي محمد الرازي في القرن التاسع الميلادي من الحصول على الكيروسين (النفط الابيض او الكاز) لاستعماله في الاضاءة من تقطير النفط في وعاء الانبيق. كما يعتقد بان عملية التقطير هذه قد نقلت الى اوروبا في القرن الثاني عشر عن طريق الحضارة الاسلامية المزدهرة في الاندلس والتي لا زالت تستعمل حتى يومنا هذا في مصافينا الحديثة.

التقطير بالانبيق

ويذكر بان مادة النفثا قد تم انتاجها في حقول نفط باكو في اذربايجان في القرن التاسع . فقد ذكر الرحالة والمؤرخ العربي الشهير علي المسعودي المتوفي في 346 هجرية في كتابه (مروج الذهب ومعادن الجوهر) بعد رحلته الشهيرة التي زار فيها مصر وسوريا وفلسطين والقفقاس وايران والهند وسيلان ومناطق من الصين قبل سفرة ماركو بولو بكثير ان في باكو (النفط الابيض وعين من عيون النار لا تهدأ على سائر الاوقات تتضرم الصعداء).

يقول ماركو بولو الذي زار باكو في 1264 ميلادية انه شاهد النفط يستخرج من حفر خاصة به. كما انه ذكر بانه شاهد نافورة من النفط المتدفق بكثرة. ويقال بان اباراً يصل عمق بعضها 35 متراً قد تم حفرها يدوياً في تلك المنطقة لاستخراج النفط منذ عام 1594 وان عدد مثل هذه الآبار قد زاد عن  100 بئر  في عام 1830.

اما في امريكا فقد عرف عن الهنود الحمر بانهم كانوا يقومون بعمل حفر صغيرة في مناطق تسرب النفط لاستعماله كدواء. اما المهاجرون الاوربيون فقد كانوا يجمعون النفط المتسرب من الارض للاضاءة.

اما في العراق فقد استمر جمع النفط والقار عبر عصور طويلة من مناطق تسربهما في كركوك والقيارة وبلكانا وهيت. فقد كان يتم جمع النفط وملئه في قرب تحمل على ظهور الحمير والخيل الى مناطق استعماله. ومنذ القرن السابع عشر بوشر بتأجير منابعه الى متعهدين كعائلة النفطجي في كركوك التي حصلت على تعهدها بموجب فرمان خاص من السلطان العثماني. حيث شمل تعهدهم منابع النفط في منطقة كركوك ليستمر لغاية اكتشاف النفط في في حقل كركوك العملاق الذي تدفق النفط من اول بئر تحفرفيه بالطرق الحديثة الى اعالي برج الحفر في تشرين الاول من عام 1927 ليجري في الوادي  القريب منه المعروف بوادي النفط 

بداية صناعة النفط الحديثة

اما اهم واشهر بئر تم حفرها في العالم فكانت في ولاية بنسلفانيا في الولايات المتحدة الامريكية في عام 1859. فقد حفرت البئر بواسطة برج حفر خشبي بسيط الى عمق 21 متراً لتترك عند المساء كي يستأنف الحفر فيها في صباح اليوم التالي. وعند حضور الحفار في الصباح وجد لدهشته ان البئر قد ملئت بالنفط تماما. فبالرغم من ان البئر كانت ذات انتاجية واطئة جداً لا تزيد عن 20 برميلاً باليوم مقارنة ببعض الآبار التي اكتشفت لاحقا في الحقول العملاقة التي يزيد انتاجها عن 100,000 برميل باليوم. 
 








 
 
              شبه غابة من الابراج الخشبية        
          برج دريك في بنسلفينيا 1859   
غير ان تلك البئر كانت الاولى من نوعها التي تحفر بواسطة برج, بالرغم من بدائيته, مما ادى الى حفر العديد من الآبار بالقرب منها بصورة عشوائية لتشكل ما يشبه غابة من الابراج لتشعل فتيل التسابق للتنقيب عن النفط في العالم بصورة لا مثيل لها من قبل مما اعتبر بداية لصناعة النفط العملاقة الحديثة.

اختراع السيارة

لقد كان الإستعمال الرئيسي للنفط حتى عام 1886 مقتصراً على انتاج الكيروسين (الكاز) للإضاءة وبعض الزيوت للمحركات البخارية المستعملة بكثرة في ذلك الزمان. الا انه في عام 1885 قام الالماني كارل بنز بتصميم وبناء سيارته الاولى التي تعمل بواسطة محرك الاحتراق الداخلي ليقوم بتسجيل براءة الاختراع في عام 1886 لتصبحت اول سيارة في العالم. قام بعده مباشرة كل من الالمانيان رودولف ديزل وكوتلب ديملر والامريكي هنري فورد بانتاج سياراتهم لينتشر استعمال السيارات بصورة سريعة مما زاد الطلب على وقود السيارات وبالتالي على النفط الخام بصورة كبيرة. وبحلول سنين ما قبل الحرب العالمية الاولى انتشر استعمال محركات الاحتراق الداخلي في الحافلات وسيارات النقل والطائرات والسفن والادوات الزراعية والمصانع وغيرها مما سبب تهافت الدول الصناعية للحصول امتيازات للتنقيب عنه واكتشاف منابعه.

 كما انه اصبح على رأس المتطلبات الاستراتيجية للدول العظمى في ذلك الزمان من اجل ضمان تشغيل آلاتها الحربية كالدبابت والمدرعات والسفن والطائرات وغيرها في خضم التوتر السائد فيما بينها قبيل الحرب العالمية الاولى.
السباق الى الشرق الاوسط

      لقد كان لاكتشاف النفط في تكساس في سنة 1901 صدى عالمي واسع حيث تم حفر بئر (سبندلتوب) الشهيرة الى عمق 347 متراً ليتدفق النفط منها الى اعلى البرج بارتفاع 46 متراً بمعدل مئة الف برميل باليوم فكان ذلك شيء اقرب الى الخيال مما فتح شهية الدول الكبرى وشركاتها لاكتشاف حقول عملاقة مشابهة.

وبالنظر لوجود ادلة قوية على احتمال وجود النفط في منطقة الشرق الاوسط كتسربه الى سطح الارض كما ذكر سابقاً, فقد قامت الدول العظمى في ذلك الزمان كبريطانيا والمانيا وفرنسا بارسال حملاتها الاستكشافية الى المنطقة لتحديد منابعه الغنية. كما قامت بنفس الوقت بارسال بعثاتها التجارية الى الاستانة وطهران من اجل الحصول على عقود امتياز للتنقيب واكتشاف النفط بدعم كبير من دبلوماسيها المتواجدين في العاصمتين.

بركة نفط في منطقة بلكانا القريبة من كركوك
 
  Anglo-Persian Oil Company شركة النفط الانكليزية الفارسية -

تم على اثر ذلك حصول البريطاني وليام دارسي على امتياز  من شاه ايران لشركته المسماة (شركة النفط الانكليزية الفارسية) في عام 1901. وبعد جهوداستكشافية طويلة ومضنية استطاع دارسي اخيرأً ان يكتشف النفط بغزارة في سنة 1908 في منطقة مسجدي سليمان في اعالي نهر الكارون. لقد كان ذلك اول اكتشاف تجاري عالمي مهم للنفط في الشرق الاوسط.

 شركة النفط البريطانية الفارسية  -   BP

تم على اثر ذلك اتحاذ قرار بانشاء مصفى في عبادان لمنافسة شركة روكفلر الامريكية المحتكرة لسوق الشرق الاوسط للكيروسين في ذلك الزمان مما تطلب روؤس اموال اضافية كبيرة. لم تستطع الشركة توفير مثل هذه الاموال فقامت الحكومة البريطانية بتقديم الاموال الازمة لتحصل مقابل ذلك في عام 1914 على حصة تبلغ 51% من الاسهم لتسيطر بذلك على الشركة وتحقق هدفها الاستراتيجي بتامين احتياجاتها من النفط لتشغيل اساطيلها الحربية والتجارية بعد  ان تم استبدال محركاتها البخارية التي تستعمل الفحم بمحركات الاحتراق الداخلي التي تعتمد على منتجات النفط كوقود.



مد انبوب النفط من حقل مسجدي سليمان الى عبادان 1910
 كما تم على اثر ذلك الغاء اسم الشركة وتشكيل شركة بديلة باسم (شركة النفط البريطانية الفارسية) او ما تسمى في وقتنا الحاضر بشركة النفط البريطانية.

شركة سكة حديد الاناضول

 خط سكة حديد برلين – بغداد الشهير

اما في العراق فقد كان التنافس شديداً بين المانيا وبريطانيا, اهم الدول العظمى في ذلك الزمان, للحصول على امتياز من الامبراطورية العثمانية للتنقيب عن النفط. فقد استطاعت شركة سكة حديد الاناضول المملوكة من قبل البنك الالماني من الحصول على امتياز لمد سكة حديد في تركيا ومن ثم على تعديل شروط الامتياز في عام 1903 لتمديد السكة الى بغداد الذي عرف فيما بعد بخط سكة حديد برلين بغداد الشهير. كما اعطى ذلك الامتياز شركة سكة حديد الاناضول اولوية للتنقيب عن المعادن على جانبي مسار السكة. فقامت الشركة على اثر ذلك في 1904 بالحصول على موافقة اولية للتنقيب وتقديم تقريرها خلال سنة واحدة الا ان الشركة لم تلتزم ببعض الشروط مما ادى في سنة 1907 الى اعتبار الامتياز ملغيا.

خط سكة حديد برلين- بغداد 
شركة النفط التركية

لم يستطع بعد ذلك اي من الجانبان الالماني اوالبريطاني من الحصول على امتياز للتنقيب عن النفط بصورة منفردة مما ادى في النهاية الى توحيد جهود البلدين بانشاء شركة جديدة باموال المانية وبريطانية سميت بشركة النفط التركية. استمرت المناقشات بعدها بين الحكومتين الالمانية والبريطانية والمساهمين في هذه الشركة لتنتهي في اذار 1914 بتوزيع الاسهم بنسبة 47.5% لشركة النفط البريطانية الفارسية و 25.0% للبنك الالماني 22.5% لشركة شل و 5% لكولبنكيان.

أثمرت اخيراً جهود الشركة الجديدة بضغوط منسقة ومستميتة من قبل الحكومتين الالمانية والبريطانية لتقوم حكومة الامبراطرية العثمانية بارسال رسالتها الشهيرة بتاريخ 28 حزيران 1914 الى السفير البريطاني في استانبول تعلمه بان وزير المالية قد وافق على تأجير شركة النفط التركية ترسبات النفط المكتشفة او التي قد تكتشف في المستقبل في ولايتي الموصل وبغداد وانه يحتفظ بحقه في المشاركة في الشركة وتحديد شروطها. أصبحت هذه الرسالة البسيطة اهم وثيقة بيد الشركة لتعتمد عليها في المطالبة بحق الامتياز حتى بعد انهيار الامبراطورية العثمانية كما سنرى لاحقاً.  قامت بعد  ذلك بفترة قصيرة الحرب العالمية الاولى في 5 تشرين الاول 1914 مما ادى الى انقطاع المداولات حول الموضوع تماماً.

دخلت الامبراطورية العثمانية الحرب الى جانب المانيا لتمنى بالهزيمة ولتفقد سيطرتها على البلاد العربية تماماً. عقد على اثر انتهاء الحرب مؤتمر سان ريمو في نيسان 1920 الذي انتهى بقراراته بشأن توزيع الغنائم من ممتلكات الامبراطورية العثمانية ليوضع العراق تحت الانتداب البريطاني. كما الحق بتلك القرارات رسالة سرية اعطيت فيها حصة البنك الالماني في شركة النفط التركية الى فرنسا ومنح العراق حق المساهمة في الشركة بنسبة 20%.

الملك فيصل الاول والحكومة الوطنية
منح العراق بموجب اتفاقية سان ريمو الاستقلال تحت الانتداب البريطاني لتشكل حكومة وطنية وينادى بفيصل الاول ملكاً على العراق في سنة 1921. قام المندوب السامي البريطاني سير بيرسي كوكس في اوائل 1922 بتقديم رسالة الى الملك فيصل الاول يوصي بموجبها باعطاء امتياز للتنقيب عن النفط الى شركة النفط التركية بناء على الرسالة التي حصلت عليها من الحكومة العثمانية.



 

 قامت على اثر ذلك شركة النفط التركية بتقديم طلبها مشفوعا بمسودة اتفاقية الى الحكومة العراقية للحصول على امتياز للتنقيب عن النفط مستندة بذلك على الرسالة العثمانية التي منحتها حق التنقيب في ولايتي الموصل وبغداد. وافقت الحكومة العراقية على ذلك الطلب لتبدأ بعد ذلك المفاوضات بين الحكومة العراقية وشركة النفط التركية في ايلول 1923.

  

اتفاقية الامتيازات النفطية لعام 1925
لقد جرت المفاوضات في ظروف صعبة ليست بصالح الحكومة التي كانت تحت الانتداب وسيطرة المندوب السامي البريطاني والمستشارين البريطانيين. وبالرغم من ذلك فقد ابلى المفاوض العراقي بلاءً حسناً باصراره على المشاركة في ملكية الشركة دون علمه بالرسالة السرية لمؤتمر سان ريمو التي اعطته الحق بالمشاركة بنسبة 20%. استمرت المفاوضات عبر عدة لجان لحكومات عراقية مختلفة دون التوصل الى اتفاق حيث كانت الشركة متمسكة بمسودة الاتفاقية التي قدمتها مدعومة في ذلك من قبل الحكومة البريطانية ومندوبها السامي ومستشاري الحكومة العراقية البريطانيين.
بقيت اللجان العراقية المتعاقبة تطالب بشروط افضل الا ان ذلك كان يقابل بالرفض من قبل الشركة والتهديد المبطن في معظم الاوقات والصريح في حالات قليلة من قبل الحكومة البريطانية باعطاء ولاية الموصل لتركيا في حالة استمرارها بالتعنت في عدم الموافقة على صيغة مسودة الاتفاقية المقدمة اليها. نجحت تلك الضغوط اخيراً حيث وافقت الحكومة العراقية برآسة ياسين الهاشمي على الاتفاقية التي قام بتوقيعها مزاحم الباجه جي وزير المواصلات والاشغال نيابة عن الحكومة في 14 اذار 1924 لتصبح نافذة المفعول اعتبارا من 29 آذار 1925.
لقد اشتملت تلك الاتفاقية على بنود وشروط مسهبة ندرج اهمها ادناه:
1- سعر النفط  : حدد سعر النفط باربعة شلنات (ذهب) للطن الواحد قابلة للتعديل بعد 20 سنة.
 (علماً بان الجنيه الاسترليني الواحد يحتوي على عشرين شلناً وان الطن الواحد يحتوي على 7.578 برميل وان البرميل يحتوي على 35 غالون بريطاني. وبناء على ذلك يكون سعر البرميل الواحد يساوي 0.0264 جنيه استرليني او ما يوازي 38 برميل للجنيه الاسترليني الواحد. علماً بان سعر البرميل الواحد في الوقت الحاضر يقارب 55 دولار امريكي او ما يقارب 45 باوند استرليني). 
2- مدة الامتياز : 75 سنة.

3 –  قيام الشركة بمد انبوب لتصدير النفط باسرع وقت ممكن وبفترة لا تزيد عن اربع سنوات من تاريخ فحص وتحديد مساحات معينة من الاراضي.

 شركة نفط العراق المحدودة   -   Iraq Petroleum Company (IPC)  




هذا وبينما كانت شركة النفط التركية منهمكة بالمفاوضات مع الحكومة العراقية للحصول على الامتياز كان هناك خلافاً شديداٌ قائماً بين الحكومات البريطانية والفرنسية والامريكية المنتصرة في الحرب حول توزيع غنيمة نفط العراق. وكان الخلاف على اشده بين الحكومة البريطانية والحكومة الامريكية التى لم يمنحها مؤتمر سان ريمو اية حصة في شركة النفط التركية. استمرت هذه الخلافات المعقدة والحادة لعدة سنوات انتهت اخيراً باستبدال اسم شركة النفط التركية بشركة نفط العراق في تشرين اول 1928 

Iraq Petroleum Company 

شعار شركة نفط العراق المحدودة

كما نجحت جهود الحكومة الامريكية المكثفة للمشاركة في الشركة ليتم توزيع اسهمها بنسبة 23.75% لكل من شركة النفط الانكليزية الفارسية (التي اصبحت شركة النفط البريطانية فيما بعد) وشركة النفط الفرنسية وشركة شل ومجموعة الشركات الامريكية لتعطى نسبة ال 5% المتبقية لكولبنكيان.

 

تدشين الحفر في اول بئر في حقل كركوك
30 حزيران 1927


اكتشاف النفط في حقل كركوك 


بغض النظر عن كافة المفاوضات والخلافات المذكورة اعلاه, كانت الشركة خلال تلك الفترة منهمكة في اعمال الاستكشاف واستيراد ابراج الحفر وغيرها من المعدات ليبدأ الحفر بحضور الملك فيصل الاول في اول بئر في منطقة بلكانا في 5 نيسان 1927.



وفي 30 حزيران 1927 بوشر بحفر اول بئر في حقل كركوك لتستمر عملية الحفر خلال اشهر الصيف لتمتد الى الخريف ليصل الحفر الى عمق 1521 قدم في 13 تشرين الاول 1927. وفي منتصف ليلة الثالث عشر منه توقف الحفرلتبديل فريق الحفر المناوب بفريق جديد وما ان بدأ الحفر من جديد في الساعات الاوائل من يوم 14 الا لتنفجر البئر ويتدفق النفط الى اعالي البرج بارتفاع 140 قدم. استمر تدفق النفط لمدة ثلاثة ايام قبل ان يتم غلق الصمام الرئيسي للبئر والسيطرة عليها في اليوم السابع عشر.



لقد كان النفط خلال هذه الفترة يتدفق من البئر بمعدل 90,000 برميل باليوم تقريبا ليغطى المنطقة حول البئر بكامها ويأخذ مجراه الى وادي النفط القريب ليسيل كجدول صغير. 

لقد كان لاكتشاف حقل كركوك الذي اعتبر عملاقاً صدى واسعاً في العالم حيث قامت الشركة على اثر اكتشافه بايقاف بعض عمليات الحفر في بعض المناطق الاخرى وتحويل بعض ابراج الحفر منها الى حقل كركوك للاسراع في عملية تقييمه وتطويره. كما انها قامت بالتخطيط لتطوير الحقل بانشاء الطرق ومحطات ضخ المياه وتوليد الطاقة الكهربائية وبناء المكاتب والدور السكنية وغيرها وشراء المعدات اللازمة لبناء محطات عزل الغاز ومجمع تركيز النفط ومحطات الضخ وخزانات النفط العملاقة ومد خطوط انابيب التصدير وغيرها من المنشآت الحيوية الاخرى. 

      بئر كركوك رقم واحد
 14 تشرين اول 1927


اتفاقية الامتيازات النفطية الجديدة لعام 1931  

لم تستطع الشركة الالتزام ببعض شروط اتفاقية 1924 بالرغم من اعطائها سنة اضافية مما نتج عنه الغاء تلك الاتفاقية في تشرين اول 1928 والدخول في مفاوضات جديدة. وقد كان من حسن حظ الحكومة العراقية تلقيها عرضاً مغرياً من شركة انماء النفط البريطانية المدعومة برؤوس اموال بريطانية وايطالية والمانية والتي اصبحت تدعى فيما بعد بشركة نفط الموصل.



دخلت الحكومة العراقية وشركة نفط العراق في مفاوضات جديدة كان الجانب العراقي عندها قد اكتسب خبرة جيدة في فن المفاوضات اضافة الى قوة موقفه بعد حصوله على عرض شركة انماء النفط البريطنية الذي يفوق بكثير ما جاء في اتفاقية 1924  مع شركة نفط التركية. لذلك كانت المفاوضات معقدة ومطولة ابلى فيها الجانب العراقي بلاء حسنا حيث استمرت لمدة تلاث سنوات خلال فترة حكومة توفيق السويدي التي استقالت في آب 1929 ثم خلال فترة حكومة عبد المحسن السعدون الذي انتحر في 13 تشرين ثاني 1929 لتنتهي اخيراً بتوقيع الاتفاقية الجديدة في 29 آذار 1931 خلال فترة حكومة نوري السعيد. (وقد يكون لنا وقفة مستفيضة مع المفاوضات المعقدة لاتفاقتي 1925 و 1931 ان شاء الله)

 لقد تمكن العراق في هذه الاتفاقية من الحصول على مكاسب جديدة اهمها ما يلي :

1- ضريبة سنوية مقدارها تسعة الاف باوند استرليني (ذهب) تستمر حتى تاريخ البدء بتصدير النفط. يلي ذلك ستون الف جنيه استرليني (ذهب) عند انتاج اول اربعة ملايين طن من النفط ثم يليها عشرون الف جنيه استرليني عن انتاج كل مليون طن اضافي.

2- مبلغ سنوي قدره اربعمائة الف باوند استرليني (ذهب) حتى تاريخ البدء بتصدير النفط. يعتبر نصف المبالغ المدفوعة ضريبة ايجار غير قابلة للرد والنصف الآخر يعاد الى الشركة من الاستحقاقات الحكومية السنوية التي تزيد عن اربعمائة الف باوند استرليني في السنة.

3- تحدد عائدات النفط الحكومية السنوية خلال العشرين سنة الاولى من تاريخ التصدير بما لا يقل عن اربعمائة  الف باوند استرليني كحد ادنى بغض النظر عن مستوى الانتاج.

4- تقوم الشركة بتامين احتياجات العراق من المشتقات النفطية باسعار محددة.

5- تقوم الشركة بمد خط انابيب تصدير النفط بطاقة سنوية لا تقل عن ثلاثة ملايين طن بحلول نهاية عام 1934.

6- قلصت مدة الامتياز من 75 الى 70 سنة.

7- حددت مساحة الامتياز ب 32 الف ميل مربع شرق  نهر دجلة من شمال العراق.

8- بقي سعر النفط المحدد باربعة شلنات (ذهب) للطن الواحد دون تغيير.

حقل نفط كركوك

يمتد حقل نفط كركوك من شمال نهر الزاب الصغير ليستمر باتجاه الجنوب الغربي ماراً بمدينة كركوك لينتهي في جنوب غربها بطول قدره 105 كيلومتر وعرض معدله 3.2 كيلومتر تقريبا.
يتكون الحقل من ثلاث قبب باسم بابا وافانا وخرمالا حيث يقع مكمن النفط الرئيسي على عمق حوالي 700 متر تحت سطح الارض ويتراوح سمك الطبقة الضخرية الكلسية التي تحتوي على النفط من 100 متراً الى 350 متراً.
لقد كان انتاج النفط في العشرين سنة الاولى من عمر الحقل يستخرج بصورة تلقائية تحت ضغط المكمن نفسه الذي بدأ بالتناقص تدريجياً مما تطلب المحافظة عليه وذلك بحقن الغاز في اول الامر ومن ثم بحقن الماء. فقد اقيمت لهذا الغرض محطة على نهر الزاب الصغير لتصفية الماء ومن ثم   ضخه في المكمن بطاقة مليون برميل باليوم للتعويض عن حجم النفط المستخرج والمحافظة على الضغط في المكمن. اكمل المشروع في عام 1961 وتمت بذلك السيطرة على استقرار الضغط في المكمن.
 



حقل كركوك ومقطع عرضي له يبين طبقات النفط باللون الاسود


يعتبر نفط كركوك من النوع الخفيف حيث تبلغ كثافته 36.7 بمقياس معهد النفط الامريكي ويحتوي علي نسبة 1.8% من الكبريت. اما نسبة الغاز المذاب في النفط فتتراوح ما بين 140 و 220 قدم مكعب     لكل برميل والتي كانت تحرق في الماضي ولا زالت تحرق في بعض الحقول الاخرى في وقتنا الحاضر مما يشكل هدراً كبيراً لهذه الغازات الثمينة.


يعتبر الحقل ذو انتاجية عالية حيث يبلغ معدل انتاج البئر الواحدة في قبتي بابا وآفانا 30,000 برميل باليوم تقريبا اما في قبة خرمالا فيتراوح ما بين 3,000 الى 5,000 برميل باليوم. ارتفت معدلات الانتاج من الحقل من 80 الف برميل باليوم في عام 1935 لتصل طاقة الحقول الشمالية الثلاثة كركوك وباي حسن وجمبور الى مليون برميل باليوم في اواخر العقد السادس لترتفع مرة اخرى الى 1.2 مليون برميل باليوم في منتصف العقد السابع لتستمر بالارتفاع تدريجياً لتصل في بعض الاحيان الى ما يقارب 1.4 مليون برميل باليوم في اواخر العقد السابع.

مجموع ما انتج من الحقل والاحتياطي القابل للانتاج

بلغ مجموع ما انتج من هذا الحقل لغاية 1989 اكثر من 14 مليار برميل بينما يقدرمجموع ما انتج حتى الان بما يزيد على 15 مليار برميل. اما الاحتياطي المتبقي القابل للانتاج فيقدر بحوالي 16 ملياربرميل. يعتبر هذا الحقل العملاق من اقدم الحقول المنتجة في العالم فقد بدأ بالانتاج في عام 1935 ليستمر خلال ال 78 سنة الماضية الى يومنا هذا كما يتوقع له ان يستمر بالانتاج خلال السبعين سنة القادمة ليبلغ من العمر قرناً ونصف القرن من الزمان فليبارك الله فيه وفي من عمل وسوف يعمل فيه.

منشآت حقل نفط كركوك

شيدت منشآت هذا الحقل بصورة تدريجية عبر السنين لتشمل ا يلي :


مجمع تركيز النفط في كركوك في عام 1965

- المئآت من الآبار سواء للانتاج اوللمراقبة او لحقن الماء. 

  - انشاء 11 محطة لعزل الغاز على امتداد الحقل باسم جبل بور وشوراو وبابا وهنجيرا وقوطان وملاولي وسالالو ووسربشاخ وخرمالا رقم واحد واثنين وثلاثة.

 - مجمع تركيز النفط بطاقة مليون برميل باليوم.

- محطة افانا لضخ النفط الى مجمع التركيز.

- مشروع حقن الماء بطاقة مليون برميل باليوم.

- محطة ضخ الماء من الزاب الصغير للشرب والاغراض الصناعية.

-  محطة توليد الكهرباء البخارية بطاقة 56 ميجاواط.

- انشاء حقل خزانات تصدير النفط العملاقة الذي يحتوي على 28 خزاناً باحجام مختلفة 17 خزاناً منها بقطر 140 قدماً وارتفاع 30 قدماً بطاقة خزن تقارب 200 الف برميل لكل منها.

- مد مئات الكيلومترات من انابيب النفط والغاز والماء باقطار مختلفة بين منشآت الحقل المتفرقة.

- انشاء المئآت من الدور السكنية والعشرات من الدوائر والورش والمخازن ومئآت الكيلومترات من الطرق.

خطوط انابيب تصدير النفط الشمالية الاولى 

لقد نصت اتفاقية 1931 كما اسلفنا على قيام شركة نفط العراق بمد خط انابيب لتصدير النفط بطاقة سنوية لا تقل عن ثلاثة ملايين طن بحلول نهاية عام 1934. فتم التخطيط مبدئياً لمد انبوب بقطر 16 عقدة الى البحر المتوسط ليسهل التصدير الى بريطانيا وفرنسا ذاتا النفوذين الكبيرين في مجلس ادارة الشركة ودولتا الانتداب في المنطقة. وعندما بوشر بتحديد مسار خط الانابيب طرح مسارين له حيث ارادته بريطانيا, عن طريق شركة النفط البريطانية, ان يمر عبر الاقطار التي تحت انتدابها اي العراق والاردن وفلسطين لينتهي في حيفا بينما ارادته فرنسا, عن طريق شركة النفط الفرنسية, ان يمر عبر الاقطار التي تحت انتدابها اي سوريا ولبنان لينتهي في طرابلس وهو الاقصر والارخص. اما الشركاء الآخرون اي مجموعة الشركات الامريكية وشركة شل وكوبنكيان فوقفوا على الحياد بالرغم من كون المسار عبرسوريا الى لبنان هو المفضل من الناحية الاقتصادية. اصر كل من الجانبان على موقفه ليصبح الخلاف مستعصياً مما تطلب آخر الامر اتخاذ قراراً يرضي الطرفين بمد خطين للانابيب بقطر 12 عقدة وطاقة ضح قدرها مليوني طن لكل منهما اي ما يعادل 40,000 برميل باليوم, الاول ينتهي في حيفا والثاني في طرابلس وذلك بالرغم من الكلفة العالية لهذا القرار.

تم على اثر ذلك تحديد مسار الخطين على ان يبدأ كل منهما من محطة الضخ الاولى في كركوك (كي1) ليسيرا جنبا الى جنب مروراٌ بمحطة ضخ (كي2) عبر نهر دجلة في منطقة الفتحة ومن ثم الى محطة ضخ (كي3) عبر نهر الفرات بالقرب من مدينة حديثة.

يفترق الخطان بعد محطة (كي3) ليستمر الاول باتجاه الحدود السورية ليمر بمحطة طرابلس الاولى (تي1) ليعبر الحدود السورية ماراً بمحطات الضخ (تي2) و(تي3) و(تي4) ليعبر بعدها الحدود اللبنانية الى ميناء طرابلس.

اما الخط الثاني فيفترق بعد محطة (ك3) عن الخط الاول ليتجه نحو الحدود الردنية ماراً بمحطات ضخ حيفا الاولى (إج1)  ومن ثم محطتي ضخ (إج2) و(إج3) ليعبر الحدود الاردنية ماراً بمحطتي ضخ (إج4) و(إج5) لينتهي في ميناء حيفا في فلسطين.

خارطة خطوط تصدير النفط العراقي الي طرابلس وحيفا وبانياس
 
بلغ طول خط انابيب كركوك – طرابلس 928 كيلومتر بينما بلغ طول خط انابيب كركوك – حيفا 992 كيلومتر.   
علماً بان محطات الضخ المذكوة تحتوي ليس فقط على المنشآت النفطية وانما تحتوي على الدوائر والدور السكنية للعاملين فيها اضافة الى المرافق الترفية كالنوادي واحواض السباحة وساحات التنس والكولف وبعض المخازن التموينية الخاصة مما يجعلها اشبه بالقرى الصغيرة.

بداية تصدير النفط العراقي
اكمل خط انابيب كركوك - طرابلس في 14 تموز 1934 وبوشر بتشغيله بضخ النفط فيه لتصل اول كمية منه الى ميناء طرابلس في نهاية تموز ليتم تصدير الشحنة الاولى منه والبالغة 14,500 طن في يوم 3 آب  الى ميناء لاهارف في فرنسا. لقد مثلت هذه الشحنة ظهور النفط العراقي على سوق النفط العالمي لاول مرة في التاريخ ليستمر تصديره الى هذا اليوم.    
 اما خط انابيب كركوك - حيفا فقد اكمل في 14 تشرين اول 1934 وبوشر بتشغيله بضخ النفط فيه لتصل اول كمية منه بعد ذلك بقليل الى ميناء حيفا ليتم تصدير الشحنة الاولى منه والبالغة 13,000 طن في يوم 27 تشرين اول  الى ميناء لاهارف في فرنسا كذلك. استمر ضخ النفط في هذا الخط حتى عام 1948 حيث توقف استعماله بعد ذلك نهائياً مع اندلاع الحرب في فلسطين.
  خطوط انابيب اخرى لحقول نفط شمال العراق

لقد تم بعد الحرب العالمية الثانية مد انابيب تصدير جديدة لترفع طاقة التصدير لحقول شمال العراق تدريجياً من 80 الف برميل باليوم في عام 1935 الى 1.4 مليون برميل باليوم في نهاية العقد السابع من القرن الماضي ندرجها باختصار شديد ادناه :

 

 - خط كركوك –  حيفا بقطر 16 عقدة الذي كان في مراحل انشائه الاخيرة في عام 1948 والذي توقف العمل به ليترك دون ان يدشن بسبب الحرب في فلسطين.


- خط كركوك –  طرابلس بقطر 16 عقدة في عام 1949.


- خط كركوك – بانياس بقطر 32 عقدة وطول 888 كيلومتر في عام 1952.


- خط كركوك – طرابلس بقطر 32 عقدة في عام 1965.


- الخط الستراتيجي للضخ باتجاهين بين محطة ضخ (كي 3) قرب مدينة حديثة على الفرات وحقول البصرة بقطر 42 عقدة وطول 730 كيلومتر في عام 1975.

- الخط العراقي التركي الاول كركوك –  ميناء جيهان بقطر 40 عقدة وطول 1005 كيلومتر في عام 1977.
- الخط العراقي التركي الثاني كركوك –  ميناء جيهان بقطر 46 عقدة في عام 1987.
العلاقات الدولية الخاصة بخطوط انابيب النفط

ان لكل من هذه الخطوط تاريخه السياسي والاقتصادي والفني الذي يحتاج الى فصل خاص به كما ان عبور هذه الخطوط للدول المجاورة احتاج الى اتفاقيات مسهبة  نتج عنها خلافات تجارية وسياسية معقدة ومستعصية بين شركة نفط العراق والحكومة السورية من جهة ليتم غلقها وايقاف الضخ فيها مؤقتا اكثر من مرة كما حدث خلال غزو السويس عام 1956 وبين الحكومتين العراقية والسورية من جهة اخرى لتنتهي بغلقها نهائياً كما حدث في عام 1982 ليتوقف الضخ نهائياً عبر سوريا ولبنان الى يومنا هذا بعد ان دام حوالي نصف قرن من الزمان ولتبذر الاموال الطئلة والجهود الكبيرة التي صرفت على انشائها بسبب خلافات سياسية سقيمة.
وللحديث صلة عن تلك الاحداث ان شاء الله.
 
العصر الذهبي لصناعة النفط والغاز الوطنية

لقد جاء في مقدمة كتابي العراق وصناعة النفط والغاز في القرن العشرين الصادر عن دار نشر جامعة نوتنكهام البريطانية والمرجود صورة منه في اخر هذة المقالة ما يلي :

(((لقد كتب ونشر العديد من الكتب والمئات من المقالات والبحوث عن بعض المواضيع  التاريخية والسياسية والفنية والاقتصادية وغيرها من اوجه صناعة النفط والغاز في العراق الا انه، حسب علمي، لم ينشر كتاب واحد شامل يحتوي على كافة تلك الاوجه بصورة كاملة.

لذلك فقد اصحبت على قناعة بان الوقت قد حان لنشر مثل ذلك الكتاب عن تلك الصناعة والخبراء العراقيين الذين ازدهرت على ايديهم خلال العقدين السابع والثامن من القرن الماضي كاعتراف وتقدير لجهودهم الذي طال انتظاره بعد ان همشوا من قبل السياسيين الهواة المتعطشين للحكم الذين دمروا البلد واوصلوه الى حد الركوع بسبب قصر نظرهم وتبذيرهم لموارد تلك الثروة الهائلة في الحروب وسوء الادارة والفساد والسرقات وغير ذلك من الآفات الفتاكة التي لا زلنا نراها في ايامنا هذه.

ومع اننا لا زلنا بانتظار مثل ذلك الاعتراف بجهود ذلك الرعيل الاول من الخبراء في الصحافة ووسائل الاعلام العراقية فقد كانت وسائل الاعلام الغربية اسرع منها الى ذلك. فقد نشر العديد من المقالات في الصحافة وعلى الانترنت عن ذلك كان آخرها كتاب (الوقود على النار/ النفط والسياسة في العراق المحتل) لمؤلفه كريك موتيت الصادر في 2011 الذي جاء في مقدمته ما يلي:

Fuel on the fire/Oil and Politics in Occupied Iraq

By : Greg Muttitt

((ان معظم العراقيين يريدون ان يبقى انتاج النفط في القطاع العام. الا ان ذلك الرأي قد جوبه بالرفض من قبل قادة الاحتلال والمحلليين الغربيين على انه امر قد عفا عليه الزمان او انه مثالي او حتى بعثي. الا اننا حين ننظر الى صناعة النفط العراقية نجد ثقافة هندسية تدعوا الى الفخر. فقد حققت نجاحات كبيرة مباشرة بعد تأميم النفط في السبعينيات من القرن الماضي واستمرت في تشغيل المنشآت رغم الصعوبات خلال سنوات الحروب الثلاث واعوام الحصار الثلاثة عشر. فبدلا عن الموارد المالية غير المتوفرة اعتمدوا على الجهود الذاتية. وبدلا عن التكنولوجيا الحديثة اعتمدوا الاستفادة مما هو متوفر لديهم.))

(((ثم يعود ليقول في الصفحة 18 ما يلي :

((لقد قام المهندسون العراقيون خلال السبعينيات من القرن الماضي بتسخير المهارات التي اكتسبوها خلال عملهم مع شركة نفط العراق قبل التأميم لبناء صناعة يحسدون عليها من قبل الاقطار المنتجة للنفط في العالم. فقد قامت شركة النفط الوطنية خلال الفترة 1972 الى 1979 بزيادة الانتاج من 1.5 الى 3.5 مليون برميل باليوم. كما قامت فرق الاستكشاف في الفترة من 1972 الى 1977 بالعثور على نفوط جديدة بمعدل 6 مليارات برميل بالسنة الذي يضاهي اعلى معدل اكتشاف تم تحقيقه عبر تلك السنين في بقية اقطار العالم كافة. فقد اكتشفوا عدد من اكبر الحقول النفطية في تاريخ العراق كغرب القرنة وشرق بغداد ومجنون ونهر عمر))).

لقد اصاب ذلك الرجل الاجنبي قلب الحقيقة بقوله :

((إلا اننا حين ننظر الى صناعة النفط العراقية نجد ثقافة هندسية تدعوا الى الفخر))

لقد قالها الرجل بصدق وامانة فلنحيي ذلك الرجل ولنحيي خبراء النفط في بلادنا وندعوهم الى الاخذ بزمام الامور مرة اخرى من الشركات الاجنبية التي تم تأميم نفطها قبل حوالي الاربعين عاما لتعود الى تلك الحقول التي حرمت منها واستماتت في استرجاعها كحقل الرميلة الرميلة الشمالي والزبير لا بل الى العديد من الحقول التي تم اكتشافها من قبل الخبراء العراقيون بعد خروجها من البلاد كحقول مجنون وغرب القرنة وابو غراب والاحدب وعكاس وبدرة وبزركان والغراف والحفايا وجبل فكة والمنصورية ونجمة.

لقد وضعت تلك الحقول العملاقة في المزاد العلني كما توضع السيارات القديمة او اكداس مخلفات البناء  اوغيرها من المواد الفائضة عن الحاجة من سقط المتاع والتي يراد التخلص منها باسرع وقت وباي ثمن كان.

أو كما يقال كبعض الورثة الذين يتهافتون على بيع الميراث باي سعر كان ليحصل كل منهم على حصته باسرع وقت ممكن.

أهكذا تباع ثروة البلاد؟ وثروة الاجيال القادمة بالمزاد العلني وسط هرج ومرج على اجهزة التلفزيون كحفلات الاعراس؟

 اليس استدراج العروض في اظرفة مختومة هي الطريقة السليمة المعمول بها في بلاد الله الواسعة لكافة انواع العقود سواء أكان ذلك ابسطها او اكثرها تعقيدا ليتم دراستها وتحليلها بهدوء واناة من قبل المختصين  قبل احالتها المقاول الفائز بافضل العروض؟.

وماذا عن عشرات الحقول النفطية والغازية الاخرى التي احيلت الى الشركات الاجنبية في منطقة الحكم الذاتي التي لا نعلم عن تفاصيل عقود امتيازاتها الا ما ندر كحقول اتروش وبازيان وجمجمال ووهولير وكر مور وميران وبلكانا وسرقلا والشيخان وطقطق وتاوكي ووغيرها من الحقول الغنية؟.

لقد قلنا عن ذلك ما فيه الكفاية.

اما الان فدعونا نحيي كافة خبرائنا العراقيين في كافة مرافق الحياة وندعوهم لبذل الجهود والتكاتف لتسخير ثروة البلاد النفطية الهائلة والعديد من الموارد الطبيعية الاخرى كالاراضي الخصبة والانهار العديدة والمعادن وغير ذلك من الخيرات اضافة الى الايدي الماهرة المتعطشة للعمل الشريف لكسب الرزق الحلال التي ان هي استغلت بصورة صحيحة وعقلانية لوجدنا فيها ما يكفي لاعادة اعمار البلاد  والقضاء على الآفات المتفشية في البلاد من فقر ومرض وجهل وعدم استقرار ليعم السلام والرخاء لينعم فيها كافة ابنائها ان شاء الله.

والله الموفق.
 



 
 
واتفورد من ضواحي لندن 
كانون الثاني 2017 . 

 المصدر : كتابى  العراق وصناعة النفط والغاز في القرن العشرين الصادر بالغة الانكليزية عن دار نشر جامعة نوتنكهام البريطانية في ايار 2012 .



 

Thursday, 22 December 2016



A winter day

 At Cassiobury Park

By Ghanim Anaz



 
As I ventured for my walk

In the naked local park

The fog was low and dark

Resembling heavy smoke

 

And while the majestic cedar

Stood as the park’s leader

Most of the other bare trees

Left to shiver and to sneeze

 

The leaves were dying in pain

But their lives were not in vain

For they will be born again

To dance come sun or rain

 

And while the air was cold as ice

The squirrel that played late

And forgot to hibernate

Was paying the hefty price

 

Then it was the cheeky robin

Who was playing hide and seek

With his mate along the creek

Darting like a nimble bobbin

 

I could hear a woodpecker

Busily hard at work

Taping at the ancient oak

Looking for early supper

 

And the dog that jumped and ran

Then sat down to wag his tail

Teasing his pal you will fail

So come and catch me if you can

 

Some people would nod only

Showing them very friendly

Others would nod and smile

Making it worth the while

 

By then it was very clear

That I should persevere

For whatever is the weather

A walk in the park is a pleasure

 

December 2016

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Monday, 19 December 2016

مفاوضات الامتيازات النفطية العراقية




 مفاوضات الامتيازات النفطية العراقية
بقلم : غانم العـنّاز
 
 

سياسة نفط الحكومة البريطانية النفطية
لقد اثبتت الحرب العالمية الاولى دون اي شك للحكومة البريطانية اعتمادها الكلي على النفط خصوصا الاسطول الحربي الذي كان قد بدأ في عام 1913 بالتحول تدريجيا من وقود الفحم الحجري الى النفط.
لذلك عندما قام كرينوي رئيس مجلس ادارة شركة النفط التركية بتقديم طلبه الى وزارة الخارجية البريطانية للحصول على امتياز للنفط في العراق لاقى ذلك الطلب تأييدا شديدا من قبل الادميرال سليد الذي كان قد كتب في عام 1918 ما يلي :
(لذلك يجب علينا مهما كلفنا ذلك ان نحكم قبضتنا على حقول النفط في الخليج وبلاد ما بين النهرين او اية حقول اخرى قد تكتشف في اراضي الامبراطورية البريطانية كما يجب علينا ان لا نسمح لاي تدخل باي شكل كان من قبل اي مصالح اجنبية مهما كانت مموهة.)   
لقد اصبحت هذه المقولة السياسة الستراتيجية البريطانية للحصول على النفط من منابعه. بناء على ذلك لم تتردد الحكومة البريطانية التي تملك 51% من اسهم شركة النفط التركية بالموافقة على طلب الشركة.
اعتراف العراق بحقوق شركة النفط التركية للتنقيب عن النفط
لقد رأينا ان شركة النفط التركية قد وضعت في اتفاقية عملها الكثير من الاسس التي تريدها في اتفافية امتيازها النفطي لتقوم بعد ذلك باعداد مسودتها الاولى لاتفاقية امتيازها مبنية على تلك المبادئ استعدادا لتقديمها الى الحكومة العراقية. 
وفي نفس الوقت كان المندوب السامي البريطاني سير برسي كوكس قد قدم في سنة 1922 رسالة الى الملك فيصل الاول يوصي فيها باعطاء امتيازا نفطيا الى شركة النفط التركية بناء على ما جاء في رسالة حكومة الامبراطورية العثمانية المؤرخة في 28 حزيران 1914 التي جاء فيها (بان وزير المالية قد وافق على تأجير شركة النفط التركية ترسبات النفط المكتشفة او التي قد تكتشف في المستقبل في ولايتي الموصل وبغداد وانه يحتفظ بحقه في المشاركة في الشركة وتحديد شروطها.)
لم تلاقي تلك التوصية اعتراضا من قبل الحكومة العراقية الفتية التي كانت تحت الانتداب البريطاني لذلك اصبح موضوع شروط الاتفاقية هو الشغل الشاغل للمك فيصل الاول والحكومات المتعاقبة اضافة الى الرأي العام.
لقد كانت الآراء في العراق متفقة بصورة عامة على المبادئ التالية :
- يجب على العراق ان لا يأخذ خلال المفاوضات النفطية بتوصيات الحكومة البريطانية والمشاورين البريطانيون في الحكومة العراقية على علاتها بل يجب مناقشتها والتأكد ملاءمتها للمصالح العراقية المشروعة.  
- على العراق بالرغم من كونه تحت الانتداب البريطاني ان يفرض سيادته واستقلاليته خلال المفاوضات خصوصا فيما يتعلق بالامور التعاقدية والتجارية.
- ان الحكومة العراقية مدركة لعدم الثقة المنتشرة بين الشعب العراقي في نوايا الحكومة البريطانية خصوصا بعد قضائها على ثورة العشرين القريبة الى الاذهان. لذلك يجب على الحكومة العراقية ان تظهر بعض الحزم للحفاظ على حقوق العراق خلال مفاوضاتها النفطية.
-  ان العراق مدرك بان مصير ولاية الموصل لا زال لم يحسم ومدرك كذلك لتهديدات الحكومة البريطانية المبطنة والصريحة في بعض الاحيان بان ذلك يعتمد على حصول شركة النفط التركية على امتياز النفط العراقي بشروط مؤآتية.
- ان العراق بحاجة ماسة الى الاموال اللازمة لاعمار البلد المفقير لذلك يجب الاسراع بالتوصل الى اتفاق معقول لتوقيع اتفاقية الامتياز النفطي.
- كما ان العراق مدرك كذلك بان شركة النفط التركية مهتمة هي الاخرى بالاسراع في الحصول على امتيازها النفطي.
- انه بالرغم من عدم معرفة العراق في ذلك الوقت بالرسالة السرية لمؤتمر سان ريمو التي اعطته حق المشاركة في الشركة بنسبة 20% الا ان مبدأ المشاركة كان على رأس مطالب العراق. 
- ان لا تكون فترة الامتياز طويلة جدا بل يفضل ان تكون في حدود 30 الى 50 سنة.
- يفضل كذلك ان يتضمن الامتياز على انشاء مصفى للنفط.
قامت شركة النفط التركية بعد حصولها على موافقة الحكومة البريطانية بتقديم مسودتها الاولى لاتفاقية الامتياز النفطي الى الحكومة العراقية في 30 آب 1923 مشفوعة بما جاء في رسالة الحكومة العثمانية لعام 1914.
بدأ المفاوضات
كما كانت الادارة البريطانية في العراق قد نصحت الحكومة العراقية بانها لا تملك اموالا تذكر وتحتاج الى صرف ما لديها لاعمار البلاد لذلك يجب ان لا تغامر في المشاركة في الشركة لعدم خبرتها في اكتشاف النفط وتطوير حقوله المحفوفة بالمخاطر والذي يحتاج الى اموال طائلة. لتقوم بابداء النصح بدلا من ذلك ان يكون الامتياز مبني على استلام العراق للريع الثابت الذي سيدر على البلاد الاموال بصورة مستمرة.
قام رئيس الوزراء عبد المحسن السعدون على اثر ذلك في 5 ايلول 1923 بتشكيل لجنة لدراسة مسودة الاتفاقية تتألف من وزير المواصلات والاشغال ياسين الهاشمي ووزير العدل ناجي السويدي ومستشار وزير المالية البريطاني كولونيل سليتر ومستشار وزارة العدل البريطاني دروير. قامت اللجنة بدراسة المسودة وقدت توصياتها التي اشتملت على ما يلي :
- ان لا تشمل الاتفاقية ولاية البصرة والاراضي المحولة.
- ان تكون مدة الاتافية 60 بدلا من 99 سنة.
- ان تحصل الحكومة على نسبة 20% مجانية من اسهم الشركة.
   لقيت التوصية موافقة مجلس الوزراء العراقي الذي قام باعلام المندوب السامي بمضمون ذلك في 8 ايلول 1923 وعن عدم موافقته على شروط  مسودة الاتفاقية.
قامت شركة النفط التركية على اثر ذلك بتعيين كيلينك كممثل عنها في المفاوضات الذي يأخذ تعليماته من نكولز المدير العام للشركة في لندن الذي يقوم بتقديم تقاريره الى مجلس ادارة الشركة الذي يقوم بدوره باعلام الحكومة البريطانية بذلك. وصل كيلينك الى بغداد في 25 تشرين الاول حاملا معه مسودة معدلة للاتفاقية ليقوم بتقديمها الى الحكومة العراقية في 2 تشرين الثاني 1923.
تم على اثر ذلك تشكيل لجنة جديدة لاجراء المفاوضات تتألف من وزير المواصلات والاشغال ياسين الهاشمي ووزير العدل ناجي السويدي وساسون حسقيل وزير المالية.
جرى بعد ذلك عقد العديد من الاجتماعات  بين الطرفين في بغداد استمرت حتى شهر كانون الاول. لم يستطع الطرفان التوصل الى اتفاق حول عدد من الامور المهمة التي طالب بها الجانب العراقي من اهمها ما يلي :
- مدة الاتفاقية
- عدم وجود برنامج مفصل للحفر
- قيمة الريع
-  حق العراق بالمساهمة في الشركة
- حق العراق بفرض الضرائب
-  ان يكون مكان تسجيل الشركة في العراق.
شكلت وزارة جديدة برئاسة جعفر العسكري بعد ان استقالت الوزارة السابقة لتشكل لجنة جديدة للمفاوضات تتألف من وزير الداخلية علي جودت الايوبي رئيسا وعضوية كل من وزير المالية عبد المحسن شلاش ووزير المواصلات والاشغال صبيح نشأت.
جرت عدت اجتماعات جديدة خلال شهري كانون الاول 1923 وكانون الثاني 1924 طالب فيها ممثل الشركة كيلنك بشدة من الجانب العراقي ان يوافق على مسودته التي جوبهت بالرفض من الجانب العراقي مصرا على ضرورة مساهمة العراق في الشركة وعلى ان يكون مكان تسجيل الشركة في العراق علما بان الجانب العراقي لا زال في ذلك الوقت يجهل مضمون الرسالة السرية الملحقة بمعاهدة سان ريمو.
موقف الحكومة البريطانية من المفاوضات
كان في تلك الاثناء موضوع توقيع الامتياز يناقش من قبل وزارة الخارجية البريطانية ووزارة المستعمرات والمندوب السامي البريطاني وشركة النفط التركية. فقد كان الكل متفق على ضرورة الاسراع في توقيع الاتفاقية ماعدا وزارة الخارجية التي اصرت على ان يؤجل ذلك الى ان يقرر مصير ولاية الموصل حيث ان تركية كانت تطالب بها في ذلك الوقت اضافة الى وجود خلاف بين الشركاء في شركة النفط التركية حول مشاركة الشركات الامريكية فيها.
بناء على ذلك قرر المندوب السامي البريطاني تأجيل المفاوضات من اجل اعطاء الفرصة اللازمة لتهدئة الاوضاع في العراق ليتم توقيع الاتفاقية العراقية البريطانية بسلام. قام على اثر ذلك كيلنك ممثل الشركة في المفاوضات بمغادرة العراق في شهر ايار 1924.
لم تدم وزارة جعفر العسكري طويلا بعد الانتقادات التي وجهت اليها بعد مصادقتها على الاتفاقية العراقية البريطانية فقدمت استقالتها في 24 آب 1924.
استئناف المفاوضات
شكلت بعد ذلك وزارة جديدة برئاسة ياسين الهاشمي الذي ألف لجنة جديد للمفاوضات برئاسته وعضوية كل من وزير المواصلات والاشغال  مزاحم الباجه جي ووزير المالية ساسون حسقيل ووزير العدل رشيد عالي الكيلاني.
استؤنفت المفاوضات في شهر ايلول 1924 بعد رجوع كيلنك الى بغداد. علما بانه قد ظهر خلال هذه الفترة بان الجانب العراقي قد اصبح على علم بمضمون الرسالة السرية الملحقة بمعاهدة سان ريمو التي اعطت العراق حق المساهمة في الشركة. استمرت المفاوضات الرتيبة التي اثبت الجانب العراقي جدارة في ادارتها وتفهما لفقراتها ليبدي اعتراضه على الكثير من بنود مسودة الاتفاقية التي ندرج اهمها ادناه :
-  زيادة قيمة الريع الذي حددته مسودة الاتفاقية ب 4 شلن للطن الواحد من النفط علما ان الباوند الاسترليني يساوي 20 شلن.
- اصراره على ان يكون الريع بالباوند الاسترليني المقيم بالذهب تحسبا لاحتمال انخفاض سعر الباوند في الاسواق العالمية كما حدث خلال الحرب العالمية الاولى.
- مساهمة العراق في الشركة بنسبة 20% كما جاء في الرسالة الملحقة بمعاهدة سان ريمو.
- ان تكون مدة الاتافية 60 بدلا من 99 سنة.
- تعيين ممثل للحكومة العراقية في مجلس ادارة الشركة.
- تقديم الشركة برنامجا مفصلا لعمليات الحفر.
- تقديم الشركة برنامجا مفصلا لخط انابيب تصدير النفط الى البحر الابيض المتوسط.
- الموافقة على الحد الادنى لانتاج النفط.
- الاعتراض على مبدأ الايجار من الباطن للامتياز المؤلف من 24 قطعة التي رأى فيها المفاوض العراقي تجاوزا على سيادة الدولة.
- تحبيذ مبدأ المساحات الواسعة على القطع الصغيرة لما في ذلك من تعقيدات كثيرة.
- حق العراق في رفض تحويل الامتياز الى جهة ثالثة.
- ان تعود منشآت الشركة خارج العراق الى الدولة العراقية بعد انتهاء مدة الامتياز.
- ان تخضع الشركة لدفع ضرائب الاستيراد.
- حق العراق في فرض الضرائب.
- ان يكون مكان تسجيل الشركة في العراق.
مساهمة العراق في شركة النفط التركية
كان هناك خلافا في الرأي بين وزارة الخارجية البريطانية ووزارة المستعمرات حول مساهمة العراق في الشركة. فبالرغم من ان وزارة الخارجية تفضل عدم مساهمة العراق في الشركة الا انه لم يكن بامكانها الموافقة على ذلك بناء على النص الصريح في الرسالة الملحقة باتفاقية سان ريمو التي اعطت العراق ذلك الحق. اما وزارة المستعمرات فقد كانت ميالة الى عدم مساهمة العراق في الشركة. كما ان وزارة الخارجية كانت تريد استمرار المفاوضات الى ان يقرر مصير ولاية الموصل بينما ارادت وزارة المستعمرات التعجيل بذلك ليستمر الضغط على الحكومة العراقية.
اما هنري دبس المندوب السامي البريطاني فكان من المؤيدين لرأى وزارة المستعمرات كما انه كان يميل الى قيام الحكومة البريطانية بالضغط على الحكومة العراقية لقبول مسودة اتفاقية شركة النفط التركية. كما انه قام بنفس الوقت ببذل الجهود لاقناع الحكومة العراقية بقبول مسودة الاتفاقية وعدم الاصرار على المساهمة في الشركة اضافة الى محاولته اقناع الحكومة بان مصير ولاية الموصل وموافقة الحكومة البريطانية على استقلال العراق قد يتوقف على توقيع تلك الاتفاقية.
ومع كل ذلك فقد كان هناك قناعة تامة من كل من الحكومة البريطانية وشركة النفط التركية باحقية وشرعية مطالبة العراق في المساهمة في الشركة.
وفد عصبة الامم ومصير ولاية الموصل
في هذه الاثناء كانت عصبة الامم قد ارسلت لجنتها لاستطاع الرأي حول تقرير مصير ولاية الموصل التي يطالب بها كل من العراق وتركية. وصلت اللجنة الى بغداد في 16 كانون الثاني 1925 لتبقى هناك عدة ايام قبل سفرها الى الموصل. لقد ظهر خلال تلك الزيارة بان اللجنة ميالة الى اعطاء الموصل الى العراق كما كان ذلك متوقعا من الحكومة البريطانية ذات النفوذ الدولي الكبير في ذلك الوقت. ثم تاكد ذلك الرأي في تقرير اللجنة الذي صدر في 25 كانون الاول 1925 الذي جاء فيه بان اللجنة قد وجدت بان الغالبية من سكان الولاية يؤيدون الانضمام الى العراق ليلقى التقرير موافقة عصبة الامم النهائي ويسدل الستار على ذلك الموضوع الذي طال انتظاره.  
لقد قضى قرار عصبة الامم  بانضمام الموصل الى العراق على تحفظات وزارة الخارجية البريطانية ليعطى ذلك زخماما كبيرا للمفاوضات التي استطاعت التغلب على معظم الخلافات بين الحكومة العراقية وشركة النفط التركية ليبقى الخلاف مسعصيا حول مساهمة العراق في الشركة.
الاقتراح باعطاء العراق حق المساهمة في الشركة
ومع استمرار مطالبة العراق بالمساهمة في الشركة فقد اقترحت الحكومة البريطانية على شركة النفط التركية كحل لهذا الموضوع الشائك القبول بمساهمة العراق بنسبة 20% من اسهم الشركة مجانا على شرط ان لا يكون لتلك الاسهم حق التصويت في مجلس ادارة الشركة حول سياسات الشركة المهمة المتعلقة بالميزانية والاستكشاف والحفر والانتاج والتصدير وما الى ذلك من القرارات المهمة. وبما ان تلك الاسهم سوف تخول العراق الحصول على 20% من ارباح الشركة لذلك يجب تخفيض قيمة الريع المعروض والبالغ 4 شلن للطن الاحد من النفط تبعا لذلك. وافقت الشركة على ذلك الاقتراح حيث انها كانت قد اخبرت اللجنة العراقية في المفاوضات من قبل بان اصرارها على المساهمة في الشركة يستوجب تخفيض قيمة الريع. غير ان الشركة اخرت تقديم ذلك الاقتراح المهم الى الجانب العراقي كورقة اخيرة في يدها للضغط عليه لتصفية بقية الامور الاخرى المعلقة.
موقف الملك فيصل الاول    
اما المندوب السامي البريطاني هنري دبس الذي كان على علم بقبول شركة النفط التركية بمبدأ مساهمة العراق في الشركة فكان يقدم للملك فيصل النصيحة بالتخلي عن المطالبة بالمساهمة والقبول بمبدأ الريع الذي سيكون مصدرا مضمونا للاموال اللازمة لاعمار العراق.
الملك فيصل الاول
 اما الملك فقد كان تحت ضغوط متضاربة ومستمرة فهو تحت ضغط من قبل الادارة البريطانية في العراق وتهديها باعطاء الموصل الى تركية وبين انتشار التذمر بين الاحزاب والرأي العام من وضع العراق تحت الانتداب وسيطرة الحكومة البريطانية على مقدرات البلاد من خلال مستشاريها المنتشرين في الوزارات وبقية دوائر الدولة. كما انه كان يعرف بان الوقت بدأ يقترب من موعد الانتخابات النيابية التي قد تزيد من تعقيد المفاوضات.
هذا اضافة الى ان الملك كان على علم بقلة موارد الدول المالية والحاجة الملحة لموارد جديدة لاعمار العراق. كما انه كان يلاقي ضغطا اضافيا من قبل الحكومة البريطانية وادارتها المحلية في العراق بضرورة الحصول على موارد مالية جديدة لتخفيف الاعباء المالية التي تتحملها بريطانيا من تواجدها في العراق.
توقيع اتفاقية امتياز النفط بين الحكومة العراقي وشركة النفط التركية
كل ذلك دفع الملك فيصل والحكومة العراقية بحسن نية الى القبول اخيرا بنصائح المندوب السامي البريطاني وتخويل وزير المواصلات والاشغال مزاحم الباجه جي بتوقيع اتفاقية الامتياز النفطي مع شركة النفط التركية الذي تم في 24 آذار 1925 دون احتوائها على مبدأ المساهمة في اسهمها. علما بانه قد اضيفت فقرة جديدة في الاتفاقية اعطت الجمهور العراقي الحق في المساهمة بشراء اسهم الشركة في حالة عرض مثل تلك الاسهم للبيع للحمهور في المستقبل. لقد كانت تلك الفقرة صورية وتجميلية لا قيمة لها كترضية للحكومة العراقية حيث ان شركة النفط التركية كانت على علم اكيد بانه سوف لن يجري عرض اسهمها للبيع للجمهور مستقبلا.
استياء عام من توقيع الاتفاقية
 لقد نتج عن توقيع الاتفاقية التي حرمت العراق من حقه المشروع بالمساهمة في الشركة استقالة وزير العدل رشيد عالي الكيلاني ووزير المعارف محمد رضى الشبيبي من منصبيهما. كما يجدر بالذكر ان وزير المواصلات والاشغال مزاحم الباجه جي كان قد قدم استقالته في بداية الامر الا انه قام بسحبها لاحقا.
ان توقيع الاتفاقية بدون حصول العراق على حق المساهمة في الشركة كان قد لاقى ايضا شجبا وتذمرا من قبل الاحزاب والرأي العام في ذلك الوقت كما انه اصبح موضوع غضب واستياء لا ينسى عبر العقود التالية ليس فقط من قبل الشعب العراقي بل من قبل بعض الحكومات العراقية المتعاقبة.
كما انه من الجدير بالذكر بان حرمان الدول المنتجة للنفط من المساهمة في الشركات النفطية لم يكن لينسى عبر السنين من قبل تلك الدول التي استمرت بالمطالبة به الى ان اثمرت تلك الجهود في عام 1972 عندما وافقت شركة ارامكوالسعودية على مشاركة الحكومة السعودية بنسبة 20% من اسهمها. كما ان الحكومة السعودية تمكنت بالرغم من معارضة الشركة القوية من الحصول على تلك الاسهم مقابل قيمتها الدفترية. لقد اتحقق مبدأ المشاركة هذا بعد حوالي نصف قرن من مطابة العراق به لينتشر بسرعة بين بقية الدول المنتجة كالكويت والامارات العربية المتحدة وقطر وغيرها.
اما العراق الذي كان اول من طالب بمبدأ المشاركة فلم يأبه بذلك حيث انه كان في ذلك الوقت من عام 1972 قد قرر تأميم شركة نفط العراق المحدودة الذي اعلن عنه في 1 حزيران 1972.

بنود اتفاقية امتياز النفط لعام 1925
اما اهم بنود هذه الاتفاقية المسهبة فهي :
- ان قيمة الريع اربعة شلنات (ذهب) للطن الواحد من النفط قابلة للتعديل بعد 20 سنة. (علماً بان الجنيه الاسترليني الواحد يحتوي على عشرين شلناً وان الطن الواحد يحتوي على 7.578 برميل وان البرميل يحتوي على 35 غالون بريطاني).
- ربط قيمة الريع بارباح الشركة على ان لا يقل عن 2 شلن ولا يزيد عن 6 شلن (ذهب) للطن الواحد على ان لا تطبق هذه الفقرة الا بعد مرور 20 سنة على الاتفاقية.
- للجمهور العراقي الحق في المساهمة بشراء ما لا يزيد عن 20% من الاسهم التي قد تقوم الشركة بعرضها للبيع للجمهور في المستقبل.
- مدة الاتفاقية 75 سنة.
- للحكومة العراقية الحق في فرض ضرائب على الشركة مساوية لتلك التي تفرضها على بقية الشركات الصناعية العاملة في العراق.
- للشركة الحق خلال 32 شهرا من اختيار 24 قطعة من الاراضي مساحة كل منها 8 اميال مربعة للتنقيب عن النفط والقيام باعمال الحفر فيها.
- للحكومة العراقية الحق بعد مضي 4 سنوات في اختيار 24 قطعة ارض مشابهة لعرضها بالمزاد للشركات الراغبة بالتنقيب عن النفط فيها.
- التزام الشركة بمد خط انابيب لتصدير النفط بعد فترة لا تزيد عن 4 سنوات من استكمالها الاستكشاف في قطع اراضيها.  
- قيام الشركة قبل مضي 3 سنوات على توقيع الاتفاقية باستخدام خمسة ابراج تعمل في نفس الوقت في عمليات حفر الآبار.
- تتعهد الشركة بتقديم كافة الخرائط الجيولوجية للحكومة عند الطلب.
- تعمل الشركة كوكيل للحكومة العراقية في عرض قطع الاراضي في المزاد.
- تتعهد الشركات الاخرى التي قد تحصل على امتيازات بالالتزام بنفس الشروط والواجبات التي تطبق على الشركة ولها الحق في استعمال نسبة معينة من خط انابيب تصدير النفط التي ستقوم شركة النفط التركية بمده. 
- تتعهد الحكومة العراقية بتقديم التسهيلات اللازامة للشركة في ادارة اعمالها وتشغيل منشآتها.

اكتشاف الذهب الاسود
لقد كانت شركة النفط التركية خلال الاشهر الطويلة من المفاوضات وما بعدها منهمكة في الاعمال الاستكشافية المكثفة لتحديد المواقع التي سيتم الحفر فيها اضافة الى اقامة قاعدة عمل لها في منطقة سليمان بيك بالقرب من مدينة طوز خورماتو القريبة من كركوك. فقد تم خلال تاك الفترة استيراد ابراج الحفر والمعدات والمواد الكثيرة الاخرى اللازمة للمباشرة باعمال الحفر. كما تم استقدام الخبراء والمهندسين وغيرهم وتعيين الكتبة المهنيين والعمال المحليين وانشاء المكاتب والمخازن واماكن السكن والمطاعم وغيرها من الخدمات الضرورية لهم.
فقد تمت المباشرة بحفر البئر الاولى في منطقة بلكانة في 24 نيسان 1927 بحضور الملك فيصل الاول ليتبع ذلك المباشرة بالحفر في اربعة مواقع اخرى قبل ان يباشر بحفر البئر السادسة في منطقة بابا كركر القريبة من النار الازلية بالقرب من مدينة كركوك في 30 حزيران 1927.
استمر الحفر في بئر كركوك خلال اشهر الصيف والخريف دون توقف ليصل الى عمق 1521 قدما عندها توقف الحفر لانزال بطانة للبئر بقطر 10.75 عقدة وضخ الاسمنت لتثبيها في مكانها. استؤنفت اعمال الحفر في منتصف ليلة 13/14 من شهر اتشرين الثاني فلم يمض الا وقت قصير على ذلك الا وبدأ النفط بالتدفق في الفضاء بضوضاء مخيفة الى ارتفاع 140 قدما ليغطي اعلى البرج.
انفجار البئر الاولى في حقل كركوك في 14 تشرين الثاني 1927
وصف انفجار البئر
لقد وصف الجيولوجي المسؤول عن الحفر وليامسون ما حدث كما يلي :
(جرى الحفاربسرعة الى موقع المراجل لاطفاء النار هناك وعند الصباح وجدنا السماء مغطاة بسحابة من الغاز والرذاذ وكان النفط يجري كالنهر في وادي النفط القريب. وفي الساعة الثانية من بعد الظهر وجدنا انبوب الحفر الطويل والثقيل جدا يندفع من 
.البئرمنقذفا خلال برج الحفر بضوضاء رهيبة 
النفط يجري كالنهر الصغير في وادي النفط في 14/10/1927
مرت ثلاثة ايام قبل ان يتم غلق الصمام الرئيسي للبئر لنجد الاراضي التي حولنا مشبعة بالنفط بعمق يصل الى عدة عقد وان النسيم الذي يهب حولنا كان مشبع برذاذ النفط كذلك. اخبرنا الرجال الذين قدموا الينا بان زجاجات سياراتهم بدأ تغطى برذاذ النفط على بعد عشرة اميال من موقع البئر. لقد قام احد المهملين باشعال ثقابة على بعد نصف ميل من البئر ادت الى حريق رهيب تم اطفاءه بسرعة بتغطيته بالتراب ليتم بعد ذلك تشديد الحراسة باستمرار لتفادي نشوب اي حريق في المستقبل.لقد تم عمل سدود ترابية في وادي النفط لحصر النفط ومنعه من التقدم لمسافات بعيدة ولو حدثت امطار في تلك الفترة لجرفت مياهها آلاف الاطنان من ذلك النفط في طريقها الى نهر دجلة لينتج عن ذلك كارثة رهيبة. نعم لقد كنا محظوظين  جدا في تلك البئر).   
اما النفط المتدفق في الفضاء والضوضاء الرهيبة التي رافقته فقد احدثت قلقا وخوفا شديدين بين اهالي مدينة كركوك فقد قال احدهم :
 (بالرغم من ان النفط لم يكن غريبا علينا فقد قمنا بجمعه من التسربات في المنطقة منذ آلاف السنين الا ان اندفاعه العنيف والضوضاء الرهيبة التي رافقت ذلك اضافة الى الغازات السامة المنتشرة في الهواء قد جعلت بعض الناس يعتقدون بان ذلك كان عقابا من رب العالمين لكثرة ذنوبهم.)   
لم يكن بالامكان غلق الصمام الرئيسي للبئر الا بعد مرور ثلاثة ايام من انفجارها اي في يوم 17 تشرين الاول لتتم بذلك السيطرة على تدفق النفط. لقد اثبت الفحوصات في الايام القليلة التي تلت ذلك بان النفط كان يتدفق بمعدل يقدر بحوالي 90,000 برميل باليوم ليغطى المنطقة الواسعة حول البئر بكاملها ويأخذ مجراه الى وادي النفط. هذا وقد تم غلق البئر بعد اكمال الفحوصات اللازمة في يوم 23 من ذلك الشهر بانتظار تطوير الحقل. لقد اثبتت تلك البئر بما لا يقبل الشك العثور على حقل عملاق متميز بكل معنى الكلمة.  
هذا ومن الجدير بالذكر ان تلك البئر تقع على مسافة قصيرة لا تزيد عن بضع مئات من الامتار عن موقع النار الازلية الشهيرة التي كان يتسرب اليها الغاز عبر العصور من ذلك الحقل والتي كانت تدور حولها التكهنات والخرافات حتى ذلك الوقت.
اما اخبار الاكتشاف فقد اعتبر حدثا كبيرا تصدر الصفحات الاولى من الصحف العالمية والمحلية فقد قامت جريدة التلغراف اليريطانية بنشر مقالة مطولة من مراسلها في بغداد عن ذلك في يوم الاثنين 18 تشرين الثاني 1927 اقتطفنا منها ما يلي :
(- لقد اكتشفت شركة النفط التركية النفط في العراق. ففي الساعة الثالثة من صباح يوم 14 تشرين الاول وبدون اي سابق انذار تدفق النفط في الهواء بمعدل قدر بحوالي 5,000 طن كل 24 ساعة.
- لقد كانت هناك مؤشرات كثيرة تدل على وجود النفط في العراق فكان على الجيولوجيون الذين ارسلتهم شركة النفط التركية التحقق فيما اذا كان هناك كميات كبيرة منه تستوجب انشاء مصفى له او مد خط انابيب لتصديره الى البحر الابيض المتوسط. لقد اصبح مد خط الانابيب الآن ممكن التحقيق.
- ان هذا الاكتشاف ذو اهمية كبيرة للعراق من الناحية التجارية ويبشر بازدهار باهر للبلاد. فان العراق لن يحصل على اموال الريع فقط بل على فوائد كثيرة اخرى غير مباشرة. فقد نصت اتفاقية الامتياز على ان تكون هناك نسبة عالية من المستخدمين في اعمال الشركة من العراقيين مما سيخفف من حدة البطالة في البلاد.
 – لقد كانت التمور تمثل المادة الرئيسية للصادرات العراقية غير ان هذه التجارة بالرغم من توقع استمرارها بالانتعاش عليها الان ان تقبل في احتلال المركز الثاني بعد النفط.) 
اما شركة النفط التركية فقد قامت على اثر اكتشاف حقل كركوك بايقاف عمليات الحفر في بعض المواقع الاخرى وتحويل بعض ابراج الحفر منها الى حقل كركوك للاسراع في عملية تقييمه وتطويره. كما انها قامت بالتخطيط لتطوير الحقل بانشاء الطرق ومحطات ضخ المياه وتوليد الطاقة الكهربائية وبناء المكاتب والدور السكنية وغيرها وشراء المعدات اللازمة لبناء محطات عزل الغاز ومجمع تركيز النفط ومحطات الضخ وخزانات النفط العملاقة ومد خطوط انابيب التصدير وغيرها من المنشآت الحيوية الاخرى.
الغاء اتفاقية امتياز النفط لعام 1925
لقد رأينا بان احد بنود اتفاقية 1925 ينص على ان للشركة الحق خلال 32 شهرا من اختيار 24 قطعة من الاراضي مساحة كل منها 8 اميال مربعة للتنقيب عن النفط والقيام باعمال الحفر فيها. وبهذا يكون آخر موعد لتنفيذ هذا البند شهر تشرين الثاني 1927. لم تستطع الشركة الالتزام بتنفيذ هذا البند فقامت بطلب تمديده سنة اخرى لاكمال تحرياتها فوافقت الحكومة العراقية على ذلك.
اما الاسباب الحقيقية لعدم  قيام الشركة باختيار قطع الاراضي المطلوبة بموجب هذا البند فهي :
-  لقد ارادت شركة النفط التركية التأكد من مصير ولاية الموصل المتنازع عليها بين العراق وتركية. فقد تأخر ذلك بانتظار تقرير لجنة عصبة الامم الذي صدر في 25 كانون الاول 1925 لصالح العراق وما تلاه من تخطيط الحدود بين البلدين في شهر تموز 1926. لقد ادى ذلك الى قيام الشركة بالتأني وعدم الاستعجال في عمليات الاستكشاف والحفر الباهضة التكاليف وبالتالي الى تأخر المباشرة باعمال الحفر حتى منتصف عام 1927 واكتشافه اخيرا في كركوك في 14/10/1927.
 - لقد ظهر للشركة بان حقل كركوك يغطي مساحات كبيرة تزيد بكثير عن مجموع مساحات عدد قطع الاراضي المخصصة لها في الاتفاقية والبالغ 192 ميلا مربعا.
- كما ادى اكتشاف النفط في حقل كركوك الى تعزيز احتمال وجود حقول نفطية اخرى في المنطقة مما جعل مبدأ القطع الذي قد يضع مثل تلك الحقول في ايدي شركات منافسة اخرى ويهدد بذلك تطلعات الشركة المستقبلية للاستحواذ عليها.
- وجود خلافات داخلية بين الشركاء في الشركة التي لم يتم حلها الا في عام 1928 عند توقيع اتفاقية العمل لشركة النفط التركية التي تم فيها الاتفاق على استبدال اسم شركة النفط التركية بشركة نفط العراق اعتبارا من شهر تشرين الاول 1928.
المفاوضات الجديدة
استمرت شركة النفط التركية بالتلكؤ باختيار قطع اراضيها حتى عام 1928 لتقوم بتقديم طلب  الى الحكومة العراقية بمنحها خمس سنوات اضافية لتمكينها من استكمال جمع المعلومات واعداد الدراسات اللازمة عن حقل كركوك.
لقد كان من حسن حظ الحكومة العراقية خلال تلك الفترة تلقيها في عام 1928 عرضاً مغرياً من شركة انماء النفط البريطانية المدعومة برؤوس اموال بريطانية وايطالية والمانية والتي اصبحت تدعى فيما بعد بشركة نفط الموصل.
فقد طلبت تلك الشركة من الحكومة العراقية اختيار قطعها ال 24 كما جاء في اتفاقية عام 1925 لتستطيع تقديم عرضها للحصول على امتياز بذلك. كما قامت الشركة في نفس الوقت باشعار الحكومة العراقية بانها على استعداد لمد خط سكة حديدية من العراق الى البحر الابيض المتوسط المشروع الذي طالما طالبت به الحكومة العراقية وقوبل بالرفض من قبل شركة النفط التركية. كما ان الشركة ابدت استعدادها للقبول بمبدأ الايجار السنوي المطلق للاراضي التي ستخصص لها.
لقد كان ذلك العرض الذي تقدمت به شركة انماء النفط البريطانية احسن بكثير مما جاء في اتفاقية شركة النفط التركية لعام 1925 ليعطي بذلك قوة تفاوضية اكبر للحكومة وليشجعها على رفض طلب الشركة التي اصبحت تسمى بشركة نفط العراق بمنحها خمس سنوات اضافية. لقد ادى رفض الحكومة ذلك الطلب الى الغاء اتفاقية امتياز شركة النفط التركية لعام 1925 وفتح الباب امام مفاوضات جديدة بين الجانبين.
اهم اهداف الحكومة العراقية
لقد حددت الحكومة اهم اهدافها الرئيسية من الاتفاقية الجديدة بما يلي :
- الحصول على واردات نفطية لا تقل عن مبلغ معين بغض النظرعن كميات النفط التي سيتحقق انتاجها.
- اعتماد مبدأ جديد بحصول الحكومة على ايجار مطلق مشابه لعرض شركة انماء النفط البريطانية.
- موافقة الشركة على تحديد موعد معين لمد خط الانابيب لتصدير النفط الى البحر الابيض المتوسط.
- تأكيد مبدأ الحق في فرض ضرائب على الشركة مساوية لتلك التي تفرضها على بقية الشركات الصناعية العاملة في العراق كما جاء في اتفاقية عام 1925.
- تشييد مصفى للنفط او تعهد شركة نفط العراق بتزويد البلاد باحتياجاتها من المنتجات النفطية باسعار مخفضة.
اهم اهداف شركة نفط العراق
اما اهم اهداف شركة نفط العراق فكانت كما يلي :
- الغاء مبدأ اختيار قطع الاراضي الصغيرة بعد توقيع الشركاء على اتفاقية الخط الاحمر واكتشاف حقل كركوك العملاق والحصول بدلا من ذلك على اكبر مساحة ممكنة من الاراضي.
- الغاء مبدأ حق الحكومة في فرض ضرائب على الشركة.
- بذر الشكوك في قدرات شركة انماء النفط البريطانية المالية والفنية والادارية لتثبيط همة الحكومة من اعطائها امتيازا لاكتشاف النفط.
دخلت الحكومة العراقية وشركة نفط العراق في مفاوضات جديدة كان الجانب العراقي عندها قد اكتسب خبرة جيدة في فن المفاوضات اضافة الى قوة موقفه بعد حصوله على عرض شركة انماء النفط البريطنية الذي يفوق بكثير ما جاء في اتفاقية 1925 مع شركة نفط التركية. لذلك كانت المفاوضات معقدة ومطولة ابلى فيها الجانب العراقي بلاء حسنا.
لقد تمكن الطرفان اخيرا من الغلب على كافة بنود الاتفاقية الجديدة استثناء نقطتين اساسيتين الاولى مسار خط انابيب التصدير الى البحر الابيض المتوسط الذي كان موضوع خلاف ليس بين الشركاء فقط بل بين الحكومة والشركة. اما النقطة الثانية فكانت حول حق الحكومة في فرض ضرائبها على الشركة.
مسار خط انابيب تصدير النفط
لقد كانت كل من الحكومة البريطانية والحكومة العراقية تفضلان انتهاء خط انابيب تصدير النفط في فلسطين. فقد كانت الحكومة البريطانية تهدف من ذلك الى ابقاء الخط تحت سيطرتها من خلال مروره عبر البلاد التي تحت انتدابها. اما العراق فلم يحبذ مرور الخط عبر سوريا التي كانت تحت الانتداب الفرنسي الذي كان السبب في خلع الملك فيصل عن العرش في سوريا عام 1920. 
بينما كان الفرنسيون لا يثقون بالحكومة البريطانية لذلك ارادوا الخط ان يمر عبر مناطق انتدابهم في سوريا. اما مجموعة الشركات الامريكية وشركة شل وكوبنكيان فوقفوا على الحياد بالرغم من كون المسار عبرسوريا هو المفضل لديهم من الناحية الاقتصادية. اصر كل من الجانبين على موقفه ليمسي الخلاف مستعصياً الى ان اصبح اي تأخير اضافي سينعكس على موعد انجاز الخط في الوقت المحدد له مما تطلب في آخر الامر اتخاذ قراراً مستعجلا يرضي الطرفين.
وبناء على ذلك فقد اقترح الشركاء من مجموعة الشركات الامريكية حلا وسطا بمد خطين للانابيب ، بدلا من خط واحد الاول يلبي طلب الحكومة البريطانية وينتهي في حيفا والثاني يلبي طلب الحكومة الفرنسية ليمر عبر سوريا وينتهي في طرابلس وذلك بالرغم من الكلفة العالية لهذا الاقتراح الذي حظي اخيرا بموافقة كافة الشركاء في شركة نفط العراق.
 حق الحكومة العراقية في فرض الضرائب
بالرغم من موافقة شركة نفط العراق في اتفاقية 1925 على القبول بمبدأ حق الحكومة في فرض ضرائب على الشركة مساوية لتلك التي تفرضها على بقية الشركات الصناعية العاملة في العراق الا ان الشركة كانت قد اعادت النظر بذلك. فقد بدأت الشركة تشعر بان عدم تحديد تلك الضرائب وقيمتها قد يجعل الشركة عرضة لفرض ضرائب باهضة قد تكلفها مبالغ طائلة عبر العقود الطويلة المقبلة.
اما الحكومة العراقية فقد شعرت بان اي تحديد لقدرتها على فرض الضرائب امرا مرفوضا باعتباره تدخلا في سيادة الدولة وحقها المشروع في فرض الضرائب مما سيعرضها للانتقاد من قبل البرلمان والاحزاب المعارضة والصحافة.
استمرت المفاوضات لمدة تقارب الثلاث سنوات خلال فترة حكومة توفيق السويدي التي استقالت في آب 1929 ثم خلال فترة حكومة عبد المحسن السعدون الذي انتحر في13 تشرين ثاني 1929 واخيرا خلال فترة حكومة نوري السعيد التي تشكلت في شهر آذار 1930.
وعندما صلت المفاوضات الى طريق مسدود قررت الحكومة بذل جهود اضافية للتغلب على هذا الخلاف فقامت في 7 حزيران 1930 بتخويل رئيس الوزراء نوري السعيد الذي سيقوم بزيارة لبريطانيا بحث الموضوع هناك من اجل التوصل الى صيغة مقبولة للطرفين أضافة الى وضع اللمسات الاخيرة لبعض الامور المعلقة الاخرى.
جرت المفاوضات في لندن في جو اكثر ايجابية ليتم الاتفاق من حيث المبدأ على ما يلي :
- ان تحدد الاراضي الخاصة بالامتياز الجديد بالاراضي الواقعة شرق نهر دجلة وشمال بغداد.
- قيام شركة نفط العراق بدفع ايجار مطلق وقرض لحين المباشرة بتصدير النفط.
- توفير منتجات نفطية رخيصة للسوق العراقية على ان تتجاوز قيمتها على 100,000 باوند استرليني بالسنة.
- استعداد العراق للتخلي عن مبدأ حقه في فرض الضرائب مقابل مبلغ سنوي مقطوع.
نوقشت المبادئ التي تم الاتفاق عليها في لندن من قبل مجلس الوزراء ليتم تشكيل لجنة للمفاوضة برئاسة نوري السعيد وعضوية كل من وزير المواصلات والاقتصاد مزاحم الباجه جي ووزير المالية رستم حيدر ووزير العدل جمال بابان.
بدأت المفاوضات الجديدة في بغداد في شهر كانون الثاني 1931 ليبقى موضوع المبالغ الواجب دفعها للحكومة مقابل التخلي عن حقها في فرض الضرائب مستعصيا. فقد طلبت الحكومة اخيرا بان يكون المبلغ نصف مليون باوند استرليني في السنة. اما الشركة فقد اقترحت في 8 آذار ان يكون البلغ 60,000 باوند استرليني عن الاربعة ملايين طن الاولى من النفط و 20,000 باوند استرليني عن كل مليون طن اضافي من النفط.
استمرت المفاوضات ليتم اخيرا التوصل الى اتفاق مرض للطرفين وهو بان تقوم الشركة بدفع 9,000 باوند استرليني (ذهب) سنويا ابتداء من عام 1932 لغاية المباشرة بتصدير النفط و 60,000 باوند استرليني  (ذهب) سنويا عن الاربعة ملايين طن من النفط الاولى و 20,000 باوند استرليني عن كل مليون طن اضافي من النفط.  لاقت الاتفاقية الجديدة معارضة شديدة من قبل حزب الاخاء الوطني الذي يقوده ياسين الهاشمي والحزب الوطني العراقي الذي يقوده جعفر ابو التمن.
كما لاقت الاتفاقية انتقادا شديدا من قبل اعضاء البرلمان رشيد عالي الكيلاني وعلي جودت الايوبي وياسين الهاشمي الذين قدموا استقالتهم من البرلمان اضافة الى قياموزير المواصلات والاشغال وعضو لجنة المفاوضات مزاحم الباجه جي بتقديم استقالته من الوزارة.
قدمت الاتفاقية الى مجلس النواب لتلاقي معارضة شديدة قبل ان تتم المصادقة عليها لترسل بعد ذلك الى مجلس الاعيان لتلاقي نفس الانتقادات قبل ان تتم المصادقة عليها ليقوم مجلس الوزراء اخيرا بالمصادقة عليها في 24 آذار لتصبح نافذة المفعول اعتبارا من تاريخ 29 آذار 1931.
اتفاقية الامتياز النفطي بين الحكومة العراقية وشركة نفط العراق لعام 1931
اما اهم بنود الاتفاقية الجديدة فهي :
- الغاء مبدأ قطع الارض الصغيرة.
- ان تكون الاراضي المخصصة للامتياز الجديد تلك التي تقع شرق نهر دجلة وشمال خط عرض 33 درجة والتي تبلغ مساحتها حوالي 32,000 ميل مربع.
- تبقى قيمة الريع اربعة شلنات (ذهب) للطن الواحد من النفط دون تغيير.
- تقوم الشركة بدفع 9,000 باوند استرليني (ذهب) سنويا ابتداء من عام 1932 لغاية المباشرة بتصدير النفط و 60,000 باوند استرليني  (ذهب) سنويا عن الاربعة ملايين طن الاولى من النفط و 20,000 باوند استرليني عن كل مليون طن اضافي من النفط.
- قيام الشركة بدفع 400,000 باوند استرليني (ذهب) سنويا الى ان يتم تصدير اول شحنة من النفط على ان يكون نصف ذلك المبلغ ايجارا مطلقا غير قابل للرد والنصف الآخر قرض يتم تسديده من مبالغ الريع السنوي التي تزيد قيمتها عن 400,000 باند استرليني.
- تتعهد الشركة بان تكون عائدات النفط الحكومية السنوية خلال العشرين سنة الاولى من تاريخ التصدير 400,000 باوند استرليني كحد ادنى بغض النظر عن مستوى الانتاج.
- تقوم الشركة بمد خط انابيب تصدير النفط بطاقة سنوية لا تقل عن ثلاثة ملايين طن بحلول نهاية عام 1934.
  - تكون مدة الامتياز70 سنة بدلا من 75 سنة.
- تقوم الشركة بتامين احتياجات العراق من المشتقات النفطية باسعار محددة.
- يتم تعديل قيمة الريع زيادة او نقصانا بعد فترة 20 سنة من بداية انتاج النفط بنسبة مساوية لارباح الشركة خلال الخمس سنوات الاخيرة من تلك الفترة عما كانت عليه خلال ال 15 سنة الاولى على ان لا تزيد قيمة الريع عن 4 ولا تقل عن 2 شلن للطن الواحد.
-  للجمهور العراقي الحق في المساهمة بشراء ما لا يزيد عن 20% من الاسهم التي قد تقوم الشركة بعرضها للبيع للجمهور في المستقبل. 
وبهذا يمكن القول بان الحكومة العراقية قد تمكنت من تحقيق كافة اهدافها ما عدا مبدأ حقها في فرض الضرائب على الشركة. كما يمكن القول كذلك بان الشركة قد استطاعت تحقيق اهدافها المهمة.