Tuesday 17 January 2017

النفط واكتشافه في العراق




النفط واكتشافه في العراق

    بقلم : غانم العناز

لقد اصبحت مشتقات النفط معروفة لكل واحد منا في هذه الايام لتصبح من متطبات حياتنا اليومية التي لا غنى لنا عنها. فنحن نستخدمها لتشغيل معاملنا وسيارتنا وآلاتنا وادواتنا المنزلية ولتوليد الطاقة الكهربائية لإنارة منازنا ومخازننا وتدفئة بيوتنا ولطبخ وحفظ اطعمتنا . كما انها تدخل في صناعة آلاف السلع كالاثاث والاقمشة وغيرها اضافة الادوية والاسمدة وما الى غير ذلك من الاستعمالات التي يصعب حصرها.

لمحة تاريخية
ن النفط الخام والقار كانا معروفين ومستعملين منذ آلاف السنين. فالعيون التي يتسرب منها النفط الى سطح الارض موجودة في بلاد كثيرة منها العراق وايران واذربيجان وغيرها. ويعتقد بأن السومريون قد استعملوا القار لطلاء قواربهم المصنوعة من البردي قبل خمسة الاف سنة. كما يقال بان القفة التي لا زالت مستعملة في وقتنا الحاضر يعود تاريخها الى سومر.

القفة في القرن العشرين

كما استعمل القار كمادة مانعة للرطوبة من قبل البابليون قبل ثلاثة آلاف سنة في انشاء زقوراتهم وجدران عاصمتهم بابل وجنائنها المعلقة احدى عجائب الدنيا السبع. ويقال بان القار استعمل كذلك في تبليط بعض طرق بغداد عند تشييدها عام 762 ميلادية. كما ان الشعر العربي منذ العصر الجاهلي لا يكاد يخلو من ذكر الابل الحبيبة الى قلوب العرب او من ذكراصابتها بمرض الجرب المعدي وعلاجه بطليه بالنفط الذي استمر استعماله الى زمن غير بعيد.

لقد تمكن الكيمياوي محمد الرازي في القرن التاسع الميلادي من الحصول على الكيروسين (النفط الابيض او الكاز) لاستعماله في الاضاءة من تقطير النفط في وعاء الانبيق. كما يعتقد بان عملية التقطير هذه قد نقلت الى اوروبا في القرن الثاني عشر عن طريق الحضارة الاسلامية المزدهرة في الاندلس والتي لا زالت تستعمل حتى يومنا هذا في مصافينا الحديثة.

التقطير بالانبيق

ويذكر بان مادة النفثا قد تم انتاجها في حقول نفط باكو في اذربايجان في القرن التاسع . فقد ذكر الرحالة والمؤرخ العربي الشهير علي المسعودي المتوفي في 346 هجرية في كتابه (مروج الذهب ومعادن الجوهر) بعد رحلته الشهيرة التي زار فيها مصر وسوريا وفلسطين والقفقاس وايران والهند وسيلان ومناطق من الصين قبل سفرة ماركو بولو بكثير ان في باكو (النفط الابيض وعين من عيون النار لا تهدأ على سائر الاوقات تتضرم الصعداء).

يقول ماركو بولو الذي زار باكو في 1264 ميلادية انه شاهد النفط يستخرج من حفر خاصة به. كما انه ذكر بانه شاهد نافورة من النفط المتدفق بكثرة. ويقال بان اباراً يصل عمق بعضها 35 متراً قد تم حفرها يدوياً في تلك المنطقة لاستخراج النفط منذ عام 1594 وان عدد مثل هذه الآبار قد زاد عن  100 بئر  في عام 1830.

اما في امريكا فقد عرف عن الهنود الحمر بانهم كانوا يقومون بعمل حفر صغيرة في مناطق تسرب النفط لاستعماله كدواء. اما المهاجرون الاوربيون فقد كانوا يجمعون النفط المتسرب من الارض للاضاءة.

اما في العراق فقد استمر جمع النفط والقار عبر عصور طويلة من مناطق تسربهما في كركوك والقيارة وبلكانا وهيت. فقد كان يتم جمع النفط وملئه في قرب تحمل على ظهور الحمير والخيل الى مناطق استعماله. ومنذ القرن السابع عشر بوشر بتأجير منابعه الى متعهدين كعائلة النفطجي في كركوك التي حصلت على تعهدها بموجب فرمان خاص من السلطان العثماني. حيث شمل تعهدهم منابع النفط في منطقة كركوك ليستمر لغاية اكتشاف النفط في في حقل كركوك العملاق الذي تدفق النفط من اول بئر تحفرفيه بالطرق الحديثة الى اعالي برج الحفر في تشرين الاول من عام 1927 ليجري في الوادي  القريب منه المعروف بوادي النفط 

بداية صناعة النفط الحديثة

اما اهم واشهر بئر تم حفرها في العالم فكانت في ولاية بنسلفانيا في الولايات المتحدة الامريكية في عام 1859. فقد حفرت البئر بواسطة برج حفر خشبي بسيط الى عمق 21 متراً لتترك عند المساء كي يستأنف الحفر فيها في صباح اليوم التالي. وعند حضور الحفار في الصباح وجد لدهشته ان البئر قد ملئت بالنفط تماما. فبالرغم من ان البئر كانت ذات انتاجية واطئة جداً لا تزيد عن 20 برميلاً باليوم مقارنة ببعض الآبار التي اكتشفت لاحقا في الحقول العملاقة التي يزيد انتاجها عن 100,000 برميل باليوم. 
 








 
 
              شبه غابة من الابراج الخشبية        
          برج دريك في بنسلفينيا 1859   
غير ان تلك البئر كانت الاولى من نوعها التي تحفر بواسطة برج, بالرغم من بدائيته, مما ادى الى حفر العديد من الآبار بالقرب منها بصورة عشوائية لتشكل ما يشبه غابة من الابراج لتشعل فتيل التسابق للتنقيب عن النفط في العالم بصورة لا مثيل لها من قبل مما اعتبر بداية لصناعة النفط العملاقة الحديثة.

اختراع السيارة

لقد كان الإستعمال الرئيسي للنفط حتى عام 1886 مقتصراً على انتاج الكيروسين (الكاز) للإضاءة وبعض الزيوت للمحركات البخارية المستعملة بكثرة في ذلك الزمان. الا انه في عام 1885 قام الالماني كارل بنز بتصميم وبناء سيارته الاولى التي تعمل بواسطة محرك الاحتراق الداخلي ليقوم بتسجيل براءة الاختراع في عام 1886 لتصبحت اول سيارة في العالم. قام بعده مباشرة كل من الالمانيان رودولف ديزل وكوتلب ديملر والامريكي هنري فورد بانتاج سياراتهم لينتشر استعمال السيارات بصورة سريعة مما زاد الطلب على وقود السيارات وبالتالي على النفط الخام بصورة كبيرة. وبحلول سنين ما قبل الحرب العالمية الاولى انتشر استعمال محركات الاحتراق الداخلي في الحافلات وسيارات النقل والطائرات والسفن والادوات الزراعية والمصانع وغيرها مما سبب تهافت الدول الصناعية للحصول امتيازات للتنقيب عنه واكتشاف منابعه.

 كما انه اصبح على رأس المتطلبات الاستراتيجية للدول العظمى في ذلك الزمان من اجل ضمان تشغيل آلاتها الحربية كالدبابت والمدرعات والسفن والطائرات وغيرها في خضم التوتر السائد فيما بينها قبيل الحرب العالمية الاولى.
السباق الى الشرق الاوسط

      لقد كان لاكتشاف النفط في تكساس في سنة 1901 صدى عالمي واسع حيث تم حفر بئر (سبندلتوب) الشهيرة الى عمق 347 متراً ليتدفق النفط منها الى اعلى البرج بارتفاع 46 متراً بمعدل مئة الف برميل باليوم فكان ذلك شيء اقرب الى الخيال مما فتح شهية الدول الكبرى وشركاتها لاكتشاف حقول عملاقة مشابهة.

وبالنظر لوجود ادلة قوية على احتمال وجود النفط في منطقة الشرق الاوسط كتسربه الى سطح الارض كما ذكر سابقاً, فقد قامت الدول العظمى في ذلك الزمان كبريطانيا والمانيا وفرنسا بارسال حملاتها الاستكشافية الى المنطقة لتحديد منابعه الغنية. كما قامت بنفس الوقت بارسال بعثاتها التجارية الى الاستانة وطهران من اجل الحصول على عقود امتياز للتنقيب واكتشاف النفط بدعم كبير من دبلوماسيها المتواجدين في العاصمتين.

بركة نفط في منطقة بلكانا القريبة من كركوك
 
  Anglo-Persian Oil Company شركة النفط الانكليزية الفارسية -

تم على اثر ذلك حصول البريطاني وليام دارسي على امتياز  من شاه ايران لشركته المسماة (شركة النفط الانكليزية الفارسية) في عام 1901. وبعد جهوداستكشافية طويلة ومضنية استطاع دارسي اخيرأً ان يكتشف النفط بغزارة في سنة 1908 في منطقة مسجدي سليمان في اعالي نهر الكارون. لقد كان ذلك اول اكتشاف تجاري عالمي مهم للنفط في الشرق الاوسط.

 شركة النفط البريطانية الفارسية  -   BP

تم على اثر ذلك اتحاذ قرار بانشاء مصفى في عبادان لمنافسة شركة روكفلر الامريكية المحتكرة لسوق الشرق الاوسط للكيروسين في ذلك الزمان مما تطلب روؤس اموال اضافية كبيرة. لم تستطع الشركة توفير مثل هذه الاموال فقامت الحكومة البريطانية بتقديم الاموال الازمة لتحصل مقابل ذلك في عام 1914 على حصة تبلغ 51% من الاسهم لتسيطر بذلك على الشركة وتحقق هدفها الاستراتيجي بتامين احتياجاتها من النفط لتشغيل اساطيلها الحربية والتجارية بعد  ان تم استبدال محركاتها البخارية التي تستعمل الفحم بمحركات الاحتراق الداخلي التي تعتمد على منتجات النفط كوقود.



مد انبوب النفط من حقل مسجدي سليمان الى عبادان 1910
 كما تم على اثر ذلك الغاء اسم الشركة وتشكيل شركة بديلة باسم (شركة النفط البريطانية الفارسية) او ما تسمى في وقتنا الحاضر بشركة النفط البريطانية.

شركة سكة حديد الاناضول

 خط سكة حديد برلين – بغداد الشهير

اما في العراق فقد كان التنافس شديداً بين المانيا وبريطانيا, اهم الدول العظمى في ذلك الزمان, للحصول على امتياز من الامبراطورية العثمانية للتنقيب عن النفط. فقد استطاعت شركة سكة حديد الاناضول المملوكة من قبل البنك الالماني من الحصول على امتياز لمد سكة حديد في تركيا ومن ثم على تعديل شروط الامتياز في عام 1903 لتمديد السكة الى بغداد الذي عرف فيما بعد بخط سكة حديد برلين بغداد الشهير. كما اعطى ذلك الامتياز شركة سكة حديد الاناضول اولوية للتنقيب عن المعادن على جانبي مسار السكة. فقامت الشركة على اثر ذلك في 1904 بالحصول على موافقة اولية للتنقيب وتقديم تقريرها خلال سنة واحدة الا ان الشركة لم تلتزم ببعض الشروط مما ادى في سنة 1907 الى اعتبار الامتياز ملغيا.

خط سكة حديد برلين- بغداد 
شركة النفط التركية

لم يستطع بعد ذلك اي من الجانبان الالماني اوالبريطاني من الحصول على امتياز للتنقيب عن النفط بصورة منفردة مما ادى في النهاية الى توحيد جهود البلدين بانشاء شركة جديدة باموال المانية وبريطانية سميت بشركة النفط التركية. استمرت المناقشات بعدها بين الحكومتين الالمانية والبريطانية والمساهمين في هذه الشركة لتنتهي في اذار 1914 بتوزيع الاسهم بنسبة 47.5% لشركة النفط البريطانية الفارسية و 25.0% للبنك الالماني 22.5% لشركة شل و 5% لكولبنكيان.

أثمرت اخيراً جهود الشركة الجديدة بضغوط منسقة ومستميتة من قبل الحكومتين الالمانية والبريطانية لتقوم حكومة الامبراطرية العثمانية بارسال رسالتها الشهيرة بتاريخ 28 حزيران 1914 الى السفير البريطاني في استانبول تعلمه بان وزير المالية قد وافق على تأجير شركة النفط التركية ترسبات النفط المكتشفة او التي قد تكتشف في المستقبل في ولايتي الموصل وبغداد وانه يحتفظ بحقه في المشاركة في الشركة وتحديد شروطها. أصبحت هذه الرسالة البسيطة اهم وثيقة بيد الشركة لتعتمد عليها في المطالبة بحق الامتياز حتى بعد انهيار الامبراطورية العثمانية كما سنرى لاحقاً.  قامت بعد  ذلك بفترة قصيرة الحرب العالمية الاولى في 5 تشرين الاول 1914 مما ادى الى انقطاع المداولات حول الموضوع تماماً.

دخلت الامبراطورية العثمانية الحرب الى جانب المانيا لتمنى بالهزيمة ولتفقد سيطرتها على البلاد العربية تماماً. عقد على اثر انتهاء الحرب مؤتمر سان ريمو في نيسان 1920 الذي انتهى بقراراته بشأن توزيع الغنائم من ممتلكات الامبراطورية العثمانية ليوضع العراق تحت الانتداب البريطاني. كما الحق بتلك القرارات رسالة سرية اعطيت فيها حصة البنك الالماني في شركة النفط التركية الى فرنسا ومنح العراق حق المساهمة في الشركة بنسبة 20%.

الملك فيصل الاول والحكومة الوطنية
منح العراق بموجب اتفاقية سان ريمو الاستقلال تحت الانتداب البريطاني لتشكل حكومة وطنية وينادى بفيصل الاول ملكاً على العراق في سنة 1921. قام المندوب السامي البريطاني سير بيرسي كوكس في اوائل 1922 بتقديم رسالة الى الملك فيصل الاول يوصي بموجبها باعطاء امتياز للتنقيب عن النفط الى شركة النفط التركية بناء على الرسالة التي حصلت عليها من الحكومة العثمانية.



 

 قامت على اثر ذلك شركة النفط التركية بتقديم طلبها مشفوعا بمسودة اتفاقية الى الحكومة العراقية للحصول على امتياز للتنقيب عن النفط مستندة بذلك على الرسالة العثمانية التي منحتها حق التنقيب في ولايتي الموصل وبغداد. وافقت الحكومة العراقية على ذلك الطلب لتبدأ بعد ذلك المفاوضات بين الحكومة العراقية وشركة النفط التركية في ايلول 1923.

  

اتفاقية الامتيازات النفطية لعام 1925
لقد جرت المفاوضات في ظروف صعبة ليست بصالح الحكومة التي كانت تحت الانتداب وسيطرة المندوب السامي البريطاني والمستشارين البريطانيين. وبالرغم من ذلك فقد ابلى المفاوض العراقي بلاءً حسناً باصراره على المشاركة في ملكية الشركة دون علمه بالرسالة السرية لمؤتمر سان ريمو التي اعطته الحق بالمشاركة بنسبة 20%. استمرت المفاوضات عبر عدة لجان لحكومات عراقية مختلفة دون التوصل الى اتفاق حيث كانت الشركة متمسكة بمسودة الاتفاقية التي قدمتها مدعومة في ذلك من قبل الحكومة البريطانية ومندوبها السامي ومستشاري الحكومة العراقية البريطانيين.
بقيت اللجان العراقية المتعاقبة تطالب بشروط افضل الا ان ذلك كان يقابل بالرفض من قبل الشركة والتهديد المبطن في معظم الاوقات والصريح في حالات قليلة من قبل الحكومة البريطانية باعطاء ولاية الموصل لتركيا في حالة استمرارها بالتعنت في عدم الموافقة على صيغة مسودة الاتفاقية المقدمة اليها. نجحت تلك الضغوط اخيراً حيث وافقت الحكومة العراقية برآسة ياسين الهاشمي على الاتفاقية التي قام بتوقيعها مزاحم الباجه جي وزير المواصلات والاشغال نيابة عن الحكومة في 14 اذار 1924 لتصبح نافذة المفعول اعتبارا من 29 آذار 1925.
لقد اشتملت تلك الاتفاقية على بنود وشروط مسهبة ندرج اهمها ادناه:
1- سعر النفط  : حدد سعر النفط باربعة شلنات (ذهب) للطن الواحد قابلة للتعديل بعد 20 سنة.
 (علماً بان الجنيه الاسترليني الواحد يحتوي على عشرين شلناً وان الطن الواحد يحتوي على 7.578 برميل وان البرميل يحتوي على 35 غالون بريطاني. وبناء على ذلك يكون سعر البرميل الواحد يساوي 0.0264 جنيه استرليني او ما يوازي 38 برميل للجنيه الاسترليني الواحد. علماً بان سعر البرميل الواحد في الوقت الحاضر يقارب 55 دولار امريكي او ما يقارب 45 باوند استرليني). 
2- مدة الامتياز : 75 سنة.

3 –  قيام الشركة بمد انبوب لتصدير النفط باسرع وقت ممكن وبفترة لا تزيد عن اربع سنوات من تاريخ فحص وتحديد مساحات معينة من الاراضي.

 شركة نفط العراق المحدودة   -   Iraq Petroleum Company (IPC)  




هذا وبينما كانت شركة النفط التركية منهمكة بالمفاوضات مع الحكومة العراقية للحصول على الامتياز كان هناك خلافاً شديداٌ قائماً بين الحكومات البريطانية والفرنسية والامريكية المنتصرة في الحرب حول توزيع غنيمة نفط العراق. وكان الخلاف على اشده بين الحكومة البريطانية والحكومة الامريكية التى لم يمنحها مؤتمر سان ريمو اية حصة في شركة النفط التركية. استمرت هذه الخلافات المعقدة والحادة لعدة سنوات انتهت اخيراً باستبدال اسم شركة النفط التركية بشركة نفط العراق في تشرين اول 1928 

Iraq Petroleum Company 

شعار شركة نفط العراق المحدودة

كما نجحت جهود الحكومة الامريكية المكثفة للمشاركة في الشركة ليتم توزيع اسهمها بنسبة 23.75% لكل من شركة النفط الانكليزية الفارسية (التي اصبحت شركة النفط البريطانية فيما بعد) وشركة النفط الفرنسية وشركة شل ومجموعة الشركات الامريكية لتعطى نسبة ال 5% المتبقية لكولبنكيان.

 

تدشين الحفر في اول بئر في حقل كركوك
30 حزيران 1927


اكتشاف النفط في حقل كركوك 


بغض النظر عن كافة المفاوضات والخلافات المذكورة اعلاه, كانت الشركة خلال تلك الفترة منهمكة في اعمال الاستكشاف واستيراد ابراج الحفر وغيرها من المعدات ليبدأ الحفر بحضور الملك فيصل الاول في اول بئر في منطقة بلكانا في 5 نيسان 1927.



وفي 30 حزيران 1927 بوشر بحفر اول بئر في حقل كركوك لتستمر عملية الحفر خلال اشهر الصيف لتمتد الى الخريف ليصل الحفر الى عمق 1521 قدم في 13 تشرين الاول 1927. وفي منتصف ليلة الثالث عشر منه توقف الحفرلتبديل فريق الحفر المناوب بفريق جديد وما ان بدأ الحفر من جديد في الساعات الاوائل من يوم 14 الا لتنفجر البئر ويتدفق النفط الى اعالي البرج بارتفاع 140 قدم. استمر تدفق النفط لمدة ثلاثة ايام قبل ان يتم غلق الصمام الرئيسي للبئر والسيطرة عليها في اليوم السابع عشر.



لقد كان النفط خلال هذه الفترة يتدفق من البئر بمعدل 90,000 برميل باليوم تقريبا ليغطى المنطقة حول البئر بكامها ويأخذ مجراه الى وادي النفط القريب ليسيل كجدول صغير. 

لقد كان لاكتشاف حقل كركوك الذي اعتبر عملاقاً صدى واسعاً في العالم حيث قامت الشركة على اثر اكتشافه بايقاف بعض عمليات الحفر في بعض المناطق الاخرى وتحويل بعض ابراج الحفر منها الى حقل كركوك للاسراع في عملية تقييمه وتطويره. كما انها قامت بالتخطيط لتطوير الحقل بانشاء الطرق ومحطات ضخ المياه وتوليد الطاقة الكهربائية وبناء المكاتب والدور السكنية وغيرها وشراء المعدات اللازمة لبناء محطات عزل الغاز ومجمع تركيز النفط ومحطات الضخ وخزانات النفط العملاقة ومد خطوط انابيب التصدير وغيرها من المنشآت الحيوية الاخرى. 

      بئر كركوك رقم واحد
 14 تشرين اول 1927


اتفاقية الامتيازات النفطية الجديدة لعام 1931  

لم تستطع الشركة الالتزام ببعض شروط اتفاقية 1924 بالرغم من اعطائها سنة اضافية مما نتج عنه الغاء تلك الاتفاقية في تشرين اول 1928 والدخول في مفاوضات جديدة. وقد كان من حسن حظ الحكومة العراقية تلقيها عرضاً مغرياً من شركة انماء النفط البريطانية المدعومة برؤوس اموال بريطانية وايطالية والمانية والتي اصبحت تدعى فيما بعد بشركة نفط الموصل.



دخلت الحكومة العراقية وشركة نفط العراق في مفاوضات جديدة كان الجانب العراقي عندها قد اكتسب خبرة جيدة في فن المفاوضات اضافة الى قوة موقفه بعد حصوله على عرض شركة انماء النفط البريطنية الذي يفوق بكثير ما جاء في اتفاقية 1924  مع شركة نفط التركية. لذلك كانت المفاوضات معقدة ومطولة ابلى فيها الجانب العراقي بلاء حسنا حيث استمرت لمدة تلاث سنوات خلال فترة حكومة توفيق السويدي التي استقالت في آب 1929 ثم خلال فترة حكومة عبد المحسن السعدون الذي انتحر في 13 تشرين ثاني 1929 لتنتهي اخيراً بتوقيع الاتفاقية الجديدة في 29 آذار 1931 خلال فترة حكومة نوري السعيد. (وقد يكون لنا وقفة مستفيضة مع المفاوضات المعقدة لاتفاقتي 1925 و 1931 ان شاء الله)

 لقد تمكن العراق في هذه الاتفاقية من الحصول على مكاسب جديدة اهمها ما يلي :

1- ضريبة سنوية مقدارها تسعة الاف باوند استرليني (ذهب) تستمر حتى تاريخ البدء بتصدير النفط. يلي ذلك ستون الف جنيه استرليني (ذهب) عند انتاج اول اربعة ملايين طن من النفط ثم يليها عشرون الف جنيه استرليني عن انتاج كل مليون طن اضافي.

2- مبلغ سنوي قدره اربعمائة الف باوند استرليني (ذهب) حتى تاريخ البدء بتصدير النفط. يعتبر نصف المبالغ المدفوعة ضريبة ايجار غير قابلة للرد والنصف الآخر يعاد الى الشركة من الاستحقاقات الحكومية السنوية التي تزيد عن اربعمائة الف باوند استرليني في السنة.

3- تحدد عائدات النفط الحكومية السنوية خلال العشرين سنة الاولى من تاريخ التصدير بما لا يقل عن اربعمائة  الف باوند استرليني كحد ادنى بغض النظر عن مستوى الانتاج.

4- تقوم الشركة بتامين احتياجات العراق من المشتقات النفطية باسعار محددة.

5- تقوم الشركة بمد خط انابيب تصدير النفط بطاقة سنوية لا تقل عن ثلاثة ملايين طن بحلول نهاية عام 1934.

6- قلصت مدة الامتياز من 75 الى 70 سنة.

7- حددت مساحة الامتياز ب 32 الف ميل مربع شرق  نهر دجلة من شمال العراق.

8- بقي سعر النفط المحدد باربعة شلنات (ذهب) للطن الواحد دون تغيير.

حقل نفط كركوك

يمتد حقل نفط كركوك من شمال نهر الزاب الصغير ليستمر باتجاه الجنوب الغربي ماراً بمدينة كركوك لينتهي في جنوب غربها بطول قدره 105 كيلومتر وعرض معدله 3.2 كيلومتر تقريبا.
يتكون الحقل من ثلاث قبب باسم بابا وافانا وخرمالا حيث يقع مكمن النفط الرئيسي على عمق حوالي 700 متر تحت سطح الارض ويتراوح سمك الطبقة الضخرية الكلسية التي تحتوي على النفط من 100 متراً الى 350 متراً.
لقد كان انتاج النفط في العشرين سنة الاولى من عمر الحقل يستخرج بصورة تلقائية تحت ضغط المكمن نفسه الذي بدأ بالتناقص تدريجياً مما تطلب المحافظة عليه وذلك بحقن الغاز في اول الامر ومن ثم بحقن الماء. فقد اقيمت لهذا الغرض محطة على نهر الزاب الصغير لتصفية الماء ومن ثم   ضخه في المكمن بطاقة مليون برميل باليوم للتعويض عن حجم النفط المستخرج والمحافظة على الضغط في المكمن. اكمل المشروع في عام 1961 وتمت بذلك السيطرة على استقرار الضغط في المكمن.
 



حقل كركوك ومقطع عرضي له يبين طبقات النفط باللون الاسود


يعتبر نفط كركوك من النوع الخفيف حيث تبلغ كثافته 36.7 بمقياس معهد النفط الامريكي ويحتوي علي نسبة 1.8% من الكبريت. اما نسبة الغاز المذاب في النفط فتتراوح ما بين 140 و 220 قدم مكعب     لكل برميل والتي كانت تحرق في الماضي ولا زالت تحرق في بعض الحقول الاخرى في وقتنا الحاضر مما يشكل هدراً كبيراً لهذه الغازات الثمينة.


يعتبر الحقل ذو انتاجية عالية حيث يبلغ معدل انتاج البئر الواحدة في قبتي بابا وآفانا 30,000 برميل باليوم تقريبا اما في قبة خرمالا فيتراوح ما بين 3,000 الى 5,000 برميل باليوم. ارتفت معدلات الانتاج من الحقل من 80 الف برميل باليوم في عام 1935 لتصل طاقة الحقول الشمالية الثلاثة كركوك وباي حسن وجمبور الى مليون برميل باليوم في اواخر العقد السادس لترتفع مرة اخرى الى 1.2 مليون برميل باليوم في منتصف العقد السابع لتستمر بالارتفاع تدريجياً لتصل في بعض الاحيان الى ما يقارب 1.4 مليون برميل باليوم في اواخر العقد السابع.

مجموع ما انتج من الحقل والاحتياطي القابل للانتاج

بلغ مجموع ما انتج من هذا الحقل لغاية 1989 اكثر من 14 مليار برميل بينما يقدرمجموع ما انتج حتى الان بما يزيد على 15 مليار برميل. اما الاحتياطي المتبقي القابل للانتاج فيقدر بحوالي 16 ملياربرميل. يعتبر هذا الحقل العملاق من اقدم الحقول المنتجة في العالم فقد بدأ بالانتاج في عام 1935 ليستمر خلال ال 78 سنة الماضية الى يومنا هذا كما يتوقع له ان يستمر بالانتاج خلال السبعين سنة القادمة ليبلغ من العمر قرناً ونصف القرن من الزمان فليبارك الله فيه وفي من عمل وسوف يعمل فيه.

منشآت حقل نفط كركوك

شيدت منشآت هذا الحقل بصورة تدريجية عبر السنين لتشمل ا يلي :


مجمع تركيز النفط في كركوك في عام 1965

- المئآت من الآبار سواء للانتاج اوللمراقبة او لحقن الماء. 

  - انشاء 11 محطة لعزل الغاز على امتداد الحقل باسم جبل بور وشوراو وبابا وهنجيرا وقوطان وملاولي وسالالو ووسربشاخ وخرمالا رقم واحد واثنين وثلاثة.

 - مجمع تركيز النفط بطاقة مليون برميل باليوم.

- محطة افانا لضخ النفط الى مجمع التركيز.

- مشروع حقن الماء بطاقة مليون برميل باليوم.

- محطة ضخ الماء من الزاب الصغير للشرب والاغراض الصناعية.

-  محطة توليد الكهرباء البخارية بطاقة 56 ميجاواط.

- انشاء حقل خزانات تصدير النفط العملاقة الذي يحتوي على 28 خزاناً باحجام مختلفة 17 خزاناً منها بقطر 140 قدماً وارتفاع 30 قدماً بطاقة خزن تقارب 200 الف برميل لكل منها.

- مد مئات الكيلومترات من انابيب النفط والغاز والماء باقطار مختلفة بين منشآت الحقل المتفرقة.

- انشاء المئآت من الدور السكنية والعشرات من الدوائر والورش والمخازن ومئآت الكيلومترات من الطرق.

خطوط انابيب تصدير النفط الشمالية الاولى 

لقد نصت اتفاقية 1931 كما اسلفنا على قيام شركة نفط العراق بمد خط انابيب لتصدير النفط بطاقة سنوية لا تقل عن ثلاثة ملايين طن بحلول نهاية عام 1934. فتم التخطيط مبدئياً لمد انبوب بقطر 16 عقدة الى البحر المتوسط ليسهل التصدير الى بريطانيا وفرنسا ذاتا النفوذين الكبيرين في مجلس ادارة الشركة ودولتا الانتداب في المنطقة. وعندما بوشر بتحديد مسار خط الانابيب طرح مسارين له حيث ارادته بريطانيا, عن طريق شركة النفط البريطانية, ان يمر عبر الاقطار التي تحت انتدابها اي العراق والاردن وفلسطين لينتهي في حيفا بينما ارادته فرنسا, عن طريق شركة النفط الفرنسية, ان يمر عبر الاقطار التي تحت انتدابها اي سوريا ولبنان لينتهي في طرابلس وهو الاقصر والارخص. اما الشركاء الآخرون اي مجموعة الشركات الامريكية وشركة شل وكوبنكيان فوقفوا على الحياد بالرغم من كون المسار عبرسوريا الى لبنان هو المفضل من الناحية الاقتصادية. اصر كل من الجانبان على موقفه ليصبح الخلاف مستعصياً مما تطلب آخر الامر اتخاذ قراراً يرضي الطرفين بمد خطين للانابيب بقطر 12 عقدة وطاقة ضح قدرها مليوني طن لكل منهما اي ما يعادل 40,000 برميل باليوم, الاول ينتهي في حيفا والثاني في طرابلس وذلك بالرغم من الكلفة العالية لهذا القرار.

تم على اثر ذلك تحديد مسار الخطين على ان يبدأ كل منهما من محطة الضخ الاولى في كركوك (كي1) ليسيرا جنبا الى جنب مروراٌ بمحطة ضخ (كي2) عبر نهر دجلة في منطقة الفتحة ومن ثم الى محطة ضخ (كي3) عبر نهر الفرات بالقرب من مدينة حديثة.

يفترق الخطان بعد محطة (كي3) ليستمر الاول باتجاه الحدود السورية ليمر بمحطة طرابلس الاولى (تي1) ليعبر الحدود السورية ماراً بمحطات الضخ (تي2) و(تي3) و(تي4) ليعبر بعدها الحدود اللبنانية الى ميناء طرابلس.

اما الخط الثاني فيفترق بعد محطة (ك3) عن الخط الاول ليتجه نحو الحدود الردنية ماراً بمحطات ضخ حيفا الاولى (إج1)  ومن ثم محطتي ضخ (إج2) و(إج3) ليعبر الحدود الاردنية ماراً بمحطتي ضخ (إج4) و(إج5) لينتهي في ميناء حيفا في فلسطين.

خارطة خطوط تصدير النفط العراقي الي طرابلس وحيفا وبانياس
 
بلغ طول خط انابيب كركوك – طرابلس 928 كيلومتر بينما بلغ طول خط انابيب كركوك – حيفا 992 كيلومتر.   
علماً بان محطات الضخ المذكوة تحتوي ليس فقط على المنشآت النفطية وانما تحتوي على الدوائر والدور السكنية للعاملين فيها اضافة الى المرافق الترفية كالنوادي واحواض السباحة وساحات التنس والكولف وبعض المخازن التموينية الخاصة مما يجعلها اشبه بالقرى الصغيرة.

بداية تصدير النفط العراقي
اكمل خط انابيب كركوك - طرابلس في 14 تموز 1934 وبوشر بتشغيله بضخ النفط فيه لتصل اول كمية منه الى ميناء طرابلس في نهاية تموز ليتم تصدير الشحنة الاولى منه والبالغة 14,500 طن في يوم 3 آب  الى ميناء لاهارف في فرنسا. لقد مثلت هذه الشحنة ظهور النفط العراقي على سوق النفط العالمي لاول مرة في التاريخ ليستمر تصديره الى هذا اليوم.    
 اما خط انابيب كركوك - حيفا فقد اكمل في 14 تشرين اول 1934 وبوشر بتشغيله بضخ النفط فيه لتصل اول كمية منه بعد ذلك بقليل الى ميناء حيفا ليتم تصدير الشحنة الاولى منه والبالغة 13,000 طن في يوم 27 تشرين اول  الى ميناء لاهارف في فرنسا كذلك. استمر ضخ النفط في هذا الخط حتى عام 1948 حيث توقف استعماله بعد ذلك نهائياً مع اندلاع الحرب في فلسطين.
  خطوط انابيب اخرى لحقول نفط شمال العراق

لقد تم بعد الحرب العالمية الثانية مد انابيب تصدير جديدة لترفع طاقة التصدير لحقول شمال العراق تدريجياً من 80 الف برميل باليوم في عام 1935 الى 1.4 مليون برميل باليوم في نهاية العقد السابع من القرن الماضي ندرجها باختصار شديد ادناه :

 

 - خط كركوك –  حيفا بقطر 16 عقدة الذي كان في مراحل انشائه الاخيرة في عام 1948 والذي توقف العمل به ليترك دون ان يدشن بسبب الحرب في فلسطين.


- خط كركوك –  طرابلس بقطر 16 عقدة في عام 1949.


- خط كركوك – بانياس بقطر 32 عقدة وطول 888 كيلومتر في عام 1952.


- خط كركوك – طرابلس بقطر 32 عقدة في عام 1965.


- الخط الستراتيجي للضخ باتجاهين بين محطة ضخ (كي 3) قرب مدينة حديثة على الفرات وحقول البصرة بقطر 42 عقدة وطول 730 كيلومتر في عام 1975.

- الخط العراقي التركي الاول كركوك –  ميناء جيهان بقطر 40 عقدة وطول 1005 كيلومتر في عام 1977.
- الخط العراقي التركي الثاني كركوك –  ميناء جيهان بقطر 46 عقدة في عام 1987.
العلاقات الدولية الخاصة بخطوط انابيب النفط

ان لكل من هذه الخطوط تاريخه السياسي والاقتصادي والفني الذي يحتاج الى فصل خاص به كما ان عبور هذه الخطوط للدول المجاورة احتاج الى اتفاقيات مسهبة  نتج عنها خلافات تجارية وسياسية معقدة ومستعصية بين شركة نفط العراق والحكومة السورية من جهة ليتم غلقها وايقاف الضخ فيها مؤقتا اكثر من مرة كما حدث خلال غزو السويس عام 1956 وبين الحكومتين العراقية والسورية من جهة اخرى لتنتهي بغلقها نهائياً كما حدث في عام 1982 ليتوقف الضخ نهائياً عبر سوريا ولبنان الى يومنا هذا بعد ان دام حوالي نصف قرن من الزمان ولتبذر الاموال الطئلة والجهود الكبيرة التي صرفت على انشائها بسبب خلافات سياسية سقيمة.
وللحديث صلة عن تلك الاحداث ان شاء الله.
 
العصر الذهبي لصناعة النفط والغاز الوطنية

لقد جاء في مقدمة كتابي العراق وصناعة النفط والغاز في القرن العشرين الصادر عن دار نشر جامعة نوتنكهام البريطانية والمرجود صورة منه في اخر هذة المقالة ما يلي :

(((لقد كتب ونشر العديد من الكتب والمئات من المقالات والبحوث عن بعض المواضيع  التاريخية والسياسية والفنية والاقتصادية وغيرها من اوجه صناعة النفط والغاز في العراق الا انه، حسب علمي، لم ينشر كتاب واحد شامل يحتوي على كافة تلك الاوجه بصورة كاملة.

لذلك فقد اصحبت على قناعة بان الوقت قد حان لنشر مثل ذلك الكتاب عن تلك الصناعة والخبراء العراقيين الذين ازدهرت على ايديهم خلال العقدين السابع والثامن من القرن الماضي كاعتراف وتقدير لجهودهم الذي طال انتظاره بعد ان همشوا من قبل السياسيين الهواة المتعطشين للحكم الذين دمروا البلد واوصلوه الى حد الركوع بسبب قصر نظرهم وتبذيرهم لموارد تلك الثروة الهائلة في الحروب وسوء الادارة والفساد والسرقات وغير ذلك من الآفات الفتاكة التي لا زلنا نراها في ايامنا هذه.

ومع اننا لا زلنا بانتظار مثل ذلك الاعتراف بجهود ذلك الرعيل الاول من الخبراء في الصحافة ووسائل الاعلام العراقية فقد كانت وسائل الاعلام الغربية اسرع منها الى ذلك. فقد نشر العديد من المقالات في الصحافة وعلى الانترنت عن ذلك كان آخرها كتاب (الوقود على النار/ النفط والسياسة في العراق المحتل) لمؤلفه كريك موتيت الصادر في 2011 الذي جاء في مقدمته ما يلي:

Fuel on the fire/Oil and Politics in Occupied Iraq

By : Greg Muttitt

((ان معظم العراقيين يريدون ان يبقى انتاج النفط في القطاع العام. الا ان ذلك الرأي قد جوبه بالرفض من قبل قادة الاحتلال والمحلليين الغربيين على انه امر قد عفا عليه الزمان او انه مثالي او حتى بعثي. الا اننا حين ننظر الى صناعة النفط العراقية نجد ثقافة هندسية تدعوا الى الفخر. فقد حققت نجاحات كبيرة مباشرة بعد تأميم النفط في السبعينيات من القرن الماضي واستمرت في تشغيل المنشآت رغم الصعوبات خلال سنوات الحروب الثلاث واعوام الحصار الثلاثة عشر. فبدلا عن الموارد المالية غير المتوفرة اعتمدوا على الجهود الذاتية. وبدلا عن التكنولوجيا الحديثة اعتمدوا الاستفادة مما هو متوفر لديهم.))

(((ثم يعود ليقول في الصفحة 18 ما يلي :

((لقد قام المهندسون العراقيون خلال السبعينيات من القرن الماضي بتسخير المهارات التي اكتسبوها خلال عملهم مع شركة نفط العراق قبل التأميم لبناء صناعة يحسدون عليها من قبل الاقطار المنتجة للنفط في العالم. فقد قامت شركة النفط الوطنية خلال الفترة 1972 الى 1979 بزيادة الانتاج من 1.5 الى 3.5 مليون برميل باليوم. كما قامت فرق الاستكشاف في الفترة من 1972 الى 1977 بالعثور على نفوط جديدة بمعدل 6 مليارات برميل بالسنة الذي يضاهي اعلى معدل اكتشاف تم تحقيقه عبر تلك السنين في بقية اقطار العالم كافة. فقد اكتشفوا عدد من اكبر الحقول النفطية في تاريخ العراق كغرب القرنة وشرق بغداد ومجنون ونهر عمر))).

لقد اصاب ذلك الرجل الاجنبي قلب الحقيقة بقوله :

((إلا اننا حين ننظر الى صناعة النفط العراقية نجد ثقافة هندسية تدعوا الى الفخر))

لقد قالها الرجل بصدق وامانة فلنحيي ذلك الرجل ولنحيي خبراء النفط في بلادنا وندعوهم الى الاخذ بزمام الامور مرة اخرى من الشركات الاجنبية التي تم تأميم نفطها قبل حوالي الاربعين عاما لتعود الى تلك الحقول التي حرمت منها واستماتت في استرجاعها كحقل الرميلة الرميلة الشمالي والزبير لا بل الى العديد من الحقول التي تم اكتشافها من قبل الخبراء العراقيون بعد خروجها من البلاد كحقول مجنون وغرب القرنة وابو غراب والاحدب وعكاس وبدرة وبزركان والغراف والحفايا وجبل فكة والمنصورية ونجمة.

لقد وضعت تلك الحقول العملاقة في المزاد العلني كما توضع السيارات القديمة او اكداس مخلفات البناء  اوغيرها من المواد الفائضة عن الحاجة من سقط المتاع والتي يراد التخلص منها باسرع وقت وباي ثمن كان.

أو كما يقال كبعض الورثة الذين يتهافتون على بيع الميراث باي سعر كان ليحصل كل منهم على حصته باسرع وقت ممكن.

أهكذا تباع ثروة البلاد؟ وثروة الاجيال القادمة بالمزاد العلني وسط هرج ومرج على اجهزة التلفزيون كحفلات الاعراس؟

 اليس استدراج العروض في اظرفة مختومة هي الطريقة السليمة المعمول بها في بلاد الله الواسعة لكافة انواع العقود سواء أكان ذلك ابسطها او اكثرها تعقيدا ليتم دراستها وتحليلها بهدوء واناة من قبل المختصين  قبل احالتها المقاول الفائز بافضل العروض؟.

وماذا عن عشرات الحقول النفطية والغازية الاخرى التي احيلت الى الشركات الاجنبية في منطقة الحكم الذاتي التي لا نعلم عن تفاصيل عقود امتيازاتها الا ما ندر كحقول اتروش وبازيان وجمجمال ووهولير وكر مور وميران وبلكانا وسرقلا والشيخان وطقطق وتاوكي ووغيرها من الحقول الغنية؟.

لقد قلنا عن ذلك ما فيه الكفاية.

اما الان فدعونا نحيي كافة خبرائنا العراقيين في كافة مرافق الحياة وندعوهم لبذل الجهود والتكاتف لتسخير ثروة البلاد النفطية الهائلة والعديد من الموارد الطبيعية الاخرى كالاراضي الخصبة والانهار العديدة والمعادن وغير ذلك من الخيرات اضافة الى الايدي الماهرة المتعطشة للعمل الشريف لكسب الرزق الحلال التي ان هي استغلت بصورة صحيحة وعقلانية لوجدنا فيها ما يكفي لاعادة اعمار البلاد  والقضاء على الآفات المتفشية في البلاد من فقر ومرض وجهل وعدم استقرار ليعم السلام والرخاء لينعم فيها كافة ابنائها ان شاء الله.

والله الموفق.
 



 
 
واتفورد من ضواحي لندن 
كانون الثاني 2017 . 

 المصدر : كتابى  العراق وصناعة النفط والغاز في القرن العشرين الصادر بالغة الانكليزية عن دار نشر جامعة نوتنكهام البريطانية في ايار 2012 .