Sunday 20 December 2015

شركة النفط التركية



شركة النفط التركية
بقلم : غانم العـنّاز

 
                   
لقد اصبحت مشتقات النفط معروفة لكل واحد منا في هذه الايام لتصبح من متطبات حياتنا اليومية التي لا غنى لنا عنها. فنحن نستخدمها لتشغيل معاملنا وسيارتنا وآلاتنا وادواتنا المنزلية ولتوليد الطاقة الكهربائية لإنارة منازنا ومخازننا وتدفئة بيوتنا ولطبخ وحفظ اطعمتنا . كما انها تدخل في صناعة آلاف السلع كالاثاث والاقمشة وغيرها اضافة الادوية والاسمدة وما الى غير ذلك من الاستعمالات التي يصعب حصرها.

لمحة تاريخية
ان النفط الخام والقار كانا معروفين ومستعملين منذ آلاف السنين. فالعيون التي يتسرب منها النفط الى سطح الارض موجودة في بلاد كثيرة منها العراق وايران واذربيجان وغيرها. ويعتقد بأن السومريون قد استعملوا القار لطلاء قواربهم المصنوعة من البردي قبل خمسة الاف سنة. كما يقال بان القفة التي لا زالت مستعملة في وقتنا 
الحاضر يعود تاريخها الى سومر.




القفة في القرن العشرين
كما استعمل القار كمادة مانعة للرطوبة من قبل البابليون قبل ثلاثة آلاف سنة في انشاء زقوراتهم وجدران عاصمتهم بابل وجنائنها المعلقة احدى عجائب الدنيا السبع. ويقال بان القار استعمل كذلك في تبليط بعض طرق بغداد عند تشييدها عام 762 ميلادية. كما ان الشعر العربي منذ العصر الجاهلي لا يكاد يخلو من ذكر الابل الحبيبة الى قلوب العرب او من ذكراصابتها بمرض الجرب المعدي وعلاجه بطليه بالنفط الذي استمر استعماله الى زمن غير بعيد.
لقد تمكن الكيمياوي محمد الرازي في القرن التاسع الميلادي من الحصول على الكيروسين (النفط الابيض او الكاز) لاستعماله في الاضاءة من تقطير النفط في وعاء الانبيق. كما يعتقد بان عملية التقطير هذه قد نقلت الى اوروبا في القرن الثاني عشر عن طريق الحضارة الاسلامية المزدهرة في الاندلس والتي لا زالت تستعمل حتى يومنا هذا في مصافينا الحديثة.

التقطير بالانبيق
ويذكر بان مادة النفثا قد تم انتاجها في حقول نفط باكو في اذربايجان في القرن التاسع . فقد ذكر الرحالة والمؤرخ العربي الشهير علي المسعودي المتوفي في 346 هجرية في كتابه (مروج الذهب ومعادن الجوهر) بعد رحلته الشهيرة التي زار فيها مصر وسوريا وفلسطين والقفقاس وايران والهند وسيلان ومناطق من الصين قبل سفرة ماركو بولو بكثير ان في باكو (النفط الابيض وعين من عيون النار لا تهدأ على سائر الاوقات تتضرم الصعداء).
يقول ماركو بولو الذي زار باكو في 1264 ميلادية انه شاهد النفط يستخرج من حفر خاصة به. كما انه ذكر بانه شاهد نافورة من النفط المتدفق بكثرة. ويذكر فيما بعد بان اباراً يصل عمق بعضها 35 متراً قد تم حفرها يدوياً في تلك المنطقة لاستخراج النفط منذ عام 1594 وان عدد مثل هذه الآبار قد زاد عن  100 بئر  في عام 1830.
اما في امريكا فقد عرف عن الهنود الحمر في اوائل القرن الخامس بانهم كانوا يقومون بعمل حفر صغيرة في مناطق تسرب النفط لاستعماله كدواء. اما المهاجرون الاوربيون فقد كانوا يجمعون النفط المتسرب من الارض للاضاءة.
اما في العراق فقد استمر جمع النفط والقار عبر عصور طويلة من مناطق تسربهما في كركوك والقيارة وبلكانا وهيت. فقد كان يتم جمع النفط وملئه في قرب تحمل على ظهور الحمير والخيل الى مناطق استعماله. ومنذ القرن السابع عشر بوشر بتأجير منابعه الى متعهدين كعائلة النفطجي في كركوك التي حصلت على تعهدها بموجب فرمان خاص من السلطان العثماني. حيث شمل تعهدهم منابع النفط في منطقة كركوك ليستمر لغاية اكتشاف النفط في في حقل كركوك العملاق الذي تدفق النفط من اول بئر تحفرفيه بالطرق الحديثة الى اعالي برج الحفر في تشرين الاول من عام 1927 ليجري في الوادي  القريب منه المعروف بوادي النفط.
بداية صناعة النفط الحديثة
اما اهم واشهر بئر تم حفرها في العالم فكانت في ولاية بنسلفانيا في الولايات المتحدة الامريكية في عام 1859. فقد حفرت البئر بواسطة برج حفر خشبي بسيط الى عمق 21 متراً لتترك عند المساء كي يستأنف الحفر فيها في صباح اليوم التالي. وعند حضور الحفار في الصباح وجد لدهشته ان البئر قد ملئت بالنفط تماما. فبالرغم من ان البئر كانت ذات انتاجية واطئة جداً لا تزيد عن 20 برميلاً باليوم مقارنة ببعض الآبار التي اكتشفت لاحقا في الحقول العملاقة التي يزيد انتاجها عن 100,000 برميل باليوم غير ان تلك البئر كانت الاولى من نوعها التي تحفر بواسطة برج, بالرغم من بدائيته, مما ادى الى حفر العديد من الآبار بالقرب منها بصورة عشوائية لتشكل ما يشبه غابة من الابراج لتشعل فتيل التسابق للتنقيب عن النفط في العالم بصورة لا مثيل لها من قبل مما اعتبر بداية لصناعة النفط العملاقة الحديثة.
اختراع السيارة
لقد كان الإستعمال الرئيسي للنفط حتى عام 1886 مقتصراً على انتاج الكيروسين (الكاز) للإضاءة وبعض الزيوت للمحركات البخارية المستعملة بكثرة في ذلك الزمان. الا انه في عام 1885 قام الالماني كارل بنز بتصميم وبناء سيارته الاولى التي تعمل بواسطة محرك الاحتراق الداخلي ليقوم بتسجيل براءة الاختراع في عام 1886 لتصبحت اول سيارة في العالم. قام بعده مباشرة كل من الالمانيان رودولف ديزل وكوتلب ديملر والامريكي هنري فورد بانتاج سياراتهم لينتشر استعمال السيارات بصورة سريعة مما زاد الطلب على وقود السيارات وبالتالي على النفط الخام بصورة كبيرة. وبحلول سنين ما قبل الحرب العالمية الاولى انتشر استعمال محركات الاحتراق الداخلي في الحافلات وسيارات النقل والطائرات والسفن والادوات الزراعية والمصانع وغيرها مما سبب تهافت الدول الصناعية للحصول امتيازات للتنقيب عنه واكتشاف منابعه.
 كما انه اصبح على رأس المتطلبات الاستراتيجية للدول العظمى في ذلك الزمان من اجل ضمان تشغيل آلاتها الحربية كالدبابت والمدرعات والسفن والطائرات وغيرها في خضم التوتر السائد فيما بينها قبيل الحرب العالمية الاولى.
السباق الى الشرق الاوسط
      لقد كان لاكتشاف النفط في تكساس في سنة 1901 صدى عالمي واسع حيث تم حفر بئر (سبندلتوب) الشهيرة الى عمق 347 متراً ليتدفق النفط منها الى اعلى البرج بارتفاع 46 متراً بمعدل مئة الف برميل باليوم فكان ذلك شيء اقرب الى الخيال مما فتح شهية الدول الكبرى وشركاتها لاكتشاف حقول عملاقة مشابهة.
وبالنظر لوجود ادلة قوية على احتمال وجود النفط في منطقة الشرق الاوسط كتسربه الى سطح الارض كما ذكر سابقاً, فقد قامت الدول العظمى في ذلك الزمان كبريطانيا والمانيا وفرنسا بارسال حملاتها الاستكشافية من جيولوجيون وغيرهم الى المنطقة لتحديد منابعه الغنية. كما قامت بنفس الوقت بارسال بعثاتها التجارية الى الاستانة وطهران من اجل الحصول على عقود امتياز للتنقيب واكتشاف النفط بدعم كبير من دبلوماسييها المتواجدين في العاصمتين.

بركة نفط في منطقة بلكانا القريبة من كركوك
اما في العراق فقد حاول الوالي العثماني المصلح  مدحت باشا (1869 – 1872) انتاج النفط في منطقة مندلي بمساعدة الالمان غير ان عهده لم يدم طويلا. كما حاول الفرنسيون في نهاية القرن التاسع عشر انتاجه في منطقة كركوك وبلكانة دون نجاح يذكر. كما قامت الدولة العثمانية في عام 1905 باستيراد بعض المعدات لانتاج النفط الا انها تعثرت بالاحداث السياسية المضطربة فيها التي ادت في النهاية الى دخول الدولة العثمانية في الحرب العالمية الاولى.
  Anglo-Persian Oil Company شركة النفط الانكليزية الفارسية -
اما في ايران فقد استطاع المستثمر البريطاني وليام دارسي من الحصول على امتياز من شاه ايران لشركته في عام 1901. وبعد جهود استكشافية طويلة ومضنية استطاع دارسي اخيرأً ان يكتشف النفط بغزارة في سنة 1908 في منطقة مسجدي سليمان في اعالي نهر الكارون. لقد كان ذلك اول اكتشاف تجاري عالمي مهم للنفط في الشرق الاوسط مما فتح شهية شركات اخرى للتسابق للحصول على امتيازات لاكتشافه.
وبالنظر لحاجة دارسي للمزيد من الاموال لتطوير الحقل تم الاتفاق بينه وبين شركة بورما للنفط التي تعمل في الشرق الاقصى لتأسيس شركة جديدة باسم شركة النفط البريطانية الفارسية التي اصبحت شركة النفط البريطانية العملاقة الحالية في وقتنا الحاضر. قامت هذه الشركة بعد ذلك بالبحث عن النفط في مناطق اخرى من الشرق الاوسط وكان العراق على رأس قائمتها لتوفر الادلة الكثيرة على وجوده هناك.  
لقد كان العراق خلال هذه الفترة جزءا من الامبراطورية العثمانية التي اصبحت تسمى رجل اوربا المريض. فقد كان باستطاعة الدول العظمى في ذلك الوقت كبريطانيا والمانيا من استعمال نفوذها للضغط على الرجل المريض للحصول على الامتيازات للتنقيب عن المعادن والنفط لشركاتها.
خط سكة حديد برلين بغداد
اما في العراق فقد كان التنافس شديداً بين المانيا وبريطانيا، اهم الدول العظمى في ذلك الزمان، للحصول على امتياز من الامبراطورية العثمانية للتنقيب عن النفط. فقد استطاعت شركة سكة حديد

خارطة سكة حديد برلين بغداد
 الاناضول المملوكة من قبل البنك الالماني من الحصول على امتياز لمد سكة حديد في تركيا ومن ثم على تعديل شروط الامتياز في عام 1903 لتمديد السكة الى بغداد الذي عرف فيما بعد بخط سكة حديد برلين بغداد الشهير. كما اعطى ذلك الامتياز شركة سكة حديد الاناضول اولوية للتنقيب عن المعادن على جانبي مسار السكة. فقامت الشركة على اثر ذلك في 1904 بالحصول على موافقة اولية للتنقيب وتقديم تقريرها خلال سنة واحدة الا ان الشركة لم تلتزم ببعض الشروط مما ادى في سنة 1907 الى اعتبار الامتياز ملغيا.
اما دارسي فقد قام في سنة 1906 بمفاتحة الحكومة العثمانية بمساعدة الحكومة البريطانية للحصول على امتياز للتنقيب عن النفط في العراق الا ان جهوده تلك باءت في الفشل. كما قامت كل من الحكومتين الامريكية والايطالية بالتوسط لحصول شركاتهما على امتيازات نفطية دون اي نجاح يذكر.
البحرية البريطانية وشركة النفط الانكليزية الفارسية
اما في بريطانيا فقد اصبحت فكرة استخدام النفط كبديل للفحم الحجري رائجة حيث  قامت وزارة الخارجية وبعض الوزارات الاخرى خصوصا البحرية البريطانية ليس فقط بالدعوة الى ضرورة سيطرة بريطانيا على الحقول النفطية لتأمين احتياجات البلاد المستقبلية منه بل ان تكون الشركات التي تملك حقول النفط  تلك بريطانية كذلك.
واخيرا وبعد نقاش طويل تقرر تحويل وقود الاسطول البريطاني الى النفط في عهد ادميرال البحرية  شرشل (1912 – 1915) الذي جاء في خطابه في مجلس البرلمان ما يلي :
( يجب على البحرية البريطانية ان تكون مستقلة في امتلاك وانتاج احتياجاتها من الوقود السائل .....) لينهي خطابه ذلك بالقول (ليس على اية نوعية، ليس على اية طريقة انتاج، ليس على اي بلد اخر، ليس على اي طريق واحد وليس على اي حقل نفط معين يجب ان نكون معتمدين. الاستقلالية واليقين في تأمين النفط تكمن في التعددية والتعددية وحدها)
    اما شركة النفط الانكليزية الفارسية فقد بدأت تواجه مشاكل مالية مما جعلها تلجأ الى الحكومة البريطانية التي استطاعت مساعدتها بشراء 51% من اسهمها مقابل 2.2 مليون باند استريني. لقد تمت موافقة الحكومة على تلك الصفقة في 13 ايار 1913 وموافقة البرلمان في 17 حزيران من نفس العام لتصبح الحكومة بذلك صاحبة الاغلبية في مجلس ادارة الشركة وبالتالي صاحبة القرار الاخير في توجيه سياستها لصالحها. وقد يكون من المناسب القول بان الحكومة البريطانية قامت  ببيع كامل اسهما في الشركة التي اصبحت تسمي شركة النفط البريطانية في العقد الثامن من القرن الماضي ما عدا سهمها الذهبى الذى يعطيها الحق في رفض اي قرار لا يتفق مع سياستها.
شركة النفط التركية
في هذه الاثناء تم الاتفاق في عام 1912 بين المصرف الوطني التركي المملوك من قبل مصالح بريطانية وفرع من فروع شركة شل والمصرف الوطني الالماني بتأسيس شركة باسم شركة النفط التركية التي بدأت بالتوسط للحصول على امتياز للتنقيب عن النفط في العراق. وزعت الاسهم لهذه الشركة بنسبة 50% للمصرف الوطني التركي و25% لكل من فرع شركة شل والمصرف الوطني الالماني. وبذلك اصبحت هذه الشركة القوية التي تمثل مصالح بريطانية والمانية وهولندية منافسا قويا لشركة  دارسي البريطانية.
وبما ان شركة شل المملوكة من قبل المصالح البريطانية بنسبة 40% و 60% للمصالح الهولندية تعتبرالمنافس الشديد لشركة دارسي وكانت في نظر الحكومة البريطانية في الوقت نفسه تحت تأثير الحكومة الالمانية لذلك فضلت الحكومة البريطانية مساندة شركة دارسي عليها.  
لم يستطع بعد ذلك اي من الجانبين الالماني او البريطاني من الحصول على امتياز للتنقيب عن النفط بصورة منفردة مما ادى في النهاية الى توحيد جهود البلدين بانشاء شركة جديدة باموال المانية وبريطانية سميت بشركة النفط التركية. استمرت المناقشات بعدها بين الحكومتين الالمانية والبريطانية ليتم دمج مصالح الفرقاء في الاتفاقية التي عرفت فيما بعد (باتفاقية وزارة الخارجية البريطانية) والتي تم توقيعها في اذار 1914. لقد نتج عن ذلك توزيع الاسهم بالنسب الالتالية :
- 47.5% لشركة النفط البريطانية الفارسية
- 25.0% للبنك الالماني
- 22.5% لشركة شل
- 5% لكولبنكيان الذي اصبح يسمى بمستر 5% فيما بعد.
ومن الجدير بالذكر ان اتفاقية وزارة الخارجية البريطانية انفة الذكر اشتملت على مبدأ الحرمان الذاتي التي عرفت باتفاقية الخط الاحمر الذي يقضي بمنع اي من الشركاء من الحصول على اي امتياز للتتنقيب عن النفط في اراضي الامبراطورية العثمانية في الشرق الاوسط بصورة منفردة ما لم يتم ذلك عن طريق شركة النفط التركية.
أثمرت اخيراً جهود الشركة الجديدة بضغوط منسقة من قبل الحكومتين الالمانية والبريطانية لتقوم حكومة الامبراطرية العثمانية بارسال رسالتها الشهيرة بتاريخ 28 حزيران 1914 الى السفيرين البريطاني والالماني في استانبول تعلمهما بان وزير المالية قد وافق على تأجير شركة النفط التركية ترسبات النفط المكتشفة او التي قد تكتشف في المستقبل في ولايتي الموصل وبغداد وانه يحتفظ بحقه في المشاركة في الشركة وتحديد شروطها. أصبحت هذه الرسالة البسيطة اهم وثيقة بيد الشركة لتعتمد عليها في المطالبة بحق الامتياز ذلك حتى بعد انهيار الامبراطورية العثمانية كما سنرى لاحقاً.
قامت الحكومة العثمانية بعد ذلك بقليل في 22 تموز 1914 باعلام ممثلها في لندن للطلب من شركة النفط التركية بارسال ممثلها الى استنبول للاتفاق على شروط الاتفاقية بحضور ممثلين عن السفارتين البريطانية والالمانية. لم تسنح الفرصة لعقد ذلك الاجتماع بسبب اندلاع الحرب العالمية الاولى بعد بفترة قصيرة في 5 تشرين الاول 1914 مما ادى الى انقطاع المداولات حول الموضوع تماماً.
دخلت الامبراطورية العثمانية الحرب الى جانب المانيا ضد بريطانيا وفرنسا لتمنى بالهزيمة ولتفقد سيطرتها على البلاد العربية تماماً. لقد كان من المتوقع في عام 1916 ان تكون ولاية الموصل الغنية بالنفط من حصة فرنسا وعندما بدأ يظهر بان تلك الولاية قد تكون من حصة بريطانيا بدأت فرنسا بالمطالبة في حقها بالمساهمة في الامتيازات النفطية العراقية التي سيتم الاتفاق عليها مستقبلا.
عقد على اثر انتهاء الحرب مؤتمر سان ريمو في 24 نيسان 1920 الذي انتهى بقراراته بشأن توزيع الغنائم من ممتلكات الامبراطورية العثمانية ليوضع العراق تحت الانتداب البريطاني. كما الحق بتلك القرارات رسالة سرية اعطيت فيها حصة البنك الالماني في شركة النفط التركية البالغة 25%  الى فرنسا كما اعطت تلك الرسالة السرية الملحقة بالاتفاقية العراق حق المساهمة في الشركة بنسبة 20%.
النزاع بين بريطانيا والولايات المتحدة على النفط العراقي
اما الولايات المتحدة الامريكية فقد وجدت نفسها بعد انتهاء مؤتمر سان ريمو بانها قد حرمت من الغنائم من ممتلكات الامبراطورية العثمانية فقامت بالمطالبة بذلك ليحصل من جراء ذلك خلافا مريرا بينها وبين بريطانيا. فقد قامت ا الولايات المتحدة الامريكية بمهاجمة بريطانيا وفرنسا لقيامهما بالاستحواذ على كافة الغنائم لتطالب بتطبيق مبدأ الباب المفتوح لاشراكها فيها. اما بريطانيا فقد ادعت بان السبب يعود الى عدم اعلان الولايات المتحدة الحرب على الامبراطورية العثمانية اضافة الى عدم حضورها مؤتمر سان ريمو. اثار ذلك غضب الولايات المتحدة الامريكية التي قدمت مذكرة شديدة اللهجة تذكر فيها بريطانيا وفرنسا بالمساعدات الكبيرة التي قدمتها لهما والتي مكنتهما من النصر. اجابت الحكومة البريطانية بانها تمتلك نسبة 4.5% من النفط العالمي فقط بينما تسيطر الولايات المتحدة على 82% منه. استمرت الولايات المتحدة بالمطالبة بالباب المفتوح مذكرة بريطانيا بانها كانت احد الموقعين عليه في عام 1899 كما انها شككت في قانونية رسالة الحكومة العثمانية التي اعطيت الى شركة النفط التركية التي تطالب بموجبها بحقوق امتيازها للتنقيب عن النفط في ولايتي الموصل وبغداد. بدأت الحكومة البريطانيا تواجه موقفا صعبا امام عناد الحكومة الامريكية فاما ان تستمر برفض طلب المشاركة لتجابه تهديدات الحكومة الامريكيه بالذهاب الى التحكيم او بالاتفاق على حل معقول لمشاركتها. فقررت بعد مباحثات طويلة الموافقة على تخويل شركة النفط التركية  اجراء مفاوضات مع بعض شركات النفط الامريكية للتوصل الى حل معقول يلبى طلب الحكومة الامريكية تفاديا للقطيعة. تم على اثر ذلك اجراء محادثات بين ممثلي شركة النفط التركية وسبع شركات نفط امريكية تم التوصل فيها على مشاركة الشركات الامريكية في شركة النفط التركية لتنتهي تلك الازمة بسلام.
توزيع الاسهم بين الشركاء الجدد
جرى بعد ذلك نقاش طويل على توزيع الاسهم بين الشركاء ليتم توزيعها في النهاية كما يلي :
- 23.75% لشركة النفط الانكيزية الفارسية
- 23.75% لشركة النفط الفرنسية
- 23.75% لشركة نفط شل
- 23.75% لمجموعة شركات النفط الامريكية
- 5% لكولبنكيان
- تعويض شركة النفط الانكيزية الفارسية عن خسارتها لبعض اسهمها باعطائها 10% من النفط الذي يتم انتاجه من قبل الشركة.
كما تم الاتفاق على جعل حصة كوبنكيان لا تملك حق التصويت في مجلس الادارة حتى لا يستطيع اي شريكين من الشركاء الاربعة الكبار الانفراد باتخاذ القرارات.
اتفاقية العمل لشركة النفط التركية
بدأ الشركاء  الجدد في شركة النفط التركية بمناقشة المبادئ التي سترتكز عليها الشركة ليس في سياستها الداخلية فيما يخص الشركاء فقط ولكن فيما يخص العلاقات بين الشركة والحكومة العراقية والتي سميت باتفاقية العمل. لقد استمرت تلك المداولات وقتا طويلا يقدر بحوالي ست سنوات من 1922 ال 1928 ليتم خلالها الموافقة على المبادئ التالية :
- مبدأ الباب المفتوح والقطع الصغيرة
كانت الشركات الامريكية قد اقترحت تطبيق مبدأ الباب المفتوح لترضية الحكومة الامريكية التي حصلت من خلاله على مشاركة المصالح الامريكية في شركة النفط التركية فاقترحت مبدأ منح الامتيازات بالقطع الصغيرة الذي ينص على ان تختار الشركة 12 قطعة ارض مساحة كل منها 16 ميلا مربعا اي بمساحة كلية تساوي 192 ميلا مربعا لتختار الحكومة العراقية مثل ذلك العدد من القطع لعرضها للمناقصة التي يحق لشركة النفط التركية المساهة فيها وهكذا.
لاقى ذلك الاقتراح معارضة شديدة من قبل كولبنكيان الذي ادعى ان ذلك قد ينتهي بمشاركته بمساحة 192 ميلا فقط بينما يحق له المشاركة في 5% من المساحة الكلية لولايتي الموصل وبغداد التي تقدر ب 159,000 ميلا مربعا. لاقى هذا الاعراض مساندة من الجانب الفرنسي الذي تخوف من استحواذ الجانبين البريطاني والامريكي على العديد من القطع بالدخول في المناقصات الاخرى. تم بعد ذلك جعل عدد القطع 24 بمساحة 8 ميلا مربعا الا ان ذلك لم يرض كلبنكيان او الجانب الفرنسي.
وبالرغم من شمول اتفاقية الامتيازات النفطية العراقية الاولى لسنة 1924 على مبدأ القطع الا ان ذلك المبدأ تم الغاءه في اتفاقية 1931 لتستحوذ الشركة على الاراضي الواقعة شمال بغداد وشرق دجلة بمساحة 32,000 ميلا مربعا وليلغى مبدأ القطع تماما.
وهنا لابد ان نشير الى ان الغاء مبدأ القطع الصغيرة المبني على سياسة الباب المفتوح التي اصرت عليه الحكومة الامريكية في البداية لم يلق اي اعتراض من جانبها ما دام ذلك لصالح شركاتها.
   - مساهمة العراق في راس مال الشركة
لقد نصت الرسالة السرية الملحقة في اتفاقية مؤتمر سان ريمو لعام 1920 على (لقد تم الاتفاق بانه في حالة تكوين شركة نفط خاصة بالشكل المار الذكر فانه سيسمح للحكومة الوطنية او المصالح الاخرى – اذا رغبت في ذلك –  في ان تساهم بنسبة 20% من المال الخاص بتلك الشركة). وبالرغم من ذلك النص الصريح فقد قرر الشركاء في شركة النفط التركية عدم الالتزام بذلك لتخوفهم من تدخل الحكومة العراقية في سياسات الشركة المالية والانتاجية وغيرها. وذلك ما حصل بالرغم من مطالبة الحكومة العراقية بذلك قبل علمها بوجود الرسالة السرية وبعد ذلك ايضا.
- سعر النفط
لم يكن هناك سوقا عالمية معروفة للنفط في ذلك الوقت وبذلك لم يكن هناك سعرا يعتمد عليه ما عدا الاسعار المختلفة في سوق النفط الامركية الواسعة. لذلك قرر الشركاء تسعير نفط العراق باربعة شلنات (ذهب) للطن الواحد معتمدين بذلك على اجتهادهم الخاص بذلك. لقد اعتبروا ذلك سعرا عادلا مما سيدر على الحزينة العراقية موردا ثابتا لا يخضع للتذبذبات في الاسعار العالمية كما انهم ادعو بان ذلك سوف يجنب الحكومة العراقية تقديم الاموال الازمة التي لا تمتلكها للمساهمة في رأس مال الشركة. 
- الشركة غير ربحية
اثار الشركاء الامريكيين موضوع الضرائب وانهم سوف يتعرضون الى الخضوع للضريبة المزدوجة من قبل الحكومتين الامريكية واالبريطانية وذلك بالنظر لكون الشركة مسجلة في بريطانيا وان ذلك غير مقبول من قبلهم. وجد الشركاء بعد مداولات طويلة بان الحل الامثل لهذه المشكلة جعل الشركة مسؤولة عن ادارة اعمالها لقاء حصولها على الاموال اللازمة لتغطية نفقاتها دون مشاركتها في الارباح حيث يقوم كل من الشركاء بأخذ حصته نفطا دون حصول عملية بيع او شراء.
- مبدأ الحرمان الذاتي او اتفاقية الخط الاحمر
لقد تم شرح تفاصيل هذه الاتفاقية الاحتكارية باسهاب في فصل اتفاقية الخط الاحمر لاحقا.
- مجلس ادارة الشركة
تم الاتفاق بين الشركاء على ان تجري ادارة اعمال الشركة المهمة دون اي تدخل من قبل الحكومة العراقية الذي قد ينتج عنه خلالافات مستمرة بينهما. فبالرغم من موافقة الشركة على تعيين عضو مجلس ادارة من قبل الحكومة العراقية الا انها كانت تدعوه لحضور الجلسات الروتينية فقط بينما يتم بحث المواضيع المهمة كالميزانية وسياسات الاستكشاف والتطوير والانتاج وغيرها في اجتماعات اخرى.
- مدة الامتياز
ان تكون مدة الامتياز بحدود 99 سنة.
- عدم خصوع الشركة للضرائب العراقية
قرر الشركاء تفادي الشركة الخضوع للضرئب العراقية لما في ذلك من مخاطر احتمال زيادتها في المستقبل بصورة كبيرة. لقد تم التغلب على ذلك كما سنرى بعد ذلك باخضاع الشركة الى نفس الضرائب التي تخضع لها الشركات العراقية.
- رئيس مجلس الادارة
تم الاتفاق على ان يكون رئيس مجلس الادارة بريطانيا بصورة دائمية.
- شركة نفط العراق
الاتفاق على استبدال اسم شركة النفط التركية بشركة نفط العراق اعتبارا من 8 حزيران 1928.



شعار شركة نفط العراق
هذا وقد استمرت خلال هذه الفترة المفاوضات بين الحكومة العراقية والشركة ليتم توقيع اتفاقية الامتياز فيما بينهما في عام 1925 كما استمرت اعمال التنقيب عن النفط من قبل الشركة دون توقف ليتم اكتشاف حقل كركوك في عام 1927.







Friday 10 July 2015

جريدة رأي اليوم







10th Jul 2015
http://www.raialyoum.com/images/home_icon.png
·         كتاب و اراء
·         أخبار سياسية
·         تقارير
·         صحف عبرية
·         اقتصاد
·         اهل الفن
·         الاتصال بنا
·         English

Jul 7, 2015

 
 
د. مصطفى البزركان
صدر كتاب بعنوان (العراق وصناعة النفط والغاز في القرن العشرين) لمؤلفه الأستاذ غانم العناز الخبير في ميدان النفط والغاز. الكتاب صدر باللغة الإنكليزية عن دار نشر جامعة نوتنكهام البريطانية. يقع الكتاب في 538 صفحة ويتضن  14 فصلا يعرض المؤلف فيه حصيلة خبرته طيلة ما يقارب خمسة عقود قضاها في ميدان إستخراج وانتاج وتصدير النفط  والغاز في العراق و في دولة الإمارات العربية المتحدة و المملكة المتحدة.
يعتبر الكتاب فريدا بحق لكونه اول كتاب من نوعه يغطي تفاصيل كافة اوجه صناعة النفط والغاز العراقية خلال القرن العشرين وما بعده. حيث اعطيت اهمية خاصة للمواضيع التاريخية، التجارية، السياسية والفنية التي تشمل التنقيب، الاكتشاف، التطوير والانتاج لحقول النفط والغاز اضافة الى المصافي ومنشآت معالجة الغاز وتسويق المنتجات وتوزيعها.

فقد تم تغطية تفاصيل امتيازات التنقيب الاولى التي تم الحصول عليها لصالح مجموعة شركة نفط العراق المحدودة بواسطة الدعم والنفوذ الذي قدمته الحكومة البريطانية لها يوم كان العراق تحت الانتداب البريطاني. بالاضافة الى ادراج ومناقشة 84 من حقول النفط والغاز التي تم اكتشافها حتى الآن. كما ناقش المؤلف في كتابه خطوط انابيب تصدير النفط عبر سوريا، لبنان، فلسطين وتركية الى البحر الابيض المتوسط بالاضافة الى بحث كافة النزاعات المتوترة والمريرة في بعض الاحيان في الامور التجارية والسياسية سواء كان ذلك بين تلك الدول نفسها او بينها وبين شركات النفط العالمية من خلال شركتهم الفرعية شركة نفط العراق.
كما تضمن الكتاب عرضا للعلاقات المتذبذة بين العراق ومجموعة شركة نفط العراق. وبحث الكتاب ثروة العراق النفطية بعد العام  2003 . كما ويعرض  المؤلف في كتابه نظرة شاملة وفريدة عن اوضاع العراق النفطية مما يجهل كتابه مرجعا مهما للمهتمين في شؤون النفط العراقية سواء أكانوا شركات دولية، خبراء النفط، مؤرخين، سياسيين، اكاديميين، باحثين او عامة الناس.  كما تضمن الكتاب الكثير من الخرائط التاريخية والجداول الاحصائية والصور النادرة المتعلقة بصناعة النفط والغاز في العراق.
الفصل الأول من الكتاب قدم المؤلف فيه عرضا تاريخيا لصناعة النفط والغاز في العراق في القرن العشرين إضافة الى ما شهدته منطقة الشرق الأوسط من تنافس وسباق على إستخراج النفط من اعماق أراضيها. اما الفصل الثاني فقدم المؤلف فيه عرضا للجهود الذي بذلت من جانب بريطانيا وشركات النفط الغربية للمشاركة في التنقيب عن الثروات النفطية العراقية والتنازلات التي قدمها العراق للشركات العاملة في ميدان النفط. أما الفصل الثالث من الكتاب فعرض فيه المؤلف تاريخ العلاقات بين الحكومة العراقية  و(مجموعة شركة نفط العراق آي.بي.سي)  خلال فترة الحكم الملكي في العراق. وخصص المؤلف الفصل الرابع من كتابه للحديث عن ثورة 1958 ونظام عبد الكريم قاسم وتحدث فيه عن تأزم العلاقات بين الحكومة العراقية و(مجموعة شركة نفط العراق آي.بي.سي) بعد نجاح الثورة بإسقاط النظام الملكي. أما الفصل الخامس من الكتاب فخصصه المؤلف للحديث عن ثورة 1968 ونظام حزب البعث بعد أن تبوأ حزب البعث السلطة بعد 17 تموز 1968. وتحدث المؤلف عن قرار تأميم النفط العراقي في العام ( 1973) والمباحثات التي جرت بين ممثلي الحكومة العراقية وممثلي شركات النفط الغربية التي كانت عاملة في العراق.
ثم تحدث المؤلف في الفصل السادس من كتابه عن وزارة النفط العراقية وقدم عرضا لتاريخ تأسيس الوزارة في العراق. وتحدث المؤلف في الفصل السابع من كتابه عن شركة النفط والوطنية العراقية وتأسيسها وكذلك إصدار قانون رقم 80 في 12 كانون اول 1961. اما الفصل الثامن من الكتاب فجاء بعنوان “حقول النفط والغاز في العراق” وعرض فيه المؤلف خرائط جيولوجية نادرة لمواقع حقول النفط والغاز في العراق .وتحدث المؤلف بالتفصيل عن الحقول المنتشرة في أراضي العراق من شماله حتى جنوبه ، ومن شرقه حتى غربه. واشار المؤلف الى شركة النفط والوطنية، شركة نفط العراق،وشركة نفط البصرة، وشركة نفط الموصل.وقدم المؤلف في كتابه المرجعي عرضا تاريخيا نادرا عن كافة الحقول النفطية في العراق واحتياطاتها النفطية وكميات إنتاجها ونوعيات النفوط التي تنتجها. اما الفصل التاسع من الكتاب فتحدث فيه المؤلف عن تاريخ ومراحل تطوير حقول النفط العراقية. وقدم المؤلف تفاصيل عن الجهود التي بذلت لتطوير إنتاج الحقول العراقية خلال خمسة عقود إضافة الى تفاصيل عن شبكات خطوط أنابيب نقل النفط من مناطق المنبع الى المصب. وتحدث المؤلف في الفصل العاشر من كتابه عن شبكات انابيب تصدير النفط الخام العراقي. وعرض المؤلف صورا وخرائط تاريخية نادرة مفيدة جدا للباحثين و للمختصين بميدان النفط والغاز في العراق.  اما الفصل الحادي عشر من الكتاب فخصصه المؤلف للحديث عن صناعة الغاز الطبيعي في العراق. وتحدث المؤلف في الفصل الثاني عشر من الكتاب عن مصافي النفط العراقية وتاريخ انشائها وطاقات انتاجها.
اما الفصل الثالث عشر من الكتاب فتحدث فيه المؤلف عن إنتاج النفط العراقي السنوي خلال القرن العشرين. اما الفصل الرابع عشر من الكتاب فخصصه المؤلف للحديث عن المرافق السكنية والإجتماعية التي توفرت للعاملين في ميدان صناعة النفط والغاز في العراق. ويقول المؤلف” اقيمت  في العراق مجمعات سكنية في حقول كركوك والبصرة وفي محطات ضخ النفط بالقرب من بيجي وحديثة والقائم. اما اشهرها واجملها على الاطلاق فمجمع شركة نفط الموصل في عين زالة الذي كان اشبه ما يكون بمصيف او حتى مشتى اقيم على تلال عين زالة المرتفعة ذات الطبيعة الجميلة والهواء العليل.”.
وعن تاريخ إكتشاف النفط في العراق يقول المؤلف في كتابه المرجعي” لقد تم اكتشاف النفط بكميات تجارية كبيرة في العراق لاول مرة في التاريخ  في حقل كركوك العملاق من قبل شركة النفط التركية (شركة نفط العراق لاحقاً) عندما انفجرت البئر الاولى فيه في 14 تشرين الاول 1927 . واكد ذلك الاكتشاف تكهنات الدول العظمى فى ذلك الوقت كبريطانيا وفرنسا والمانيا وامريكا وغيرها عن تواجد حقول النفط الغنية في العراق مما فتح شهية تلك الدول للتسابق للمساهمة في الحصول على امتيازات نفطية لشركاتها اسوة بشركة نفط العراق. تم على اثر ذلك في عام 1928 تشكيل شركة جديدة باسم شركة انماء النفط البريطانية المدعومة برؤوس اموال بريطانية للحصول على امتيازات نفطية في العراق والتي اصبحت تدعى فيما بعد بشركة نفط الموصل. ويضيف المؤلف: قام ممثل شركة انماء النفط البريطانية بتقديم عرضاً شفهياً الى الملك فيصل الاول في ايار 1928 تضمن فقرة جديدة غير موجودة في اتفاقية 1925 مع شركة النفط التركية لانشاء خط سكة حديدية من العراق الى البحر الابيض المتوسط الشيء الذي كانت الحكومة العراقية تسعى لتحقيقه. وفي كانون الاول 1928 قامت الشركة بتقديم عرضاً جديداً تضمن تقديم قرضاً للحكومة العراقية بمبلغ 2,100,000 باوند استرليني لمدة 30 سنة بفائدة قدرها 5.5 % ومنح الحكومة فرصة للمشاركة في اسهم الشركة بنسبة 25% حيث درس العرض من قبل مجلس الوزراء وتم رفضه لكونه مبني على مبدأ اعلان المناقصات ومشروط بنتائجها. كان لانتشار خبر انشاء شركة انماء النفط البريطانية وسعيها للحصول على اتفاقية لاكتشاف النفط في العراق وقع كبير في الاوساط الدولية مما دفع الحكومة الايطالية، بعد حرمانها من المشاركة في شركة نفط العراق، للمطالبة باشراكها في المساهمة في هذه الشركة فتم على اثر ذلك في آب 1929 منح شركة النفط الوطنية الايطالية (أجيب) 40% من اسهم تلك الشركة. كما شعر الالمان بالغبن ايضاً لعدم اعطائهم فرصة للمشاركة في الشركة، بعد ان خسروا حصتهم بشركة نفط العراق نتيجة خسارتهم الحرب العالمية الاولى، فتمت ترضيتهم في نيسان 1930 ليتم اعادة توزيع اسهم الشركة بنسبة 51% للمصالح البريطانية و 34% للمصالح الايطالية و 15% للالمان . وطالب الفرنسيون والسويسريون بعد ذلك باشراكهم في الغنيمة فتم لهم ذلك واعيد توزيع اسهم الشركة بشكل نهائي كالتالي، 51% للمصالح البريطانية و25% للمصالح الايطالية و12% للمصالح الالمانية و 12% للمصالح الفرنسية والسويسرية. واشار المؤلف في كتابه “كانت شركة النفط التركية قد وقعت مع الحكومة العراقية اتفاقية النفط الاولى في اذار 1925 الا ان الشركة لم تستطع الالتزام ببعض شروط تلك الاتفاقية بالرغم من منحها سنة اضافية مما نتج عنه الغاء تلك الاتفاقية في تشرين اول 1928 والدخول في مفاوضات جديدة. وقد كان من حسن حظ الحكومة العراقية تلقيها العرض المذكور اعلاه من شركة انماء النفط البريطانية مما ساعد المفاوض العراقي للحصول على شروط افضل في اتفاقية اذار 1931 النهائية بين الحكومة العراقية وشركة نفط العراق والتي تم فيها تحديد منطقة امتيازها بالاراضي الواقعة شرق نهر دجلة من شمال العراق بمساحة قدرها 32,000 ميل مربع لتصبح بموجب ذلك الاراضي الواقعة غرب دجلة متوفرة للاستثمار من قبل شركات اخرى”.

Tuesday 26 May 2015

ألــجـدولُ الـمـرح


ألــجـدولُ  الـمـرح
                                                                    
غـانـم  الـعــنّــاز


ما  لي أحـبّ المشي عند الجدولِ      يجري لعوبا ً بين عـشبٍ  أخضلِ

يـنساب مـا بـيـن صخـو رٍ لاهــيـا ً        مـدغـدغـا ً ذاك الغصين الـهـادلِ

في الصيف يبدو ضامراً أو لاهـثـاً        مـنـتـظـرا ً ذاك السـحاب الـهـاطِـل ِ

حـتّى إذا  مـا جـاء غـيــثٌ  وابــل ٌ       فـاض فصـار كالـنـهـيـر الرافـلِ

والــزهــر مـيـّـاسٌ يباهي يــمـنــةً        فـيـسرة ً يـشـرح صـدر الـمـثـقــلِ

يـزهــو يـرشّ عـطـرهُ في  غـبطـة ٍ       على ضـفـافٍ لـلصـديـق الـمـقـبـل ِ

كأنّــهُ الـمـرجـان لــمّـا يـنـثــنــي        يــلــثــم يـاقـوتـا بـشـكـلٍ مــذهـــلِ

 والـباسـقـاتُ مـن قـريـب ٍ تـشـتـهـي        ألخوض بالماء الـفرات السلسـل ِ

والـشمـس تـرنـو من بـعـيـد ٍ كالـتي        تــنـثـر شـعـراً كالـلجـيـن  الـسائــلِ
 
 يأتـي نـسـيـمٌ رائـحـا ً أو  غـاديــاً        مـسـتـعــذبـا ً لـثـمَ  خـدود الـجــدولِ

 يـنسج فوق السطح وشـيـا ً رائـعـا ً        كأنّــهُ الــفـضـة لـمّـا   تــنـجـلـــي
  
والطـيــر صــدّاح ٌ بأعـلى صـوتــه ِ       يــدعـو حــبـيــبـا ً لـلـغـــرام الأول ِ

تـرى فــراشاً لاهـيـاً بـل  راقـصـاً        مـســتـعــذبـاً  ألـحـان ذاكَ  الـبلـبـل ِ

والـلقـلــقُ الصابــرُ يـبــدو صافــنـا ً        مــســددا ً مــنـــقــاره  كالــنــابــلِ

حــتّى إذا  مـا لاح  صـيــد ٌ غـافــل ٌ       هــوى عـلـيــهِ لاقـطـاً بـالـمـغــزلِ

والـبـطّ يلـهـو  في  جــوارٍ سارحـاً        أو مائـحـاً في   مـشـيـهِ  كالغـافـلِ

وقــد تـراه  طافــيـا ً  مـسـتــرخـيـاً        أو سـابـحـاً  مـجــذّفــاً   بالأرجــل

والـنـحــل طــوّافٌ عـلى أزهـارهِ        يـجـنـي  رحـيـقـاً  رائـعـاً للعـاسـلِ

فالكـلّ يـبــدو عـامـلا ً أو لاهــيـــا ً       مـبــتـعــداً  عـن  فــتــنــة ٍ لا تنجلي

يـا  سـادتي هـل لا  أخـذنـا عـبــرةً        ثـمّ ابـتـعـدنـا عن  شـقـاقٍ مـخـجـل؟ِ

يا صاحـبي تـلـك جـنـانٌ  بـيـنـنــا        هــل لا  تـكـون وجـهـِةً   لـلـعـاقـل ِ؟

واتـفـورد –  ضواحي  لـنـدن
أيـلـول  2008

لقد كتبت هذه القصيدة قبل سبع سنوات بحق ذلك الجدول الذي لا زلت ازوره والذي لا زال يخفف عني ما اراه هذه الايام من المصائب التي تحل في بلادنا والتي تتفطر لها القلوب وتدمع لها العيون. فمتى يا ترى سوف تهدأ النفوس ويعيش الناس في امان ليعود الصفاء ونتمتع بما حولنا من جمال؟ 

Tuesday 3 March 2015

تأميم نفط العراق وأسراره

تأميم نفط العراق وأسراره
بقلم غانم العنّـاز


 
تمهيد
كان القانون رقم 80 الصادر في 12 كانون الاول 1961 قد مكن العراق من استرجاع 99.5% من مجموع مساحات امتيازات شركات نفط العراق والموصل والبصرة وترك لها مناطق عملياتها الفعلية المقدرة ب 0.5% وذلك بعد فشل  المفاوضات الشاقة والمريرة التي استمرت حوالي ثلاث سنوات والتي شارك فيها الزعيم عبد الكريم قاسم بنفسه. لم يحدث اي تقدم يذكر بعد ذلك في العلاقات المتوترة بين الحكومة العراقية وشركات النفط في عهد الزعيم عبد الكريم قاسم.
استمر الجمود في العلاقات بعد الانقلاب الذي قاده عبد السلام عارف في 8 شباط 1963 الى ان قررت حكومة طاهر يحيى التي جاءت في 22 تشرين الثاني 1963 الامتناع عن تعميق المجابهة مع الشركاث الثلاث وتهدئة الاوضاع في سبيل ايجاد تسوية ما ترضي الطرفين.
وبالنظر للصعوبات التي واجهها كل من كل من العراق وشركات النفط من حالة الركود التي ليست لصالح اي منهما فقد كانا على استعداد لاستئناف المفاوضات بهدف التوصل الى تسوية شاملة للنزاعات العديدة القائمة بينهما والتي اهمها من وجهة نظر الشركات استرجاع حقل الرميلة الشمالي والحصول على بعض التراكيب ذات الاحتمالات النفطية الواعدة اضافة الى استعادة اكبر مساحة ممكنة من اراضي امتيازاتها ذات الاحتمالات النفطية الجيدة. اما الصعوبات التي واجهتها الحكومة فمنها عدم توفر الخبرات المحلية والاموال اللازمة للقيام بتطوير اي من الحقول المكتشفة التي الت اليها بموجب القانون رقم 80 كحقل الرميلة الشمالي العملاق بصورة مباشرة او بالاتفاق مع شركات اخرى لتهديد مجموعة شركات نفط العراق بمقاضاة تلك الشركات دوليا هذا اضافة الى حاجة الحكومة الماسة لزيادة الانتاج وبالتالي عائدات البلاد النفطية المجمدة لعدة سنوات.
  تم على اثر ذلك الدخول في المفاوضات التي بدأت في 2 ايار 1964 والتي دامت لمدة 13 شهر لتنتهي في 3 حزيران 1965 حيث تم في نهايتها التوصل الى مشروع عقد اتفاقيتين منفصلتين.
الاتفاقية الاولى بين الحكومة العراقية ومجموعة الشركات تتعلق بتصفية الامور المتنازع عليها بين الطرفين وتخصيص مناطق اضافية للشركات بموجب المادة الثالثة من القانون رقم 80 لعام 1961 التي نصت على (لحكومة الجمهورية العراقية اذا ارتأت تخصيص اراض اخرى لتكون احتياطا للشركات على ان لا تزيد على مساحة المنطقة المحددة لكل شركة) ليصبح بذلك مجموع الاراضي المخصصة للشركات 1% من مجموع مساحات امتيازاتها.
اما الاتفاقية الثانية فكانت بين شرطة النفط الوطنية العراقية ومجموعة الشركات لتأسيس شركة جديدة باسم شركة نفط بغداد المحدودة برأس مال مشترك لاكتشاف بعض حقول النفط الجديدة وتطوير بعض الحقول المكتشفة الاخرى.
عرضت اتفاقية شركة نفط بغداد على مجلس الوزراء فاحدثت انقساما شديدا بين اعضائه ادى الى استقالة ستة منهم على رأسهم وزير الصناعة اديب الجادر. وعند عرضها على مجلس قيادة الثورة ظهر بان المجلس لم يكن على علم بتفاصيل مجريات المفاوضات مما ادى الى عدم حصول موافقته على الاتفاقية كذلك. (يرجى الرجوع الى دراستنا المعنونة شركة نفط بغداد المحدودة لتفاصيل ذلك)
لم يحدث بعد ذلك اي تقدم يذكر بين الحكومة العراقية والشركات الى ان قامت ثورة 17 تموز 1968 ووصول حزب البعث الى سدة الحكم. انشغلت الحكومة الجديدة بالقضاء على معارضيها لتعير اهمية كبيرة الى شركات النفط بالرغم من انتقاداتها اللاذعة لحرمان البلاد من حقوقها المشروعة الا انها لم تكن بوضع يمكنها من اتخاذ اية خطوات فعالة لمجابهتها. 
توتر العلاقات
قامت الحكومة بعد ذلك باتخاذ اول اجراء لها ضد الشركات بتوقيف المدير العام لشركة نفط العراق في كركوك الدكتور حلمي سمارة في عام 1969. لقد كان حلمي اول مدير عام عراقي (من اصل فلسطيني) في تأريخ شركات النفط في العراق مما مكن الحكومة من توقيفه لاعطاء رسالة واضحة الى الشركات عن عدم رضاها عن استمرار تعنتها بحل النزاعات القائمة بينهما. كما ان توقيف حلمي قام باعطاء رسالة واضحة اخرى الى كافة كبار الموظفين العراقيين العاملين في الشركات بانهم عرضة لمثل ذلك الاجراء مما خلق جو من التوتر والبلبلة والخوف بين صفوفهم.
لقد جاء تعيين حلمي سمارة بوظيفة المدير العام لشركة نفط العراق كثمرة لسياسة الحكومات السابقة بضرورة تعريق الوظائف في الشركات وبشارة خير للعراقيين العاملين في الشركات لفسح المجال امامهم لتسلم أعلى الوظائف وكسب الخبرات اللازمة لتأسيس صناعة نفط وطنية مستقبلا. لقد قام حلمي خلال فترة تقلده لمنصب المدير العام بتقديم خدمات مهمة لمدينة كركوك اكثر مما قدمه لها اي من المدراء الاجانب الذين سبقوه. كان من اهم تلك الخدمات اعداد التصاميم والخرائط والمواصفات اللازمة لتوسيع محطة ضخ الماء العائدة لبلدية مدينة كركوك الواقعة على نهر الزاب الصغير ومد خط انابيب ماء جديد بقطر 24 عقدة وطول 45 كم من هناك الى مدينة كركوك لتوفير مياه الشرب الاضافية الناتجة عن توسع المدينة العمراني. هذا بالاضاقة الى اعداد وثائق المناقصة والاشراف على تنفيذ الاعمال. انني لاذكر ذلك جيدا حيث كنت في ذلك الوقت رئيس دائرة التصاميم الهندسية في الشركة التي اعدت تلك التصاميم والخرئط والمواصفات ووثائق المناقصة للمشروع. كما لا انسى متابعة حلمي شخصيا بالاتصال بي بين الحين والآخر طالبا الاسراع في انجازها لتنفيذ المشروع باسرع وقت ممكن. كما انه قام بمد يد المساعدة لتوسيع مستشفى كركوك عن طريق بناء جناح يحتوي على مختبر عصري مجهز بالمعدات الحديثة اللازمة.      
تم اطلاق سراح حلمي بعد توقيف دام عدة اشهر ليترك العراق بصورة نهائية ليكون بذلك من اوائل عقول الشركة الكثيرة المهاجرة. لقد كان من حسن الصدف ان التقي بحلمي في الشارقة في الامارات العربية المتحدة في الفترة 1987 – 1995 حيث كنا نعمل هناك وكنا نقضي بعض الاوقات مساء ليحدثني عن معاناته خلال فترة توقيفه في زنزانة انفرادية صغيرة وتعرضه للتحقيق المستمر عن علاقاته مع شركة نفط العراق بالرغم من ان وظيفته ادارية لا دخل لها باتخاذ القرارات المتعلقة بسياسة الشركات المالية والاستثمارية وخططها الاستكشافية والانتاجية والتصديرية المهمة التي يتم اتخاذها من قبل مجلس ادارة الشركات في لندن. 
قصف معمل التركيز
بقيت العلاقات متوترة بين الحكومة والشركات وما صاحبه من خوف وترقب بين الموظفين والعاملين في شركة نفط العراق ليصاب الوضع بنكسة جديدة بعد قصف معمل تركيز النفط في كركوك في الاول من آذار 1969. انني لاذكر ذلك جيدا حيث كنا نشاهد احد الافلام في سينما الشركة في منطقة بابا السكنية مساء ذلك اليوم عندما توقف عرض الفلم وطلب من المشاهدين الذهاب الى دورهم مباشرة بدون تأخير من دون اعطاء اي سبب لذلك. لقد كنت اسكن في منطقة عرفة السكنية للموظفين وكان طريق رجوعي الى البيت يمر امام معمل التركيز الذي كان مغلق فاتجهت بسيارتي الى منطقة ك1 لاخذ الطريق الموصل الى عرفة من هناك. وخلال سيري في ذلك الطريق كان معمل التركيز عن يساري على بعد نصف كيلومتر تقريبا وكانت اصوات الانفجارات قادمة من هناك. وعند التفاتي الى معمل التركيز لارى ما يحدث هناك وجدت وهج متقطع في السماء قادم من خلف معمل التركيز. بقيت تلك الليلة في ترقب لاعلم في صباح اليوم التالي بان ذلك الوهج والافجارات ما هي الا قذائف مورتر. كما علمنا بان 117 قذيفة اطلقت في تلك الليلة سقط 50 منها داخل معمل التركيز لتصيب اكبروحدات التركيز رقم 12 التي تبلغ طاقتها الانتاجية 250,000 برميل باليوم. وبالرغم من نشوب الحرائق في الوحدة 
رقم 12 ووالمضخات الكبيرة وفرن تسخين النفط وبقية المعدات التابعة لها الا انه لم يصب اي من العاملين
بأذى



 وحدة التركيز رقم 12

ولندع عبد الكريم محمد رئيس معمل التركيز يصف لنا تلك الاحداث كما يلي :-
   ((((بدء القصف في حوالي الساعة التاسعة والنصف من مساء 1 آذار 1969. يحتوي معمل التركيز على 12 وحدة 9 منها كانت تعمل في ذلك الوقت بطاقة اجمالية تقدر بمليون برميل باليوم. تتألف كل وحدة من برج او برجي تركيز ووحدات ضخ كهربائية ضخمة لتدوير النفط الحار وفرن عملاق لتسخين النفط اضافة الى كافة الملحقات الاخرى من شبكة انابيب وصمامات للنفط والغاز والهواء وماء الحرائق والعشرات من اجهزة السيطرة وغيرها.


وحدة التركيز رقم 12 بعد القصف
كان عدد المشغلين في تلك الوجبة الليلية 65 كلهم من العراقيين. تم البدء بايقاف تشغيل معمل التركيز بصورة كاملة بعد بدء القصف مباشرة وايقاف النفط المتدفق اليه من محطات عزل الغاز وذلك عن طريق الكبس على زر الحالات الطارئة. ادى ذلك الى ايقاف جميع محطات عزل الغاز الكثيرة ومن ثم غلق عشرات ابار النفط والغاز في حقول النفط المنتشرة على مساحة بطول 200 كم وعرض 3 كم تقريبا. كما تم استدعاء فرقة اطفاء الشركة لمكافحة الحرائق والعديد من الموظفين والمشغلين للمساعدة في السيطرة على الوضع الخطير.
لقد كانت الاضرار التي لحقت بالوحدة رقم 12 جسيمة تطلبت اعادة انشاء الجزء الاعلى من برجها العملاق اضافة الى استيراد وحدات الضخ الكهربائية الضخمة ووبقية المعدات اللازمة. وبالنظر لكون الوحدة رقم 12 من اكبر الوحدات لطاقتها الانتاجية العالية والبالغة ربع مليون برميل باليوم فقد تم اعطاء مهمة تصنيع الجزء الاعلى من برجها للشركة المصنعة البريطانية الاصلية ولشراء وحدات ضخها اهمية قصوى. لقد كان طول الجزء الاعلى من البرج 60 قدما وقطره 14 قدم ووزنه حوالى 100 طن. ومع ذلك فقد تقرر شحن ذلك الجزء من البرج جوا بطائرة خاصة بالرغم من التكاليف الباهضة لذلك. تكللت تلك الجهود بالنجاح في اعادة تأهيل الوحدة رقم 12 ليتم الاحتفال بتشغيلها في يوم الجيش العراقي المصادف 6 كانون الثاني 1970 اي بعد حوالي عشرة اشهر من قصفها.)))
لقد بلغت تكاليف اصلاح تلك الاضرار حوالي عشرة ملايين باوند استرليني اضافة الى انخفاظ معدلات تصدير النفط وبالتالي العوائد المالية للعراق مما عجل في قيام الحكومة بفتح ملف النفط مع الشركات.  
إستئناف المفاوضات
قامت الحكومة على اثر ذلك في شهر شباط 1970 بتاكيد موقفها من إلغاء المادة الثالثة من القانون رقم 80 لعام 1961 التي نصت على (لحكومة الجمهورية العراقية اذا ارتأت تخصيص اراض اخرى لتكون احتياطا للشركات على ان لا تزيد على مساحة المنطقة المحددة لكل شركة). كما قامت في الذكرى الثانية للثورة في تموز 1970 بمهاجمة شركات النفط وحذرت شركة نفط البصرة ان هي امتنعت عن زيادة انتاجها البالغ 16 مليون طن بالسنة اي (320.000 برميل باليوم) الى ما يعادل مجموع الطاقة التصديرية لميناءي الفاو وخور العمية البالغ 35 مليون طن بالسنة (700.000 برميل باليوم) فان الحكومة سوف تقوم بالاستفادة من الطاقة التصديرية غير المستغلة لتصدير نفط شركة النفط الوطنية العراقية. اما شركة نفط البصرة فقد ادعت بان انخفاظ تصدير نفطها يعود الى ارتفاع الكلفة العالية للشحن من الخليج.
موقف الشركات التصالحي
لم يحدث اي تغير يذكر في موقف اي من الطرفين حتى حزيران 1971 عندما ابدت الشركات بعض المرونة بموافقتها على تعويض الحكومة العراقية عن فقرة تنفيق الريع ، احدى اهم نقاط الخلاف العديدة بينهما ، وذلك اعتبارا من كانون الثاني 1971. وافقت الحكومة على ذلك الا انها احتفظت بحقها بالمطالبة بالتعويضات عن الفترة من 1964 الى 1970.
كما وافقت شركة نفط البصرة على زيادة طاقتها التصديريية من 16 مليون طن بالسنة الى 21 مليون طن بالسنة للفترة المتبقية من عام 1970 اضافة الى رفع طاقتها التصديرية الى 28 مليون طن بالسنة في عام 1971.
تم بعد ذلك الاتفاق على تسوية  عدد من نقاط الخلاف البسيطة والمعلقة لعدة سنوات كالايجار المطلق ونفقات التحري والحفر ومصاريف مكتب الشركات في لندن وغيرها وتعويض الحكومة عن ذلك.
ومع ذلك لم يتم التوصل الى اتفاق حول نقاط الخلاف الرئيسية كتعويض الحكومة عن تنفيق الريع للفترة 1964 الى 1970 او تعويض الشركات عن خسارتها لبعض حقولها ومناطق امتيازاتها الناتجة عن تشريع القانون رقم 80.
تردي العلاقات من جديد
لم يدم جو التفاهم ذلك طويلا ، الذي كانت الشركات تأمل ان يؤدي الى تسوية شاملة للخلافات ، الا لينتهي في خريف 1971 عندما حصل انخفاض شديد في اسعار الشحن مما جعل ايصال نفط البصرة الى موانئ البحر المتوسط ارخص من ايصال نفط كركوك اليها. فقامت شركة نفط العراق على اثر ذلك بتخفيض صادرات نفطها من البحر المتوسط الامر الذي ادى الى قيام الحكومة بتقديم احتجاجا شديد اللهجة للشركات طالبة فيه رفع معدلات تصدير نفط كركوك عن طريق بانياس وطرابلس الى ما كانت عليه سابقا.
بدأت على اثر ذلك مفاوضات جديدة في كانون الثاني 1972 حيث كان صدام حسين قد اصبح في تلك الفترة نائبا لرئيس الجمهورية ورئيسا للجنة المتابعة لشؤون النفط وتنفيذ الاتفاقيات ليصبح موقف الحكومة اكثر صلابة تجاه الشركات حيث طالبت الحكومة الشركات بما يلي :-
1- تسوية كافة الخلافات المعلقة وتعويض الحكومة عنها خصوصا الفقرات المهمة كتنفيق الريع للفترة من 1964 الى 1970 علما بان الشركات كانت قد وافقت على مبدأ التعويض بقبولها التعويض اعتبارا من كانون الثاني 1971.    
2- المشاركة برأس مال الشركات بنسبة 20% ذلك الحق الذي اعطاه مؤتمر سان ريمو للعراق والذي استمرت الشركات على تعنتها برفضه خلال العقود الماضية.
3- المساهمة الفعالة في اعداد الخطط لتطوير حقول النفط التي تحت تصرف الشركات كتحديد معدلات الانتاج والتصدير وغيرها من الامور الاساسية. 
4- اعتماد طريقة سليمة ومستمرة لاحتساب الكلف وتدقيق الحسابات.
5- نقل مكتب الشركات من لندن الى بغداد.
قامت الشركات على اثرذلك بتقديم جوابها في 1 شباط 1971 عن طريق عرضها الجديد المتكامل غير القابل للتقسيم الذي احتوى على الفقرات التالية :-
1- زيادة الطاقة التصديرية لشركة نفط البصرة من 600,000 برميل باليوم الى مليون برميل باليوم في منتصف عام 1976 والى مليون ونصف مليون برميل باليوم في عام 1980. 
2- الموافقة على تعويض الحكومة عن فقرة تنفيق الريع ابتداء من 1 كانون الثاني 1968 بدلا من كانون الثاني 1971.
3- اعطاء الشركات حق شراء 8,000 مليون برميل من نفط شركة النفط الوطنية العراقية خلال العشرين سنة اللاحقة بسعر مخفض بنسبة 20% عن اسعار السوق السائدة خلال تلك الفترة وذلك بعد ان اصبحت شركة النفط الوطنية العراقية على وشك انتاج النفط من حقل الرميلة الشمالي الذي تم تصدير اول شحنة من نفطه في بداية نيسان 1972 وذلك كتعويض لها عن خسارتها لمناطق امتيازها الناتج عن تشريع القانون رقم 80 دون ذكر ذلك صراحة.
4- قيام الحكومة بتوفير 12.5% من انتاج شركة النفط الوطنية العراقية من النفط للشركات خالية من اي ضريبة او ريع او كلفة كتعويض عن الاضرار المالية التي لحقت بالشركات من جراء تطبيق القانون رقم 80 دون ذكر ذلك صراحة.
5- دفع 10 مليون باوند استرليني كتسوية لكافة الخلافات المتبقية التي تطالب بها الحكومة.
6- توفير كميات من النفط للحكومة لاستعمالها عند الحاجة في بعض اتفاقيات التبادل التجاري مع البلدان الاخرى.
قامت الحكومة برفض عرض الشركات الجديد بصورة قاطعة لكونه لا يرقى الى تطلعات الحكومة وذلك لاحتوائه على مبدأ التعويض عن تشريع القانون رقم 80 من دون ذكر ذلك صراحة.
قامت شركة نفط العراق بزيادة الطين بلة بتخفيظ  صادرات نفطها من البحر المتوسط الى 600,000 برميل باليوم مدعية استمرار انخفاض اسعار الشحن البحري مما جعل ايصال نفط البصرة الى موانئ البحر المتوسط ارخص من ايصال نفط كركوك اليها مما ادى الى زيادة حنق الحكومة العراقية على الشركات لتقوم وزارة النفط بالطلب منها بالموافقة على احد الخيارات التالية :-
- رفع معدلات تصدير نفط كركوك من 600000 برميل باليوم الى ما كانت عليه من قبل.
- التخلي عن الطاقة الانتاجية والتصديرية المعطلة لحقول النفط الشمالية وتسليمها الى الحكومة للاستفدة منها.
- التخلي عن كافة الحقول الشمالية للعراق وتركيز عملياتها الانتاجية والتصديرية في جنوب العراق.
كانت منظمة الدول المصدرة للبترول (اوبك) خلال تلك الفترة قد خولت وزير النفط السعوي احمد زكي اليماني الدخول في مفاوضات مع شركات النفط العالمية حول مساهمة تلك الدول برأس مال الشركات. تكللت تلك الجهود الشاقة والطويل بالنجاح بموافقة شركات النفط العالمية على مبدأ مشاركة البلدان المصدرة للبترول برؤوس اموالها بنسبة 20%. تم على اثرذلك قيام شركات نفط العراق والموصل والبصرة بالاذعان لذك وموافقتها على منح العراق فرصة المساهة بنسبة 20% في رؤوس اموالها ذلك المبدأ الذي طالما طالب به العراق خلال العقود الاربعة الماضية والذي كان يصطدم برفض وتعنت الشركات المستمر. غير ان ذلك العرض قد جاء متأخرا لقبوله من الحكومة العراقية التي كانت قد وضعت التأميم نصب اعينها.
إنذار مجلس قيادة الثورة للشركات
تدخل على اثر ذلك مجلس قيادة الثورة الذي يمثل اعلى سلطة في البلاد في النزاع مع الشركات باصدار انذاره اليها الذي ينتهي في 31 ايار 1972 للاستجابة الى طلب الحكومة العراقية برفع الانتاج والتصدير من الحقول الشمالية وتمكين العراق من المساهمة الفعالة في اعداد الخطط طويلة المدى لتطوير حقول النفط كتحديد معدلات الانتاج والتصدير وتقديم عرض مقبول لتسوية الخلافات المتبقية بين الطرفين.
اتخاذ الحكومة التدابير اللازمة لمواجة الأسوأ
لقد اصبح واضحا من خلال ذلك الانذار بان الحكومة قد اتخذت قرارها النهائي بتأميم النفط فقامت باتخاذ التدابير الوقائية التالية للحد من تأثير ردود الفعل التي قد تتخذها الشركات ضد العراق منها :-
1-  بالنظر لاعتماد البلاد على ايرادات النفط بصورة كبيرة فقد كان من الحكمة عدم التسرع في تأميم الشركات الثلاث في نفس الوقت. وبناء على ذلك تم اتخاذ القرار بتأميم شركة نفط العراق اولا لما في ذلك من فوائد كثيرة منها ابقاء حقول شركة نفط البصرة الغنية بيد الشركات الذي سيردعها من اتخاذ اية اعمال انتقامية ضد الحكومة العراقية كالمقاطعة او الحصار كما حدث عندما قامت ايران بتأميم نفطها قبل عشرين سنة. كما ان ابقاء شركة نفط البصرة بيد الشركات سيكون مصدر ايراد معقول للدولة لحين تسوية الخلافات التي تعقب التأميم. ومع ذلك فقد تم بحث موضوع قيام الشركات بالتوقف عن انتاج وتصدير نفط الحقول الجنوبية كاجراء انتقامي فغض النظر عنه لكونه بعيد الاحتمال.
2- وبالرغم من كل ذلك فقد قامت الحكومة باعلان التقشف بالغاء بعض المشاريع الحكومية الخدمية والعمرانية غير المستعجلة وتحديد صرف العملات الصعبة وسحب عملاتها الصعبة من مصارف الدول غير الصديقة لتفادي تجميدها.
3- ان قيام الحكومة الجزائرية بتأميم 51% من اسهم بعض الشركات الفرنسية دون اتخاذ اية اجراءات انتقامية من قبل تلك الشركات او حكومتها ضدها قد اصبح بادرة يقتدى بها لتشجيع العراق بالمضي بتأميم نفطه.
4- كما ان منظمة البلدان المصدرللبترول اوبك قد اصبحت من القوة بمكان للوقوف في وجه شركات النفط العالمية لفرض ارادتها لاسترداد بعض حقوقها كالمشاركة في رؤوس اموال الشركات قد اعطى العراق سندا وتشجيعا آخرا للمضي بتأميم نفطه.
5- وفي نفس الوقت قامت الحكومة العراقية بحملة عالمية لكسب التأييد اللازم لموقفها مع شركات النفط خصوصا من منظمة اوبك والدول العربية وبقية الدول الصديقة كالاتحاد السوفييتي وايطاليا وفرنسا التي لها شركات عاملة في العراق كشركة ايراب الفرنسية.
6- وفي خطوة ذكية لبذر الخلاف بين الشركاء في شركة نفط العراق والحصول على عائدات نفطية اضافية ،كانت الحكومة العراقية قد قامت بمفاتحة شركة النفط الفرنسية حول مستقبل حصتها البالغة 23.75% في شركة نفط العراق ليتم متابعة الموضوع بارسال وفد عالي المستوى برئاسة نائب رئيس الجمهورية صدام حسين بزيارة رسمية الى باريس في 18 حزيران 1972 لعقد اتفاقية مهمة سنذكر تفاصيلها لاحقا. وبهذا اصبح الامل كبيرا في عدم مشاركة فرنسا في اية مقاطعة محتملة للنفط العراقي كما حصل في عهد مصدق في ايران.      
7- اما على الجبهة الداخلية فقد قامت الحكومة بحملة دعائية شديدة عبر الاذاعة والتلفزيون والصحف المحلية ضد الشركات الاستعمارية والاحتكارية الجشعة. 
8- قيام المسؤولون الكبار في حزب البعث بكركوك بالاتصال الشخصي بمدراء وكبار الموظفين العراقيين في شركة نفط العراق لاعلامهم عن احتمال تأميم الشركة والحصول على تأييدهم وضمان تحملهم لمسؤولياتهم عند اعلان التأميم. كما قام اعضاء حزب البعث في نقابة عمال النفط بحملة توعية بين العمال للكسب تأييدهم كذلك.
عرض شركة نفط العراق النهائي
قامت شركة نفط العراق بالرد على انذار مجلس قيادة الثورة بتقديم مرونة اكبر في عرضها الاخير الذي لبى بعض مطالب الحكومة.  الا انها لم تتنازل عن مبدأ التعويض عن خسارتها الناتجة عن تطبيق القانون رقم 80 غير انها ابدت مرونة بتخفيض نسبة تعويضها عن ذلك من انتاج نفط شركة النفط الوطنية العراقية من 12.5% الى 7.0%.
وبذلك اصبح موضوع مبدأ تعويض الشركات عن خسارتها الناتجة عن تطبيق القانون رقم 80 من اهم نقاط الخلاف الجوهرية بالنسبة للطرفين. فان القبول بهذا المبدأ من قبل الشركات سيمثل بادرة لتشجيع البلدان الاخرى المصدرة للبترول على اصدار قوانين مماثلة. كما ان قبول الحكومة العراقية بهذا المبدأ سيمثل فشلا سياسيا ذريعا وخضوعا لارادة الشركات التي نعتها عبر سنين طويلة بالاستعمارية والمتغطرسة والشرهة والتي طالما فرضت ارادتها على الشعوب المغلوبة على امرها. وهنا وصل الطرفان الى طريق مسدود لتصبح المبادرة بيد الحكومة العراقية لاتخاذ الخطوة التالية.
تأميم شركة نفط العراق
قام مجلس قيادة الثورة بعد ذلك مباشرة بتأميم شركة نفط العراق باصدار القانون رقم 69 في 1 حزيران 1972 الذي تلاه عبر الاذاعة والتلفزيون رئيس مجلس قيادة الثورة ورئيس الجمهورية احمد حسن البكر والذي تم بموجبه نقل جميع الاموال والحقوق والموجودات التي آلت الى الدولة عن ذلك الى شركة حكومية جديدة باسم الشركة العراقية للعمليات النفطية لتدار من قبل موظفي وعمال شركة نفط العراق المؤممة. (انظر نص القانون في نهاية هذه الدراسة).



الرئيس احمد حسن البكر يعلن قانون تأميم شركة نفط العراق
لقد كان رد مجموعة شركات النفط سريعا حيث اعتبرت تأميم منشآت شركة نفط العراق خرقا لشروط اتفاقية امتيازها وللقانون الدولي واحتفظت بحقها لاتخاذ كافة الاجراءات القانونية ضد الحكومة وكل من يقوم بشراء نفطها المؤمم.
اما الحكومة العراقية فقد اعلنت عن استعدادها للدخول في مفاوضات مع شركات النفط من اجل التوصل الى حل مرض للطرفين بشرط ان لا تمس تلك المفاوضات حقها في شرعية اصدار القانون رقم 80 او مبدأ التأميم.
وساطة منظمة البلدان المصدرة للبترول - اوبك
قامت الحكومة العراقية بطلب مساندة منظمة اوبك في نزاعها مع الشركات فتم على ذلك قيام السكرتير العام للمنظمة نديم الباجه جي باصدار بيان بتأييد موقف العراق من النزاع  والتنديد بقيام الشركات بتخفيض تصدير النفط العراقي من موانئ البحر المتوسط  ووصفه بالعمل المتعمد لمعاقبة العراق والضغط عليه.
كما قامت منظمة اوبك في اجتماعها فوق العادة في بيروت في 9 حزيران بتأييد موقف العراق بتأميم نفطه والاتفاق على عدم قيام اي من اعضاء المنظمة بزيادة انتاجه من النفط للتعويض عن اي نقصان او توقف في صادرات العراق النفطية. كما قامت بنفس الوقت بتعيين سكرتيرها العام مندوبا للتوسط بين الحكومة العراقية وشركات النفط لحل النزاع. كما اشترطت اوبك ان تكون وساطتها محددة بالعمل ضمن قانون تأميم النفط العراقي وان تمتنع الشركات خلال فترة الوساطة عن اتخاذ اي اجراء قانوني قد يؤدي الى عرقلة تصدير النفط العراقي من موانئ البحر المتوسط.
وافقت الشركات على وساطة اوبك واقترحت ان تحدد فترة المفاوضات بتسعين يوم كما اقترحت ان يكون جون دوكو دانر من شركة النفط الفرنسية وسيطا ثانيا مع نديم الباجه جي.
وبالنظر لعدم توفر النفط لشركة النفط الفرنسية من مصادر اخرى غير العراق مقارنة مع شريكاتها فقد امتنعت عن التنديد بقرار تأميم الحكومة العراقية لشركة نفط العراق.
تم على اثر ذلك في 14 حزيران قيام وفد وزاري عالي المستوى برئاسة نائب رئيس الجمهورية صدام حسين بزيارة رسمية الى باريس اسفرت عن الاعلان في 18 حزيران عن اتفاقية تعاون بين البلدين لمدة عشر سنوات. اشتملت الاتفاقية على قيام شركة النفط الفرنسية بالتعاقد لشراء حصتها في شركة نفط العراق البالغة 23.75% من انتاج الحقول الشمالية بنفس الشروط التي كانت سائدة قبل التأميم اضافة الى اية زيادة في الاسعار قد تحصل عليها منظمة اوبك مستقبلا اضافة الى شراء اية كميات اخرى بسعر السوق السائد في حينه.
ومع ان فرنسا قد اعترفت ضمنيا بتوقيعها الاتفاقية بحق العراق بتأميم شركة نفط العراق فقد ارتأت عدم ازعاج شريكاتها في شركة نفط العراق كثيرا وذلك بتضمين الاتفاقية بندا ينص على ان لا يتم تطبيق الاتفاقية الا بعد حصول تعويض مقبول لشريكاتها عن تأميم حصصهم في الشركة المؤممة. كان ذلك يعني ضمنيا عدم تأميم حصة شركة النفط الفرنسية وبذلك زرعت الحكومة العراقية بذور الخلاف بين الشركاء في الشركة المؤممة اضافة الى تأمين سوق لما يقارب ربع كميات النفط المؤممة والحصول على مساندة الحكومة الفرنسية التي تعمل شركتها الاخرى ايراب في العراق مما سيقوي من موقف العراق التفاوضي مع الشركات.
اما الوسيطان فقد استمرا في عملهما على تقريب وجهات نظر الطرفين المتنازعين الى ان اصبح واضحا بان فترة التسعين يوما المحددة للتوصل الى اتفاق غير كافية والتي كان العراق قد ابدى تحفظه عليها. تم على اثر ذلك قبول الشركات بتمديد الفترة لستين يوما اخرى تنتهي في 12 تشرين الاول 1972 لتمدد مرة ثانية الى نهاية شباط 1973.
التسوية النهائية
واخيرا تكللت الوساطة بالنجاح ليتم الاعلان في 28 شباط 1973 عن التوصل الى اتفاقية بين الحكومة العراقية وشركات النفط تضمنت الفقرات الرئيسية التالية :-
1- قيام الحكومة العراقية بتزويد شركات النفط ب 15 مليون طن اي ما يعادل 110 مليون برميل من نفط كركوك بمعدل 1.5  مليون طن شهريا بدون ثمن او تكاليف كتسوية شاملة ونهائية عن كافة التعويضات التي كانت شركات النفط قد طالبت بها.
2- قيام الشركات بدفع 141 مليون باوند استرليني الى الحكومة العراقية كتسوية شاملة ونهائية عن كافة الخلافات والتعويضات المعلقة التي كانت الحكومة العراقية تطالب بها.
 لقد قدر ثمن ال 15 مليون طن من النفط بموجب الاسعار السائدة في ذلك الوقت بحوالي 300 مليون دولار امريكي.
كما ان قيمة المنشآت والمعدات في حقول النفط المؤممة والتي آلت الى الحكومة العراقية كانت قد قدرت بحوالي 140 مليون دولار امريكي.
لقد اعتبرت تلك التسوية انتصارا كبيرا للحكومة العراقية حيث لم يرد فيها اية اشارة الى القانون رقم 80 او الى قانون تأميم عمليات الشركات ذلك الامر الذي طالما طالبت به الحكومة.
كما كان هناك شعورا حقيقيا بالارتياح من قبل المواطنين لانتهاء ذلك النزاع الشائك والمرير لانتزاع وتحرير النفط من مخالب شركات النفط التي طالما صورت كأداة بيد القوى بالاستعمارية الجشعة.
تنازل الشركات عن شركة نفط الموصل
 لقد شمل التأميم كافة منشآت شركة نفط العراق بضمنها منظومة خطوط انابيب تصدير النفط من كركوك الى الحدود السورية التي تشمل خط تصدير نفط عين زالة قطر 12 عقدة ما بين محطة ضخ (ك-2) بالقرب من مدينة بيجي والحدود السورية مما نتج عنه عدم استطاعة شركة نفط الموصل القيام بتصدير نفطها عبره.
وبما ان انتاج شركة نفط الموصل يعتبر قليلا جدا حيث لا يتجاوز مليون طن في السنة فقد قررت الشركات بناء على ذلك التنازل عن امتيازها لتلك الشركة وتسليم منشآتها  الى الحكومة العراقيةً.
الشركة العراقية للعمليات النفطية
تم انشاء الشركة العراقية للعمليات النفطية بموجب الفقرة الاولى من المادة الثانية من قانون تأميم عمليات شركة نفط العراق ونقلت اليها جميع الاموال والحقوق والمجودات التي آلت الى الدولة بموجب ذلك القانون.  
كما استحدث بموجب القانون مجلس ادارة يتألف من رئيس وسبعة اعضاء لينقل على اثر ذلك محافظ كركوك غانم عبد الجليل من منصبه ذلك ليتولى رئاسة مجلس الادارة الجديد. لقد كان تعيين غانم عبد الجليل لرئاسة المجلس ذو مدلول سياسي كبير حيث انه احد اعضاء مجلس قيادة الثورة الذي يمثل اعلى سلطة في البلاد ليكون على اتصال مباشر مع مركز القرار في بغداد لتسهيل عملية انتقال الادارة الى المجلس الجديد واتخاذ القرارات المهمة بالسرعة المطلوبة للتصدي لأية عراقيل قد تواجه الادارة الجديدة لتأمين سلاسة سير اعمال الشركة في حقولها المنتشرة على مساحة واسعة بطول يزيد على 200 كم وعرض 3 كم اضافة الى خطوط انابيبها ومحطات ضخها التصديرية التي تمتد من كركوك الى الحدود السورية.
لقد كان عدد موظفي شركة نفط العراق المحدودة عند تأميمها كما يلي :-
المجموع
محطة ضخ
تي 1
محطة ضخ كي3

كركوك
الموظفون على ملاك الشركة
21
1
-
20
الاجانب
377
11
42
324
العراقيون
398
12
42
344
المجموع









موظفون من شركات مقاولة
6
-
-
6
الاجانب
7
-
-
7
العراقيون
411
12
42
357
المجموع النهائي

يظهر من الجدول اعلاه بان الموظفين العراقيين كانوا يمثلون حوالي 93% مجموع موظفي شركة نفط العراق المحدودة حيث كانوا يشغلون معظم الوظائف المهمة في الشركة مما جعل ادارة عمليات الشركة الجديدة تسيربسلاسة ويسر تامين.
اما الموظفون الاجانب البالغ عددهم 26 فالكثير منهم كانوا يشغلون وظائف ثانوية بالنسبة للعمليات النفطية كالاطباء والممرضات والمعلمة كما موضح في الجدول ادناه :-


2
الادارة
10
الدوائر الهندسية والتشغيلية
3
الميزانية والحسابات
2
اطباء
3
ممرضات
1
معلمة
5
مقاولون
26
المجموع

اما الامر الذي كان يشغل فكر الادارة الجديدة في كركوك فهو تأمين الحصول على المواد الاحتياطية للعدد الكبير من معدات الحفر والانتاج والتصفية والضخ وغيرها من مجهزي شركة نفط العراق اضافة الى تجهيز اية معدات جديدة. فقد كان احتمال قيام شركة نفط العراق بالضغط على مجهزيها لمقاطعة الشركة العراقية للعمليات النفطية امرا واردا.
تم على اثر ذلك تشكيل لجنة عليا من الدوائر ذات العلاقة بالشركة لتشخيص المعدات والمواد الاحتياطية المهمة واعداد القوائم اللازمة بها لرفع اوامر الشراء لها. كما تم في نفس الوقت مفاتحة المجهزين المهمين حول استعدادهم لتجهيز الشركة بمتطلباتها من تلك المواد. ولحسن الحظ لم يبد اي من المجهزين اية معارضة تذكر بل ابدوا استعدادهم لتقديم عروضهم واسعارهم بذلك.
بناء على ذلك قامت الشركة بارسال وفد عالي المستوى مجهز بقوائم المعدات والمواد الاحتياطية المطلوبة وبالصلاحيات اللازمة لتوقيع اوامر شرائها ليتم ذلك بنجاح تام لتستأنف الشركة عمليات الانتاج والتصدير بصورة طبيعية بعد ان تم توقيع التسوية النهائية في 8 شباط 1973 بين الحكومة وشركة نفط العراق.    


محافظ كركوك غانم عبد الجليل يقدم الجوائز في نادي كولف شركة نفط العراق 1971
لم يستمر غانم عبد الجليل بوظيفته كرئيس لمجلس ادارة الشركة العراقية للعمليات النفطية طويلا قبل ان يتم نقله الى بغداد ليتم بعد ذلك اتهامه في تموز 1979 بالاشترك مع عدد اخر من كبار مسؤولي حزب البعث من ضمنهم اسماعيل النجار احد المدراء العامين اللاحقين للشركة العراقية للعمليات النفطية بالتآمر ضد صدام حسين الذي كان قد اصبح رئيسا للجمهورية في ذلك الوقت ليتم على اثر ذلك محاكمة المتهمين بتلك الموآمرة واصدار احكام الاعدام وتنفيذها بحقهم فكان من ضمنهم غانم عبد الجليل واسماعيل النجار. 
الذكرى الاولى للتأميم
اعلنت الاحتفالات بالذكرى الاولى للتأميم في 1 حزيران 1973 في كافة انحاء العراق حيت اذيعت  البرامج المختلفة من التلفزيون والاذاعة حول نجاح عملية تأميم شركة نفط العراق واعتبار ذلك انتصارا للعراق على شركات النفط العالمية التي طالما املت شروطها التعسفية في الحصول على امتيازاتها النفطية وتعنتها المستمر برفض حق العراق بالمشاركة برؤوس اموالها بنسبة 20% كما نصت على ذلك اتفاقية سان ريمو لسنة 1920 اضافة الى الكثير من التعويضات المستحقة للعراق. كما قامت الصحافة بنشر المقالات المماثلة عن عملية التأميم وعن كفاءة الكوادر النفطية العراقية التي قامت باستلام وادارة وتشغيل المنشآت النفطية المؤممة بكفاءة تامة.
اما في كركوك فقد اكملت الشركة العراقية للعمليات النفطية سنتها الاولى بنجاح تام في ادارة عملياتها النفطية الواسعة والمعقدة لتقيم حفلتين كبيرتين لموظفيها وعمالها وعوائلهم. فقد اقيمت الحفلة الاولى في حدائق نادي موظفي الشركة الغناء المحيطة بالمسبح الكبير  في منطقة بابا السكنية حيث حضر الحفلة عدد من موظفي وزارة النفط وكبار موظفي الادارة المحلية في كركوك. شارك في الحفلة عدد من المطربين الذين اذكر منهم دلال شمالي وفاضل عواد الذي اطربنا باغنيته المشهورة في ذلك الوقت والمعروفة ب (لا خبر لا جفية لا حامض حلو لا شربت). استمرت الحفلة تحت تلألؤ نجوم سماء الصيف الصافية وامواج ماء المسبح الراقصة على الانغام الشجية لتطغى بشائر الفرح والسرور على وجوه المشاهدين.
تأميم شركة نفط البصرة
لقد تركت شركة نفط البصرة بيد الشركات للفوائد المذكورة اعلاه والتي اهمها منع الشركات من القيام بالمقاطعة او الحصار اضافة الى توفير مصدر ايراد معقول للعراق.
وعليه فقد تم الاتفاق بين الحكومة العراقية وشركة نفط البصرة ضمن تسوية تأميم شركة نفط العراق على ما يلي :-
1- قيام شركة نفط البصرة برفع طاقتها التصديرية من النفط الى 35 مليون طن في عام 1973 اي ما يعدادل 700,000 برميل باليوم والى 80 مليون طن في عام 1976 اي بمعدل 1.6 مليون برميل باليوم.
2- قيام الحكومة العراقية بتقديم كافة المساعدات للشركة لتحقيق رفع طاقتها الانتاجية في 1 اعلاه.
لم تمض الا عدة اشهر حتى قامت الحرب العربية الاسرائيلية في تشرين الاول 1973 مما ادى الى قيام الحكومة العراقية بتأميم حصة الشركتين الامريكيتين البالغة 23.75% من شركة نفط البصرة وال 60% الهولندية من حصة شل البالغة 2375% من شركة نفط البصرة وذلك لقيام كل من الولايات المتحدة الامريكية وهولندا بمساعدة اسرائيل. كما قامت في نفس الوقت بتأميم حصة كولبنكيان البالغة 5% من شركة نفط البصرة لقيام البرتغال بمساعدة اسرائيل كذلك.
واخيرا قررت الحكومة العراقية تحرير ما تبقى من النفط العراقي لدى الشركات الاجنبية بعد نجاحها في ادارة صناعتها النفطية العملاقة بكفاءة عالية فقامت في 8 كانون الاول 1975 بتأميم حصة شركة النفط البريطانية وحصة شركة النفط الفرنسية البالغة 23.75% لكل منها وال 40% من حصة شركة شل البالغة 2375% من شركة نفط البصرة.
لم يبق في نهاية المطاف الا ايجاد تسوية عادلة للتعويضات التي تطالب بها الحكومة العراقية عن بعض الخلافات المعلقة والتي من اهمها :-
-  عوائد نفط لم تدفع في عام 1975
- امور تتعلق بطريقة الحسابات
- اهمال من قبل الشركة  في حفر احدى الابار في موقع خاطئ
- عدم التقيد بتعليمات وزارة النفط
- عدم التقيد ببعض طرق العمل السليمة
- امور اخرى اقل اهمية     
عقدت عدة اجتماعات لتوصل الى تسوية مرضية للطرفين تقلصت خلالها شقة الخلاف الى مطالبة الجانب العراقي ب 70 مليون باوند استرليني بينما عرضت الشركة مبلغ 30 مليون. استمرت الاتصلات المتقطعة حتى بداية عام 1979 عندما عرضت الشركة مبلغ 45 مليون باوند لينتهى الامر في 26 شباط 1979 بموافقة الطرفين على مبلغ 55 مليون باوند.
وبذلك تم تحرير ثروة العراق النفطية الهائلة بعد فترة الامتيازات التي دامت ما يقارب النصف قرن من الزمان ليسدل الستار على سيطرة شركات النفط الاجنبية في العراق التي استعملت فيها كافة خبراتها العالمية الملتوية واستغلت فيها مساندة حكوماتها الغربية لفرض ارادتها على الحكومات العراقية خلال فترة وقوع العراق تحت الانتداب البريطاني لتتمكن من انتزاع امتيازاتها بالشروط التي فرضتها. لقد كانت تلك الفترة عاصفة  بالاحداث الجسيمة التي لم تخل من خلافات ونزاعات وصراعات مريرة شبه مستمرة اتسمت بتعنت الشركات بعدم الاعتراف بحقوق العراق المشروعة لتنتهي كما رأينا بتأميمها والتخلص منها نهائيا.
مجمل انتاج مجموعة شركات نفط العراق    
وختاما لا بد لنا ان نذكر بان مجمل انتاج وتصدير شركات نفط العراق والبصرة ة والموصل خلال فترةعملياتها التي  تزيد عن 41 سنة اي منذ تصدير اول شحنة لها من نفط العراق من ميناء طرابلس في 3 آب  1934 حتى تصدير اخر شحنة لها منه في 8 كانون الاول 1975 من ميناء خور العمية العميق قد بلغ 1,185.3 مليون طن اي ما يعادل 8,890 مليار يرميل تقريبا.
هجرة العقول العراقية
 لقد نصت المادة 8 من قانون التأميم على ما يلي :-
(يحتفظ مجلس ادارة الشركة العراقية للعمليات النفطية بموظفي ومستخدمي وعمال شركة نفط العراق المحدودة المؤممة عملياتها بموجب هذا القانون ولا يجوز لاي منهم ترك عمله او التخلي عنه باي وجه من الوجوه ولاي سبب من الاسباب الا باذن من المجلس المذكور او من يخوله.)
اما الفقرة 2 من المادة 11 من القانون فد نصت على ما يلي :-
(يعاقب كل من خالف احكام مادة 8 من هذا القانون بالحبس لمدة لا تتجاوز السنتين فضلا عن حرمانه من اي حق في المكافأة او التقاعد او التعويض.) 
لقد اعتبر موظفو وعمال الشركة العراقية للعمليات النفطية خلال السنوات الاولى بعد التأميم من قبل وسائل الاعلام العراقية الرسمية من اذاعة وتلفزيون وصحف ومجلات ونشرات وغير الرسمية كالصحف  والمجلات وغيرها كادرا وطنيا يفتخر به لمساهمته الفعالة في انجاح عملية التأميم وذلك  بلاستلامه مهام ادارة وتشغيل المنشآت النفطية الضخمة والحيوية بكفاءة عالية.
لم يقتصر ذلك الاعتزاز بكادر الشركة على مستوى وسائل الاعلام المذكورة اعلاه بل دعيت مجموعة من كبار موظفي الشركة الى بغداد لتنال التكريم والهدايا من قبل نائب رئيس الجمهورية في ذلك الوقت صدام حسين.
كما ازداد الاعتزاز والفخر بهم اكثر من ذلك بكثير بعد ان استطاعوا تنفيذ  زيادة الطاقة الانتاجية والتصديرية للشركة بسلاسة واخلاص من 1.0 مليون برميل باليوم الى 1.2 مليون برميل ومن ثم رفع تلك الطاقة الى 1.4مليون برميل باليوم والذي اعتبر من المشاريع العملاقة حيث بلغت قيمته في ذلك الوقت حوالي مليار دولار اي ما يعادل اضعاف ذلك حسب الاسعار السائدة في وقتنا الحاضر.
غير انه مما يؤسف له ان ذلك الاعتزاز والتكريم لم يدم طويلا حتى بدت المضايقات تطال موظفي الشركة من قبل السلطات الحزبية والامنية. فقد بدأ التخوف من تسرب المهندسين والخبراء والفنيين عن طريق السفر الى خارج العراق فقامت تلك السلطات بربط من يريد السفر منهم الى خارج البلاد بكفالة مالية وذلك تفسيرا عشوائيا منها لا يخلو من بعض الحسد  لما جاء في المادتين 8 و11 من قانون التأميم المذكورتين اعلاه.
 حددت تلك الكفالة في بداية الامر ب 3,000 دينار عراقي اي ما يعادل 10,000 دولار وهو مبلغ كبير اذا ما قورن برواتب الموظفين في ذلك الوقت. لم تمنع تلك الكفالة من كان يريد السفر او ترك العراق فزيدت الكفالة الى 5,000 دينار ومع ذلك لم تردع من كان مصمما على المغادرة غير انها في نفس الوقت اصبحت عبأ ثقيلا على من يريد السفر والرجوع الى الوطن وهم الاغلبية الساحقة من الموظفين. مرة اخرى لم تردع تلك الكفالة القليل ممن اراد المغادرة باي ثمن كان لتصبح الكفالة غير مقيدة بحدود لتقدر حسب اهواء السلطات الامنية بموجب اهمية الموظف واحتمال عدم رجوعه في رأيها لتصل في بعض الاحيان الى 30,000 دينار اي ما يعادل 100,000 دولار لا يقدر على تامينها الا القليل منهم عن طريق رهن بيوتهم وبذلك اصبح ذلك الكادر الذي كان موضع فخر واعتزاز وتكريم موضع شك واتهام يقرر مصيره من قبل رجل امن فاشل او مسؤول حزبي جاهل. ادى كل ذلك الى زيادة التذمر بين معظم الموظفين لاستهدافهم والتضييق على حريتهم مما نتج عنه شعورا بالاحباط وعدم الاطمئنان للمستقبل فازداد عدد الذين غادروا العراق تخوفا من منع سفرهم كما حدث ذلك فعلا.
لم تقتصر تلك القوانين على موظفي الشركة فحسب بل طالت الكثير من موظفي الدولة كذلك. فقد صدر احد القوانين العشوائية في عام 1977 الذي منع بموجبه الاطباء الاخصائيين الاساتذة في الجامعات العراقية من ممارسة المهنة في عياداتهم الخاصة بعد الدوام الرسمي وخيروا بين التقيد بالقانون او الاستقالة من الوظيفة الجامعية. فكانت الحصيلة قيام معظم اولئك الاطباء بالاستقالة والاستمرار بالعمل في عياداتهم التي كانت تدر عليهم مردود اكبر بكثير من الراتب الحكومي فكانت النتيجة خسران الكليات الطبية لاساتذتها الكبار مما اثر سلبا على مستوياتها العلمية.
اما القانون الاخر الذي شرع في عام 1978 فقد صدر بحق المهندسين الذين يعملون في الدوائر الحكومية ومنعهم من الاستقالة او ترك الوظيفة ومن يقدم على ذلك يمنع من ممارسة المهنة الهندسية او اية مهنة اخرى. فكان من نتيجة ذلك هجرة الكثير منهم.
جاء بعد ذلك قانون الزوجات الاجنبيات الذي خيرت فيه زوجة المواطن بين تخليها عن جنسيتها والحصول على الجنسية العراقية بدلا عنها او مغادرة العراق. لقد شمل ذلك القانون عددا كبيرا من طلاب البعثات الذين رجعوا الى العراق عبر السنين الطويلة ليستلموا الكثير من وظائف الدولة المهمة او القيام بتأسيس شركاتهم ومصانعهم ومكاتبهم الاستشارية وعياداتهم الخاصة وغيرها ليساهموا بصورة فعالة في بناء كافة المرافق العمرانية والخدمية الحيوية في البلاد. لقد وضع مثل اولئك الخبراء وعوائلهم في وضع صعب جدا لا يحسدون عليه كما يقال. فاما ان تغادر الزوجة العراق ويبقى الزوج والاولاد بدون امهم او ان تتجنس الزوجة رغم ارادتها لتفقد حريتها بالسفر لزياة اهلها في الحالات الاضطرارية دون انتظار جواز سفرها العراقي او الموافقات اللازمة للسفر التي قد تطول اشهر او ان تهاجر العائلة بكاملها وهو ما حدث فعلا للكثيرين منهم. 
ثم جاءت الحروب العقيمة وما تلاها من الحصار الجهنمي الظالم والغزو الاحمق الغاشم لتصبح الحياة في العراق امرا لا يطاق ولتصبح الهجرة جماعية بعد ان كانت انتقائية حيث يقدر عدد العراقيين الذين يعيشون خارج  بلدهم اليوم ما بين ثلاثة واربعة ملايين نسمة.
لقد خسر العراق نتيجة ذلك الكثير من خيرة علمائه ومهندسيه واطبائه واساتذة جامعاته وخبرائه في كافة المجالات العلمية الاقتصادية والمالية والادارية وغيرها الذين قدموا خدمات كبيرة ومخلصة لبلادهم والتي كانت بامس الحاجة الى خدماتهم. 
لقد وجد الكثير من اولئك الخبراء العمل الشريف في البلدان التي هاجروا اليها بسهولة وذلك لخبراتهم الواسعة في مجالات اختصاصاتهم. اما خبراء النفط فقد لقيوا الترحيب من قبل شركات النفط العاملة في الخليج وذلك لمعرفتها بكفاءتهم وخبرتهم الطويلة والواسعة من ضمنها شركة بترول ابو ظبي احدى اخوات شركة نفط العراق المؤممة التي لها معرفة جيدة بهم وبقدراتهم الواسعة في الصناعة النفطية. انه لمن دواعي السخرية ان نرى قيام بعض المسؤولين العراقين في القطاع النفطي بعد ذلك بالتذمر من خسارتهم لاولئك الخبراء واتهام تلك الشركات بتشجيع خبراء النفط العراقيين على ترك العراق لتقتنصهم للعمل لديها ونسوا او تناسوا بان سوء المعاملة التي لقيها اولئك الخبراء على ايدي السلطات العراقية هو الذي دفعهم بالدرجة الاولى الى ذلك.
 فهل تعلمنا من دروسنا السابقة؟
انه مما يؤسف له حقا اننا لم نتعلم من دروسنا السابقة لنرى ما جرى من هجرة جماعية مفجعة في السنين الماضية للعدد الهائل من علمائنا ومهندسينا واطبائنا واساتذة جامعاتنا وخبرائنا في كافة مجالات الصناعة  والمال والاقتصاد والادارة وغيرها ليعم الجهل بين اطفالنا وتتدنى مستويات التعليم في مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا ولتتفشى الامراض بين مواطنينا واهلينا ولترتفع البطالة بنسبة عالية بين شبابنا وينتشرالفقر بين الطبقة المتوسطة التي كانت العمود الفقري للعراق.
ثم لتنتشر نتيجة لذلك خلال السنين الاخيرة هذه الفوضى العارمة والقسوة الغاشمة والفساد المخزي المستشري والتعصب الاعمى المستعصي ليروّع العباد في مدنهم ويهجروا من دورهم ويقتلوا في شوارعهم واسواقهم وليهدر المال العام وتنهب ثروات البلاد وتبذر موارد النفط الهائلة مجدداً بعد ان بذرت في الحروب سابقا في عقود عرجاء او عقيمة واخرى وهمية او سقيمة وفي سرقات بمليارات الدولارات سرية واخرى بالملايين علنية وما الى ذلك من سبل الغش والخداع الجهنمية  لتتعطل الصناعة وتتدهور الزراعة وتبور التجارة ويدمر ما تبقى من البنى التحتية والخدمات الاساسية ليعم ما نراه في ايامنا هذه من خراب شامل ودمار كامل تدمى له القلوب وتدمع له العيون.
أفما آن الأوان لإيقاف عجلة الدمار؟
أفما آن الاوان لايقاف عجلة هذا التدهور المستمر والجنون المستعر الذي فتك ما فيه الكفاية بالعباد والبلاد فاكل كما يُقال الاخضر واليابس؟  
أما آن الاوان ان نستخدم ثرواتنا الهائلة والنعم العظيمة الاخرى التي انعم الله بها علينا لنعيد بناء ما خربته حروب المعتدين وأيدي الغزاة الحاقدين ونهم الاشرارالطامعين واخطاء الكثير من الساسة الجهلة والفاسدين؟
أما آن الاوان ان نتعلم من تجاربنا الماضية الناجحة ومن تجارب غيرنا الصالحة في كيفية اعمار بلادنا واسعاد مواطنينا؟
أما حان الوقت كي تتظافر الجهود لمكافحة هذا الجهل المخزي والتخلف المزري والفقر المدقع والتعصب الاعمى والامراض المتفشية بين اولادنا واهلينا؟
أما آن الاوان كي نعيد البسمة الى شفاه اطفالنا الابرياء بعد ان ذاقوا الامرين من يُتمٍ واهمال وترويع والبشاشة الى وجوه شيوخنا التعساء بعد ان عانوا من قهر وتشريد وتجويع؟
 أما حان الوقت كي يعم السلام في ربوع بلادنا بعد مضي اكثر من خمس وثلاثين سنة من هذا الدمار الشامل ليعيش الناس باطمئنان آمنين على ارواحم واعراضهم واموالهم؟ أليس ذلك ما اعتدنا عليه من قبل وما اعتاد عليه خلق الله على وجه الارض من قديم الزمان؟
أم هل يا تُرى ذلك بالشئ  الصعب المنال مع توفر كافة المتطلبات الضرورية لذلك كالمال الوفير مما يدره الذهب الاسود من حقولنا الغنية وكثرة مواردنا الطبيعية الاخرى كالاراضي الخصبة والانهار العديدة والمعادن الوفيرة كالكبريت والفوسفات وغيرها؟
 هذا بالاضافة الى الوفرة الوافرة من رجال السياسة والمال والاقتصاد والصناعة والزراعة المتمرسين وعشرات الالوف من الخبراء والعلماء والمهندسين والاطباء والمهنيين وغيرهم من المبدعين الذين لا زالوا متواجدين في العراق وعشرات الالوف الاخرى من امثالهم المهاجرين الذين يتوقون للرجوع الى بلادهم وديارهم واهليهم ليساهموا في اعادة اعمار بلادهم. وبعد ذلك يجب ان  لا ننسى تلك الالوف المؤلفة من الايدي العاملة المتمرسة والماهرة المعطلة في العراق التي تتوق الى العمل الشريف لكسب الرزق الحلال العفيف من اجل حياة كريمة.
نعم لقد آن الاوان ان نستمع الى صوت الحق والعقل لنضمد الجراح النازفة والعيون الدامعة والقلوب المعصورة والنفوس المهصورة وندعو الى الصفح والتسامح بين ابناء البلد الواحد من اجل بناء عراق مشرق جديد ينعم فيه المواطن بالامن الوارف والاستقرار الدائم والعدل السائد والكرامة الاكيدة والعمل الشريف لكسب الرزق الحلال لبناء مجتمع يليق بابنائه الكرام.
ان ذلك ليس بالامر المستحيل فقد ذاقت بلاد كثيرة ما ذقناه واكثر من ذلك بكثير ومع ذلك فقد نهضت بفضل تكاتف ابنائها واخلاصهم وتفانيهم في اعادة بناء ما تم تدميره وخذ مثالاً على ذلك نهوض اليابان والمانيا اللتان تم سحقهما وتدميرهما تماما في الحرب العالمية الثانية.  
فلنتوكل على الله ونبدأ العمل باخلاص ونطلب منه عز وجل التوفيق.
واتفورد / ضواحي لندن
 آذار 2015
 المصدر - كتابى  العراق وصناعة النفط والغاز في القرن العشرين الصادر باللغة الانكليزية عن دار نشر جامعة نوتنكهام البريطانية في ايار 2012.



                                                                                  




قانون تأميم عمليات شركة نفط العراق المحدودة رقم (69) لسنة 1972
Print Friendly
عنوان التشريع: قانون تأميم عمليات شركة نفط العراق المحدودة رقم (69) لسنة 1972
التصنيف: قانون عراقي
المحتوى
رقم التشريع: 69
سنة التشريع: 1972
تاريخ التشريع: 1972-06-01 00:00:00

مادة 1
تؤمم عمليات شركة نفط العراق المحدودة في المناطق المحددة لها بموجب القانون رقم 80 لسنة 1961 وتؤول الى الدولة ملكية جميع المنشآت والحقوق الموجودة المتعلقة بالعمليات المذكورة ويشمل ذلك على وجه الخصوص منشآت ومرافق التحري والحفر وانتاج النفط الخام والغاز والمعالجة والتجميع والضخ والنقل والتصفية والتخزين وخطوط الانابيب الرئيسية والحقلية وغيرها من الموجودات التي من ضمنها مكتب الشركة المذكورة في بغداد بكافة منشآته ومعداته .
مادة 2
1 – تنشأ بحكم هذا القانون شركة حكومية تسمى الشركة العراقية للعمليات النفطية تعتبر قائمة عند نفاذه وتنقل الى هذه الشركة جميع الاموال والحقوق والموجودات التي آلت ملكيتها الى الدولة طبقا للمادة الاولى من هذا القانون ولا تسأل هذه الشركة عن الالتزامات السابقة المتعلقة بالعمليات المؤممة الا في حدود ما آل الى الدولة من حقوق واموال وموجودات .
2 – يعين بمرسوم جمهوري عند نشر هذا القانون ثمانية اشخاص كرئيس واعضاء مجلس ادارة للشركة المذكورة في الفقرة الاولى اعلاه على ان يكونوا مخولين جميع الصلاحيات والسلطات والاختصاصات اللازمة لاستمرار ادارة العمليات النفطية وضمان حسن سير العمل .
3 – تطبق الاحكام الواردة في ملحق هذا القانون على الشركة المذكورة في الفقرة الاولى أعلاه وتعتبر تلك الاحكام بمثابة قانون لها .
4 – تنظم العلاقة الضريبية بين وزارة المالية والشركة المؤسسة بموجب هذه المادة بقانون .
مادة 3
تؤدي الدولة الى شركة نفط العراق المحدودة تعويضا عما آل الى الدولة طبقا للمادة الاولى من اموال وحقوق وموجودات على ان يحسم من هذا التعويض المبالغ اللازمة للوفاء بالضرائب والرسوم والاجور واية مبالغ اخرى طالبت أو تطالب بها الحكومة ، وكذلك الديون المحلية المتعلقة بالعمليات المذكورة وتعين كيفية تحديد التعويض وكيفية الحسم وما يقتضي لذلك بنظام .
مادة 4
تعين بقرار من مجلس الادارة المذكور في مادة 2 من هذا القانون لجنة أو لجان تتولى مهمة جرد وتسليم الاموال والموجودات والحقوق المتعلقة بالعمليات المؤممة ويختار اعضاء تلك اللجنة أو اللجان من بين القائمين على ادارة العمليات المؤممة وموظفي ومنتسبي الدولة او أي منهم حسبما يرى المجلس المذكور .
مادة 5
يجوز بقرار من وزير النفط والمعادن الغاء كل عقد أو التزام أو بصفة عامة جميع الروابط والالتزامات القانونية أو غيرها والتي من شأنها ان تنقل قيمة ما آل الى الدول بموجب مادة 1 من هذا القانون أو ان تجعل العمليات النفطية باهظة أو اثقل عبئا .
مادة 6
يعتبر باطلا بطلانا مطلقا كل عقد أو تصرف أو اجراء يتم خلافا لاحكام هذا القانون .
مادة 7
تجمد الاموال والحقوق المتعلقة بالعمليات المؤممة في الجمهورية العراقية ويحظر على البنوك والهيئات والمؤسسات والشركات والافراد التصرف في تلك الاموال بأي وجه من الوجوه او صرف اي مبلغ او اداء أية مطالبات او مستحقات عليها الا بقرار من المجلس المنصوص عليه في مادة 2 من هذا القانون .
مادة 8
يحتفظ مجلس ادارة الشركة العراقية للعمليات النفطية بموظفي ومستخدمي وعمال شركة نفط العراق المحدودة المؤممة عملياتها بموجب هذا القانون ولا يجوز لاي منهم ترك عمله او التخلي عنه بأي وجه من الوجوه ولأي سبب من الاسباب الا باذن من المجلس المذكور او من يخوله .
مادة 9
استثناء من حكم مادة 8 اعلاه يكون للموظفين الاجانب الخيار بين استمرارهم في اعمالهم او ترك العمل .
مادة 10
مع عدم الاخلال بالعقوبات المنصوص عليها في القوانين النافذة فان اية محاولة ذات صلة بالشركة المؤممة عملياتها بموجب احكام هذا القانون بقصد تخريب أو تدمير أو اتلاف أو اخفاء الاموال المؤممة أو المستندات المتعلقة بها او بقصد تعطيل تنفيذ احكام هذا القانون يمكن ان تؤدي الى الالغاء الجزئي او الكلي للتعويض المنصوص عليه في مادة 3 من هذا القانون .
مادة 11
يعاقب كل من :
1 – خالف احكام مادة 7 من هذا القانون بالحبس لمدة لا تتجاوز السنتين وبغرامة توازي ثلاثة امثال قيمة المال موضوع المخالفة .
2 – خالف احكام مادة 8 من هذا القانون بالحبس لمدة لا تتجاوز السنتين فضلا عن حرمانه من أي حق في المكافأة او التقاعد او التعويض .
3 – خالف أي حكم وارد في أية مادة من المواد الاخرى لهذا القانون بالحبس لمدة لا تتجاوز السنتين أو بالغرامة أو بهما .
مادة 12
يجوز اصدار انظمة لتسهيل تنفيذ احكام هذا القانون .
مادة 13
يخول وزير النفط والمعادن اتخاذ ما يراه مناسبا من الاجراءات لضمان تنفيذ احكام هذا القانون .
مادة 14
لا يعمل بالنصوص والاحكام التي تتعارض مع هذا القانون .
مادة 16
ينشر هذا القانون في الجريدة الرسمية ويعتبر نافذا من تاريخ 1 – 6 – 1972 .
كتب ببغداد في اليوم التاسع عشر من شهر ربيع الثاني سنة 1392 هجرية المصادف لليوم الاول من حزيران سنة 1972 ميلادية .
احمد حسن البكر
رئيس مجلس قيادة الثورة
نشر في الوقائع العراقية عدد 2146 في 1 – 6 – 1972