Wednesday, 1 January 2014

شركة نفط الموصل او نفط عين زالة Mosul Petroleum Company Or Ain Zalah Oil


شركة نفط الموصل

 أو نفط عين زالة

                                              بقلم غانم العناز     


ان اكتشاف الحقول النفطية كثيراً ما يتم في المناطق النائية مما يستوجب توفير المكاتب والدور السكنية وغيرها من الابنية اللازمة للعاملين فيها. فقد يقتصر ذلك على عدد قليل من المساكن والمكاتب الجاهزة لتشكل ما يشابه القرى الصغيرة او قد تتوسع لتصبح مدن عامرة كمجمعات شركة ارامكو في الظهران في السعودية.

اما في العراق فقد اقيمت مجمعات سكنية مشابهة في حقول كركوك والبصرة ومحطات ضخ النفط بالقرب من بيجي وحديثة والقائم. اما اشهرها واجملها على الاطلاق فمجمع شركة نفط الموصل في عين زالة الذي اشبه ما يكون بمصيف او حتى مشتى اقيم على تلال عين زالة المرتفعة ذات الطبيعة الجميلة والهواء العليل.


عين زالة – مساكن كبار الموظفين

فقد قضيت فيه امتع واجمل اربعة اشهر في بداية حياتي العملية من كانون الاول 1959 حتى منتصف نيسان 1960 لأعود لزيارته بمهام رسمية باشتياق بين الحين والآخر خلال سنوات عملي الطويلة في شركة نفط العراق في كركوك.
 فما هو تاريخ تلك الشركة التي شيدته بعد اكتشافها للنفط في تلك المنطقة؟

 شركة انماء النفط البريطانية

British Oil Development Company  

لقد تم اكتشاف النفط بكميات تجارية كبيرة في العراق لاول مرة في التاريخ  في حقل كركوك العملاق من قبل شركة النفط التركية (شركة نفط العراق لاحقاً) عندما انفجرت البئر الاولى فيه في 14 تشرين الاول 1927 كما تم تفصيل ذلك في مقالتنا السابقة بعنوان (النفط واكتشافه في العراق). لقد اكد ذلك الاكتشاف تكهنات الدول العظمى فى ذلك الوقت كبريطانيا وفرنسا والمانيا وامريكا وغيرها عن تواجد حقول النفط الغنية في العراق مما فتح شهية تلك الدول للتسابق للمساهمة في الحصول على امتيازات نفطية لشركاتها اسوة بشركة نفط العراق.

تم على اثر ذلك في عام 1928 تشكيل شركة جديدة باسم شركة انماء النفط البريطانية المدعومة برؤوس اموال بريطانية للحصول على امتيازات نفطية في العراق والتي اصبحت تدعى فيما بعد بشركة نفط الموصل.

قام ممثل شركة انماء النفط البريطانية بتقديم عرضاً شفهياً الى الملك فيصل الاول في ايار 1928 تضمن فقرة جديدة غير موجودة في اتفاقية 1924 مع شركة النفط التركية لانشاء خط سكة حديدية من العراق الى البحر الابيض المتوسط الشيء الذي كانت الحكومة العراقية تسعى لتحقيقه.

وفي كانون الاول 1928 قامت الشركة بتقديم عرضاً جديداً تضمن تقديم قرضاً للحكومة العراقية بمبلغ 2,100,000 باوند استرليني لمدة 30 سنة بفائدة قدرها 5.5 % ومنح الحكومة فرصة للمشاركة في اسهم الشركة بنسبة 25% حيث درس العرض من قبل مجلس الوزراء وتم رفضه لكونه مبني على مبدأ اعلان المناقصات ومشروط بنتائجها.

كان لانتشار خبر انشاء شركة انماء النفط البريطانية وسعيها للحصول على اتفاقية لاكتشاف النفط في العراق وقع كبير في الاوساط الدولية مما دفع الحكومة الايطالية، بعد حرمانها من المشاركة في شركة نفط العراق، للمطالبة باشراكها في المساهمة في هذه الشركة فتم على اثر ذلك في آب 1929 منح شركة النفط الوطنية الايطالية (أجيب) 40% من اسهم تلك الشركة.

شعر الالمان بالغبن ايضاً لعدم اعطائهم فرصة للمشاركة في الشركة، بعد ان خسروا حصتهم بشركة نفط العراق نتيجة خسارتهم الحرب العالمية الاولى، فتمت ترضيتهم في نيسان 1930 ليتم اعادة توزيع اسهم الشركة بنسبة 51% للمصالح البريطانية و 34% للمصالح الايطالية و 15% للالمان.

طالب الفرنسيون والسويسريون بعد ذلك باشراكهم في الغنيمة فتم لهم ذلك واعيد توزيع اسهم الشركة بشكل نهائي كالتالي، 51% للمصالح البريطانية و25% للمصالح الايطالية و12% للمصالح الالمانية و 12% للمصالح الفرنسية والسويسرية.

كانت شركة النفط التركية قد وقعت مع الحكومة العراقية اتفاقية النفط الاولى في اذار 1924 الا ان الشركة لم تستطع الالتزام ببعض شروط تلك الاتفاقية بالرغم من منحها سنة اضافية مما نتج عنه الغاء تلك الاتفاقية في تشرين اول 1928 والدخول في مفاوضات جديدة. وقد كان من حسن حظ الحكومة العراقية تلقيها العرض المذكور اعلاه من شركة انماء النفط البريطانية مما ساعد المفاوض العراقي للحصول على شروط افضل في اتفاقية اذار 1931 النهائية بين الحكومة العراقية وشركة نفط العراق والتي تم فيها تحديد منطقة امتيازها بالاراضي الواقعة شرق نهر دجلة من شمال العراق بمساحة قدرها 32,000 ميل مربع لتصبح بموجب ذلك الاراضي الواقعة غرب دجلة متوفرة للاستثمار من قبل شركات اخرى.

اتفاقية شركة انماء النفط البريطانية لعام 1932

قامت على اثر ذلك شركة انماء النفط البريطانية مع شركات اخرى كشركة بيرسون البريطانية وغيتي الامريكية بتقديم عروضها للحصول على امتياز للتنقيب في المناطق الواقعة غرب نهر دجلة وبعد مداولات طويلة قررت الحكومة العراقية من حيث المبدأ قبول عرض شركة انماء النفط البريطانية.

تم على اثر ذلك الدخول في المفاوضات النهائية بين الحكومة العراقية و شركة انماء النفط البريطانية  ليتم توقيع الاتفاقية بين الجانبين في ايار 1932 والتي ندرج اهم بنودها ادناه.

- حددت منطقة الامتياز بتلك الاراضي الواقعة غرب نهر دجلة وشمال خط عرض 33 درجة بمساحة قدرها 46 الف ميل مربع.

- حدد سعر النفط باربعة شلنات (ذهب) للطن الواحد اسوة بسعر شركة نفط العراق على ان لا تقل واردات الدولة العراقية عن 200 الف باوند استرليني سنوياً خلال العشرين سنة اللاحقة لتاريخ تصدير اول دفعة من النفط . علماً بان الجنيه الاسترليني الواحد يحتوي على عشرين شلن وان الطن الواحد يحتوي على 7.578 برميل من نفط كركوك وان البرميل يحتوي على 35 غالون بريطاني.

- تقوم الشركة بدفع بدل ايجار سنوي قدره 100 الف باوند استرليني في كانون الثاني

1933 ليرتفع بعد ذلك سنوياً بمبلغ 25 الف باوند استرليني لغاية 200 الف باوند استرليني

في عام 1937 وليستمر كذلك للسنين اللاحقة.

- تقوم الشركة بتصدير النفط بطاقة لا تقل عن مليون طن في السنة بعد سبع سنوات ونصف من تاريخ توقيع الاتفاقية.

- حددت مدة الامتياز ب 75 سنة من تاريخ توقيع الاتفاقية اسوة باتفاقية شركة نفط العراق.

 حقلي نفط عين زالة وبطمة وخطوط انابيب النفط من كركوك وعين زالة الى طرابلس وبانياس


الجارة المزعجة

لقد اثار النجاح الباهر الذي حقتته شركة انماء النفط البريطانية حفيظة جارتها شركة نفط العراق لاسباب عديدة منها:

- حصولها على امتيازها للتنقيب واكتشاف النفط بفترة قصيرة وجهد يسير في المنطقة الواقعة على حدودها الغربية والتي تزيد مساحتها البالغة 46 الف ميل مربع على مساحة امتيازها البالغة 32 الف ميل مربع بكثير.

- قيام شركة انماء النفط البريطانية بتقديم شروط افضل مما جاء في اتفاقيتها لعام 1924 مما قوى من موقف المفاوض العراقي خلال مفاوضاته مع شركة نفط العراق لاحقاً ومكنه من الحصول على شروط افضل في اتفاقية اذار 1931 النهائية بين الحكومة العراقية وشركة نفط العراق اهمها استحداث مبدأ ضريبة الايجار السنوية المغرية ومبدأ تحديد ايرادات الحكومة السنوية الدنيا الواجب دفعها بغض النظر عن كميات النفط المصدرة سنوياً.

 فاخذت شركة نفط العراق المسنودة من قبل مالكيها الاقوياء والاغنياء، شركات النفط العالمية الكبرى، كشركة النفط البريطانية وشركة النفط الفرنسية وشركة شل الهولندية والشركات الامريكية  تتحين الفرصة المناسبة للايقاع بهذه الجارة المتطفلة والمزعجة بهدف الاستيلاء على امتيازها والتخلص منها نهائياً.

شركة نفط الموصل المحدودة

Mosul Petroleum Company  limited

بدأت مشاكل شركة انماء النفط البريطانية المالية تظهر في وقت مبكر بعد قيامها باعمال التنقيب والحفر المكلفة فتم تشكيل شركة باسم (حقول نفط الموصل) في كانون الاول 1932 باموال ايطالية وبريطانية والمانية وفرنسية وهولندية وسويسرية وعراقية  لامدادها بالاموال اللازمة مقابل رهن بعض اسهمها.

قام بعد ذلك المساهمون الفرنسيون والسويسريون ببيع حصتهم البالغة 12% لشركة النفط الوطنية الايطالية في آب 1934 ليتبع ذلك بيع بعض المساهمون البريطانيون حصتهم البالغة 10% لشركة النفط الوطنية الايطالية كذلك لتصبح اسهم الشركة مملوكة بواقع 47% للايطاليين 41% للبريطانيين و12% للالمان.

وفي اذار 1936 كان هناك دفعة ايجار مستحقة للحكومة العراقية بمبلغ ربع مليون باوند استرليني لم تستطع الشركة تسديدها فاستغلت شركة نفط العراق الجارة الغنية تلك الفرصة التي طال انتظارها للقيام  باجراء مفاوضات مع  شركة انماء النفط البريطانية بحجة مساعدتها. فتم على اثر ذلك قيام شركة نفط العراق بانشاء شركة  ممولة باسم (الموصل القابضة المحدودة) لتامين الاموال اللازمة لشركة انماء النفط البريطانية مقابل حصول شركتها (الموصل القابضة المحدودة)  على نسبة من اسهم شركة (حقول نفط الموصل) .

قامت شركة نفط العراق بعد ذلك بوقت قصير باستبدال اسم (شركة الموصل القابضة المحدودة) باسم (شركة نفط الموصل المحدودة).

استمرت مشاكل شركة انماء النفط البريطانية المالية بالازدياد للفترة من 1936 الى 1940 واستمرت شركة نفط الموصل المملوكة من قبل شركة نفط العراق بتزويدها بالاموال اللازمة مقابل الاستيلاء على المزيد من اسهمها الى ان اضطرت شركة انماء النفط البريطانية اخيراً، بعد ان ارهقتها الديون المتراكمة، للتنازل عن كامل امتيازها وحقوقها لشركة نفط الموصل في عام 1941.

 وبذلك تخلصت شركة نفط العراق من غريمتها نهائياً والاستيلاء على امتيازها بصورة كاملة، عن طريق شركتها الفرعية (شركة نفط الموصل المحدودة)، لتوسع رقعة امتيازها بصورة كبيرة لتشمل كافة الاراضي العراقية الواقعة شمال بغداد اي شمال خط عرض 33 درجة والبالغة 78 الف  ميل مربع.

اكتشاف حقل نفط عين زالة 

لم تتمكن شركة انماء النفط البريطانية من اكتشاف اي حقل للنفط لعدة سنوات من التنقيب والحفر حتى استطاعت بعد فوات الاوان من اكتشاف حقل عين زالة في عام 1939. وكان ذلك بعد ان انهكتها الديون والمشاكل المالية المستعصية ووقوعها تحت رحمة غريمتها شركة نفط العراق الغنية كما ذكرنا اعلاه التي استطاعت في نهاية الامر من الاستيلاء على حقل عين زالة.

يقع الحقل على بعد حوالي 80 كيلومترا شمال غرب مدينة الموصل وقد تبين بانه صغيرالحجم بطول 16 كيلومتر وعرض 4 كيلومتر تقريبا ويحتوي على مكمنين كما موضح في الشكل ادناه.

يقع المكمن العلوي على عمق 1,600 متر تحت سطح الارض ويتراوح سمك صخوره النفطية من 75 الى 90 متراً بينما يقع المكمن السفلي على عمق 2,225 متراً تحت سطح الارض ويقدر اقصى سمك لصخوره النفطية بحوالي 400  متر ويتصل المكمنان عبر شقوق ضيقة جداً خلال شريط من الصخور الصلدة.

اما نفط عين زالة فهو اثقل من نفط كركوك حيث تبلغ كثافة مكمنه العلوي 33.7 درجة بمقياس معهد النفط الامريكي ويحتوي علي نسبة 3% من الكبريت. اما نسبة الغاز المذاب فيه فتقدر بحوالي 290  قدم مكعب لكل برميل. اما كثافة نفط مكمنه السفلي فتبلغ 31.4 درجه بمقياس معهد النفط الامريكي ويحتوي علي نسبة 2.6% من الكبريت.

حقل عين زالة وبعض اباره


مقطع في مكمن حقل عين زالة
اللون الاسود يوضح الصخور النفطية

تأخر تطوير هذا الحقل بسبب استمرار الحرب العالمية الثانية لعدة سنوات ليباشر بتطويره في اواخر اربعينيات القرن الماضي ليبدأ انتاج النفط منه في عام 1951 حيث بلغت طاقته الانتاجية القصوى 25,000 برميل باليوم وهي انتاجية واطئة جداً مقارنة بالحقول العراقية الاخرى التي يصل انتاج بعضها مليون برميل باليوم.

 اما طاقة اباره الانتاجية فتعتبر واطئة كذلك حيث يقدر معدل الانتاج من ابار المكمن العلوي ب 5,000 برميل باليوم ومن المكمن السفلي ب 4,000 برميل باليوم.

استقر الانتاج من هذا الحقل بعد عدة سنوات من انتاجه على معدل يتراوح بين 18,000 الى 19,000 برميل باليوم ليضمن بالاشتراك مع انتاج حقل بطمة معدل يزيد عن 20,000 برميل باليوم اي ما يعادل مليون طن سنوياً وهو الحد الادنى المطلوب تصديره بموجب اتفاقية النفط الموقعة مع الحكومة العراقية.  

كان انتاج النفط في الاعوام الاولى من عمر الحقل يستخرج بصورة تلقائية تحت ضغط

المكمن نفسه الذي بدأ بالتناقص تدريجياً مما تطلب المحافظة عليه بحقن الماء في اول الامر الذي لم يدم طويلا لينتهي باستعمال المضخات في نهاية الامر.

اكتشاف حقل نفط بطمة

تم اكتشاف هذا الحقل الموازي لحقل عين زالة في عام 1952 في منطقة تقع جنوب شرقه وعلى بعد عشرة كيلومترات منه تقريباً حيث يبلغ طوله 12 كيلومتر وعرضه 6 كيلومتر تقريباٌ. يتألف الحقل من قبتين منفصلتين شرقية وغربية حيث يكمن معظم النفط في مكمن القبة الغربية الذي يقع على عمق 1,150 مترا تحت سطح الارض. اما نفط هذا الحقل فهو اثقل من نفط عين زالة حيث تبلغ كثافته 29.8  درجة بمقياس معهد النفط الامريكي.   

يصنف هذا الحقل ضمن الحقول العراقية الصغيرة جداً حيث ان انتاجه لم يتجاوز اكثر من 5,000 برميل باليوم حيث بدأ الانتاج منه بصورة تلقائية في سنواته الاولى وبالمضخات في السنين اللاحقة.

منشآت حقلي نفط عين زالة وبطمة

شيدت منشآت حقل عين زالة اولا ليتم تشييد منشآت حقل بطمة بعد ذلك مباشرة لتصبح منشآت الحقلين منظومة متكاملة تشمل ما يلي:

- عشرات الآبار سواء للانتاج او للمراقبة او لحقن الماء.

- انشاء محطتين لعزل الغاز الاولى في حقل عين زالة والثانية في حقل بطمة.

- مد انبوب بقطر 8 عقدة وطول 15 كيلومتر من حقل بطمة لنقل نفط بطمة تحت الجاذبية الارضية الى خزانات التصدير في عين زالة ليتم مزجه مع نفط عين زالة هناك قبل تصدير المزيج.

- انشاء خزانات تصدير النفط في عين زالة.

- انشاء محطة ضخ لتصدير النفط في عين زالة.

- مد انبوب بقطر 12 عقدة وطول 216 كيلومتر لنقل النفط المزيج من عين زالة الى محطة ضخ (ك-2) بالقرب من مدينة بيجي ليتم تصديره من هناك عبر خط انبوب شركة نفط العراق القديم قطر 12 عقدة الى طرابلس في لبنان.

- انشاء محطة لتوليد الكهرباء.

- انشاء محطة ضخ ماء على نهر دجلة بالقرب من ناحية زمار القريبة ومد انبوب بقطر 8 عقدة لنقل الماء الى عين زالة.

- بناء مجمع يحتوي على مكاتب ومخازن وورش ونوادي ومطاعم وحمامات سباحة وساحات تنس وملعب كولف وغير ذلك من المنشآت الضرورية والترفيهية.

- بناء دار ضيافة لكبار الموظفين العزاب والزائرين بمهام رسمية اضافة الى 42 دار سكنية انيقة لكبار موظفي الشركة وعوائلهم.

تشييد العديد من البنايات السكنية التي تحتوي على عشرات غرف النوم مع مرافقها لمختلف الموظفين والحرفيين والعمال دون عوائلهم التي عادة ما تعيش اما في مدينة الموصل او في القرى المجاورة لعين زالة.

تشييد مدرج ملائم لنزول واقلاع طائرات الشركة الصغيرة لنقل الموظفين والبريد والمواد والمعدات بين كركوك وعين زالة. 

نهاية شركة نفط الموصل المحدودة

لم تتمكن شركة نفط الموصل من اكتشاف حقول نفط جديدة فاستمرت بانتاجها الرتيب من حقلي عين زالة وبطمة بمعدل مليون طن بالسنة اي حوالي عشرين الف برميل باليوم وهو الحد الادنى المطلوب في اتفاقيتها مع الحكومة العراقية لغاية تأميم شركة نفط العراق في الاول من حزيران 1972.

لقد شمل التأميم كافة منشآت شركة نفط العراق بضمنها منظومة خطوط انابيب تصدير النفط من كركوك الى الحدود السورية التي تشمل خط تصدير نفط عين زالة ما بين محطة ضخ (ك-2) بالقرب من مدينة بيجي والحدود السورية مما نتج عنه عدم استطاعة شركة نفط الموصل القيام بتصدير نفطها عبره فقامت بتسليم منشآتها الى الحكومة العراقية اسوة بمنشآت شركة نفط العراق وبذلك اسدل الستار على هذه الشركة نهائياً.

قامت وزارة النفط على اثر ذلك باستلام وتشغيل منشآت حقلي عين زالة وبطمة حيث لا زال الانتاج مستمرا الى يومنا هذا بالرغم من انخفاض الانتاج الى معدلات متدنية جداً.    

راجياً ان تعيد هذه المقالة للآلاف ممن عملوا في هذين الحقلين خلال السبعين سنة الماضية ذكريات عمل جميلة وفترات عيش سعيدة في مجمع عمل وسكن انيق محاط بطبيعة خلابة بصحبة اصدقاء اعزاء وزملاء عمل اوفياء.

مع اطيب تمنياتي القلبية لهم جميعاً بكل خير.

غانم العناز

  كانون الثاني 2014   

المصدر : كتابى  العراق وصناعة النفط والغاز في القرن العشرين الصادر بالغة الانكليزية عن دار نشر جامعة نوتنكهام البريطانية في ايار 2012 .

Comments

سيار الجميل
04/01/2014 1:10am
دراسة رائعة في التاريخ الاقتصادي العراقي ، ولقد استفدت منها كثيرا .. عن عين زالة التي كانت شهرتها كبيرة جدا في النصف الاول من القرن العشرين .. انه ذلك المكان الرائع بمنتجعه الجميل وهوائه العليل وثرائه الخصب سواء في ارضه او في اعماقها .. جزاك الله خيرا عزيزي الاستاذ
القدير غانم العناز مع اسمى الامنيات .. دمت ذخرا
سيار
Reply
سالم إيليا
04/01/2014 2:48am
الأستاذ الفاضل وخبير النفط المتمكن غانم العنّاز لكم جليل إحترامي وفرحي لتوثيقكم حقبة مهمة من حقب الصراع الذي لا يزال دائراً بين المفاوض العراقي صاحب الثروة الحقيقية وبين الشركات النفطية العالمية المكتشفة والمستخرجة للنفط وهو حق مشروع للطرفين فكل يسعى الى غايته وهدفه ، فلا عجب أن نرى في بلدان متقدمة مثل كندا تمتلك معظم إمتيازات إستخراج بترولها شركات أمريكية وفرنسية وحتى بعض الأسهم السعودية لأن النفط وكما تعلمون ثروة عالمية وإن وهب الله بعض الدول تملك هذه الثروة ، ـ ـ يتبع
Reply
سالم إيليا
04/01/2014 2:51am
ولكن على أصحاب الثروة بذل ما في وسعهم للإستفادة القصوى من إستخراج ثروتهم وبيعها للمستثمر لكي لا ينطبق عليهم المثل القائل : "كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمول" ، تقبلوا مني شكري بما أجادت به ذاكرتكم وفاض به علمكم وقلمكم ـ ـ سالم إيليا
Reply
نايف عبوش
04/01/2014 6:20am
الكاتب الفاضل غانم العناز:عرض تاريخي توثيقي رصين من خبير بالصناعة النفطية. ويجدر في هذا الصدد الاشارة الى ان مثل هذه المعلومات والاخرى الفنية غيرها كانت محتكرة من الشركات الاجنبية وتخضع للسرية.و(اكتشاف الحقول النفطية كثيراً ما يتم في المناطق النائية) لانها من الصناعات التي تنجذب نحو الموضع ضمن مححدات التقنيات السائدة يوم ذاك (مما يستوجب توفير المكاتب والدور السكنية وغيرها من الابنية اللازمة للعاملين فيها. فقد يقتصر ذلك على عدد قليل من المساكن والمكاتب الجاهزة لتشكل ما يشابه القرى الصغيرة )التي كانت تعرف في ادبيات الموارد النفطية بمدن الاشباح لان الاحتكارت النفطية كانت لاتهمها الا مصالحها.دام قلمك وهاجا في تسليط الضوء على معالم هذه الصناعة التي لازال الكثير من القراء من غير المتخصصين لايعرف عنها الا النزر اليسير.اتمنى مرة اخرى ان يترجم كتابك القيم للعربية لتعم الفائدة وان تودع نسخ منه في مكتبات جامعات القطر
نايف عبوش
Reply
04/01/2014 5:30pm
انه لمن دواعي فخري ان تنال هذه الدراسة المتواضة رضاك اخي العزيز العلامة والمؤرخ البارع سيار الجميل. كما انه من دواعي سروري ان تكون قد استفدت منها وانها قد اعادت لك ذكريات عن تلك البقعة الجميلة من ارضنا الخيرة. نعم لقد كان لعين زالة شهرة واسعة في الموصل حيث ان معظم العاملين فيها كانوا ولا زالوا من ابناء مدينتنا العزيزة وقراها المحيطة بعين زالة. فقد كانت مصدر رزق شريف لهم ولعوائلهم وعنوان فخر واعتزاز لهم بعملهم في صناعة النفط العملاقة التي كانت ولا زالت تمثل اهم مصدر للدخل القومي في بلدنا العزيز
دمت لنا مؤرخاً واديباً بارعاً، مع اطيب التمنيات ... غانم العناز
Reply
04/01/2014 6:36pm

شكراً لك أخي الكريم الاديب وخبير مصافي النفط سالم ايليا على اضافتك القيمة وكيف لا وأنت ممن يملكون الخبرة الواسعة والمعرفة الشاسعة في صناعة النفط وخفاياها. نعم يجب على اصحاب الثروة استخراج ثروتهم وذلك ما قام به بكفاءة ذلك الرعيل من خبراء النفط العراقيين المشهود لهم بالمهنية العالية والخبرة الواسعة.
ان ما نتوق اليه اليوم هو قيام ساستنا بالتحلي بمثل تلك المهنية العالية والنزاهة الشفافة لاستثمار ما تدره تلك الثروة في مشاريع اقتصادية وخدمية تصب في رفع المعاناة عن شعبنا الذي ذاق ما فيه الكفاية من قهر وفقر وحروب .. مع اطيب التمنيات .. غانم العناز
Reply
04/01/2014 6:54pm
ما اصدق ما تفضلت به في اضافتك الكريمة ايها الاخ الاديب والمفكر نايف عبوش. لقد كانت ولا زالت الشركات النفطية والحكومات المعنية حريصة على عدم نشر كافة بنود اتفاقياتها النفطية. فسوف لن نعلم تفاصيل اتفاقيات العراق النفطية مع شركات نفط العراق والموصل والبصرة وما دار في مجالس ادارتها بالضبط الا بعد يتم نشرها بعد ثلاثين سنة من الان حيث انها محفوظة في ارشيف مغلق في جامعة واريك البريطانية
آملا ان تتحقق امنيتك وامنيتي معك في ترجمة الكتاب ان شاء الله علماً بان نسخة من الكتاب متوفرة في مكتبة جامعة الموصل.
مع اسمى التمنيات ......غانم العناز
Reply
محمد صالح يا سين الجبوري
06/01/2014 4:09am
الاستاذ غانم العناز المحترم
السلام عليكم
دراسة اقتصادية مهمة من استاذ وخبير له قدرات عالية في طرح مواضيع مهمة تستحق القراءة والتحليل ,وجهود كبيرة تهدف الى خدمة البلاد والعباد ...بارك الله فيك
محمد صالح يا سين الجبوري
.
Reply
06/01/2014 3:53pm
شكراً لك اخي الكاتب والاعلامي المتمكن محمد صالح ياسين الجبوري على هذه الالتفاتة الجميلة والكلمات النبيلة وارجو من الله العلي القدير ان يمكننا جميعا من المضي قدماً في نشر المعلومة الهادفة والكلمة الصادقة والدراسة النافعة لتحقيق ما نصبوا اليه من اعادة الصفاء والرخاء لمواطنينا الكرام واشاعة السلام والوئام في ربوع ووطننا العزيز
مع اطيب التمنيات لك بكل خير
غانم العناز

Monday, 2 December 2013

نفط العراق وتسعيره بالذهب


نفط العراق وتسعيره بالذهب

                                                 بقلم غانم العناز
 

مما لا شك فيه ان الاتفاقيات السياسية او الاقتصادية بين الدول او العقود التجارية بين الشركات او الافراد ، وبغض النظر عن اهميتها او قيمتها تحتوي ، على شروط مسهبة تبين حقوق والتزامات كل من الطرفين المتعاقدين منعاً لحدوث اي التباس قد ينتج عنه خلاف في المستقبل. ومع كل الاحتياطات التي يأخذها كل من الطرفين المتعاقدين  فقليلا ما تخلو اية اتفاقية او اي عقد تجاري من ظهور مثل هذه الخلافات حول تفسير ما جاء في احدى بنود او شروط ما اتفق عليه ولكل من الطرفين وجهة نظره المختلفة في ذلك. أما ان يدور خلاف مستعصي طويل ومكلف حول معنى كلمة واحدة فقط فذلك ما يندر حدوثه كما سنرى في مقالتنا هذه. 

اتفاقية الامتيازات النفطية العراقية لعام 1931

لم تكن اتفاقية الامتيازات النفطية المعقودة بين الحكومة العراقية وشركة نفط العراق في نيسان 1931 لتشذ عن هذه القاعدة حيث تبين منذ البدايات الاولى بانها تحتوي على العديد من البنود والفقرات التي ظهرت الخلافات في تفسير الكثير منها وهو امر ليس بالغريب لكثرة ما احتوته من بنود وشروط وتفاصيل معقدة. أما ما ظهر من خلاف حول تفسير كلمة واحدة فقط قد ينتج عنه ربح او خسارة بملايين الباوندات الاسترلينية لأحد الطرفين المتعاقدين وان يدوم الخلاف لمدة عشرة اعوام وينتهي بالمحاكم قبل التراضي فذلك ماحدث في هذه الاتفاقية.  

الكلمة السحرية (ذهب)    

ان احدى اهم النقاط الرئيسية التي نوقشت بصورة مسهبة خلال مفاوضات منح امتياز التنقيب لاكتشاف النفط بين الحكومة العراقية وشركة النفط التركية (شركة نفط العراق لاحقاً) في اوائل العشرينيات من القرن الماضي كانت تحديد سعر النفط. فقد اقترحت شركة النفط التركية تحديده باربعة شلنات للطن الواحد علما بان:

- الباوند الاسترليني الواحد يساوي عشرون شلن.

- الباوند االاسترليني الواحد يساوي دينار عراقي واحد او (1,000 فلس) في ذلك الوقت.

- الطن الواحد من نفط كركوك يساوي 7.578 برميل.
 

الدينار العراقي القديم                          الباوند الاسترليني القديم

        ورقة نقدية قابلة التحويل الى ليرات انكليزية

فقد قامت اللجنة الحكومية المفاوضة الاولى التي شكلت في تشرين الاول 1923 والمؤلفة من رئيسها وزير المواصلات والاشغال ياسين الهاشمي وعضوية وزير المالية ساسون حسقيل ووزير العدلية ناجي السويدي باجراء اولى المفاوضات مع الشركة والتي اقترح فيها الجانب العراقي تعديلات كثيرة على ما جاء في مسودة الاتفاقية من أهمها ربط قيمة الباوند الاسترليني في الاتفاقية بالذهب. انتهت تلك المفاوضات دون التوصل الى اية نتيجة امام تمسك الشركة بما جاء في معظم بنود مسودة الاتفاقية التي قدمتها ومن ضمنها تحديد سعر الطن باربعة شلنات كما ذكر اعلاه.

 جرى بعد ذلك تشكيل لجان حكومية اخرى وبالرغم من اصطادمها جميعاً بنفس التعنت من جانب الشركة الا ان المفاوض العراقي اصر على ربط قيمة الباوند الاسترليني بالذهب تفادياً لما حدث خلال الحرب العالمية الاولى حين تم فك ارتباط قيمة الباوند الاسترليني بالذهب ليفقد نتيجة لذلك بعضاً من قيمته في الاسواق العالمية.

وافقت الشركة اخيرا على مضض على ربط قيمة الباوند الاسترليني بالذهب الا انها رفضت تحديد وزنه من الذهب او ذكر اية مواصفت للذهب كنقاوته علماً ان قيمة الباوند الاسترليني في ذلك الوقت كان يعادل 7.3 جرام ذهب عيار 22 قيراط . وافقت الحكومة العراقية ايضاً على مضض على ذلك واكتفي بتحديد سعر الطن من النفط في اتفاقية آذار 1925 باربعة شلنات (ذهب). كما نصت اتفاقية آذار 1931 المعدلة والنهائية على ان يكون سعر الطن اربعة شلنات (ذهب) كذلك دون تغيير.

صحة حدس المفاوض العراقي

لم يمض وقت طويل بعد توقيع الاتفاقية الا لتثبت صحة حدس واصرار المفاوض العراقي على ربط قيمة الباوند الاسترليني بالذهب. فقد قامت الحكومة البريطانية في أيلول 1931 بفك ارتباط الباوند الاسترليني بالذهب في اعقاب الكساد الاقتصادي العالمي مما نتج عنه انخفاض سعر الباوند الاسترليني في الاسواق العالمية بنسبة كبيرة.

لقد كان هناك دفعة مستحقة للحكومة العراقية من شركة نفط العراق في كانون الثاني 1932 بقيمة 409,000 باوند استرليني (ذهب). رفضت الشركة دفع المبلغ بموجب الاتفاقية بسعر الذهب مدعية ان الاتفاقية لم تحدد مقدار الذهب او مواصفاته. حاولت الشركة اثر ذلك التوسط لدى الحكومة البريطانية لتأييد موقفها الا ان الحكومة البريطانية لم تستطع تأ ييد موقف الشركة المهلهل فنصحتها بالالتزام بدفع ذلك المبلغ والمبالغ الاحقة بسعر الذهب كما جاء صراحة في الاتفاقية وتم على اثر ذلك تسديد تلك الدفعة بمبلغ قدره 578,000 باوند استرليني.

  ظهور سعرين مختلفين للذهب وسعرين للباوند الاسترليني  

 قامت الحكومة البريطانية بعد نشوب الحرب العالمية الثانية باصدار قانون الدفاع المدني في سنة 1939 الذي قيدت بموجبه التعامل بالذهب وحددت سعره بالباوند الاسترليني في اسواقها. فقامت الشركة بدفع عوائد العراق بالباوند الاسترليني بموجب السعر الرسمي للذهب الذي يحدده مصرف انكلترا (المصرف المركزي للمملكة المتحدة) في لندن وهو سعر واطئ لا يعبر عن سعر الذهب في الاسواق الحرة مما ادى الى اعتراض الحكومة العراقية على ذلك. استمرت الشركة بدفع عوائد الحكومة العراقية خلال الحرب على هذا الاساس الذي يعادل 39 شلن او ما يعادل 1,950 فلساً عراقياً لكل باوند استرليني (ذهب) بموجب سعر مصرف انكلترا للذهب في الوقت الذي كانت فيه قيمة الباوند الاسترليني بسعر الذهب في الاسواق العراقية والحرة يقارب خمسة دنانير (5,000 فلساً) اي خمسة باوندات استرلينية (100 شلن) مما دفع الحكومة العراقية للاستمرار بالاعتراض والاصرار على اعتماد سعر السوق الحرة العراقية للذهب دون جدوى.  


مصرف انكلترا

حدث بعد ذلك تخفيض اخر للباوند الاسترليني في سنة 1949 فقامت الشركة بدفع 58 شلن اي ما يعادل 2,900 فلساً للباوند الاسترليني (ذهب) بموجب سعر الذهب الذي يحدده مصرف انكلترا. استمرت الحكومة العراقية بالاحتفاظ بحقها بالمطالبة بالدفع بموجب اسعار الاسواق الحرة العراقية للذهب وقدرت الخسائر التي لحقت بها من جراء ذلك للفترة 1940 - 1950  بما يقارب 21 مليون باوند استرليني اي دينار عراقي.

الذهاب الى المحاكم

حصل استياء عام في العراق من جراء استمرار تعنت الشركة بعدم الالتزام باعتماد السوق الحرة للذهب نتج عنه انتقاداً شديداً للحكومة من قبل االمعارضة الوطنية مما اضطر الحكومة الى اتخاذ قرارها باقامة الدعوى على الشركة في المحاكم البريطانية المختصة والفت اثر ذلك لجنة برآسة نديم الباجه جي للذهاب الى لندن لاقامة الدعوى هناك. وصلت اللجنة الى لندن في تشرين الاول 1950 وقامت بالاتصال بشركة ريشارد بتلر للمحاماة التي قامت بدراسة الموضوع واستشارت بعض المحامين الاخرين لتقدم تقريرها النهائي الذي ذكرت فيه بانه قد حصلت لديها قناعة بان هناك املاً كبيراً بكسب الدعوى لصالح الحكومة العراقية.

 قامت الحكومة على اثر ذلك بتشكيل لجنة استشارية عليا برآسة مصطفى العمري لدراسة تقرير شركة بتلر للمحاماة فقامت بدراسته بصورة مسهبة لتبدي تأييدها لما جاء فيه موضحة ان سعر الباوند الاسترليني المبني على سعر الذهب الذي تحدده الحكومة البريطانية عن طريق مصرفها المركزي بتشريع خاص بها لأغراضها الداخلية لا يمثل السعر الواجب الاخذ به في هذه القضية وعليه يجب اعتماد سعر السوق الحرة للذهب . وافق مجلس الوزراء على توصية اللجنة واوفد نديم الباجه جي الى لندن للتحضير لاقامة الدعوى من قبل شركة ريشارد بتلر. اجتمع محامو الحكومة ومحامو الشركة مع قاضي المحكمة التجارية العليا في لندن في آذار 1951 الذي امهل الشركة ثلاثة اسابيع للرد على لائحة دعوى الحكومة وعين يوم 23 تموز 1951 موعداً للمرافعة.

 الرجوع الى المفاوضات والتراضي

ازدادت شدة الاستياء في الاوساط الحزبية المعارضة والصحافة العراقية بصورة عامة اضافة الى الرأي العام من مواقف الشركة المتعنت والمجحف حيث ظهرت خلال تلك الفترة اصوات تطالب بتأميم نفط العراق اسوة بما قام به محمد مصدق رئيس وزراء ايران بتأميم النفط في بلاده في 1 أيار 1951 مما اضطر شركة نفط العراق والحكومة الى ضرورة تلافي الموقف وحل الخلاف بالطرق التفاوضية المباشرة منعاً لتفاقم الازمة وانتشار الاستياء بين الاوساط الشعبية مما قد ينتج عنه ما تحمد عقباه.

قام مجلس الوزراء على اثر ذلك في تموز 1951 بتخويل وفد مفاوض برئآسة رئيس الوزراء نوري السعيد لاجراء تسوية معقولة للموضوع. اجريت المفاضات الجديدة حول الموضوع في جو اكثر هدوءاً حيث اعربت الشركة بانها مطمئنة من سلامة موقفها وواثقة من كسب الدعوى بينما اعربت الحكومة عن ثقة مماثلة بموقفها ليتم الاتفاق بعد مفاوضات مكثفة على تسوية الموضوع  مقابل قيام الشركة بدفع خمسة ملايين باوند استرليني (دينار عراقي) للحكومة العراقية كتسوية نهائية للنزاع.

وقد يكون من المفيد هنا ان نوضح ضخامة قيمة النزاع البالغ 21 مليون باوند استرليني ومبلغ التسوية البالغ 5 مليون باوند استرليني في ذلك الزمان اذا علمنا بان مجموع عوائد الحكومة العراقية من النفط خلال سنة 1951 قد بلغ 15 مليون باوند استرليني وان ميزانية الدولة العراقية لتلك السنة كانت بحدود 50 مليون دينار اي 50 مليون باوند استرليني.

قام محامو الحكومة اثر هذه التسوية بتقديم طلبا الى المحكمة بتأجيل الدعوى الى اجل غير مسمى وبذلك اسدل الستار على هذه القضية الناتجة عن تفسير كلمة (ذهب) التي اسغرقت عشرة اعوام للتوصل الى حل لها.

حكاية يضرب بها المثل

لقد كانت حكاية الذهب هذه يضرب بها المثل من قبل جيل ذلك الزمان وربما لا زالت تذكر حتى يومنا هذا في بعض الاوساط عن نباهة وحرص المفاوض العراقي للحفاظ على حقوق بلاده باصراره على ربط سعر النفط بالباوند الاسترليني (ذهب) تلك الكلمة الصغيرة التي لولاها لمنيت الخزينة العراقية بخسارة مبلغ التسوية الكبير المذكور اعلاه. كما ان هذه القضية تبين كذلك نباهة ومراوغة مفاوض الشركة الذي اصر على عدم ذكر اي مقدار او تعريف لكلمة (ذهب) لينقذ بذلك شركته من خسائر ضخمة اخرى تفوق ثلاثة اضعاف ما تم التراضي عليه.

عقود الأمس وعقود اليوم

فتحية اكبار واجلال لمفاوضينا الاوائل الذين حافظوا على حقوق بلادهم باصرارهم على ربط سعر النفط بالذهب بالرغم من وقوعهم تحت ضغوط هائلة من قبل شركة النفط التركية المسنودة من قبل المندوب السامي البريطاني في بغداد والمستشارين البريطانيين في الحكومة العراقية اضافة الى وقوع الدولة العراقية المغلوب على امرها بكاملها تحت طائلة الانتداب البريطاني.

فاين نحن اليوم من تلك النزاهة وذلك الاخلاص والتفاني للدفاع عن حقوق الدولة وبالتالي عن اموال الشعب العراقي عما نسمع عنه في ايامنا هذه من خيانة الامانة وسرقة المال العام من بعض موظفي الدولة ذوي النفوس الضعيفة بواسطة طرق جهنمية سمعنا عنها الكثير والتي منها على سبيل المثال :

- التآمر لتوقيع عقود كاذبة مع شركات وهمية تأخذ الاموال وتختفي دون تنفيذ المشاريع المتعاقد عليها كتلك الخاصة بانشاء محطات توليد الطاقة الكهربائية التي ينتظر المواطنون انجازها بفارغ الصبر للتخفيف من معاناتهم من جراء انقطاع التيار الكهربائي الذي ذاقوا منه الامرين عبر سنين طويلة.

- شراء اجهزة غير صالحة للاستعمال قد ينتج عنها اضراراً كبيرة كاجهزة كشف المتفجرات التي ظهر بانها لا تزيد عن كونها لعب اطفال راح ضحيتها الكثير من ابناء شعبنا الابرياء بعد ان دفعت لشرائها ملايين الدولارات. علماً بان المجهز البريطاني المحتال قد قدم للمحاكم في بلاده واودع السجن عن جريمته النكراء فهل يا ترى نال شركاؤه العراقيون في الجريمة جزاءهم العادل؟  

- استيراد سلع مستهلكة او اغذية فاسدة انتهت صلاحيتها لتفتك بارواح المواطنين الابرياء وتذهب الاموال الطائلة هباءً في جيوب المفسدين وما الى غير ذلك من طرق الغش الخبيثة وأكل المال الحرام التي يندى لها الجبين؟

 فقد قلت في ذلك وفيما حالت اليه الاوضاع المزرية في بلادنا من انتشار الفساد والجشع  والفوضى ومن تدهور الخدمات الانسانية والصحية والبلدية  وغيرها من متطلبات الحياة الكريمة وما يشعر به المواطنون خصوصاً كبار السن منهم من اهمال وما تعانيه الالوف المؤلفة من المهاجرين في غربتهم وعزلتهم الطويلة والمريرة عن اهلهم واحباءهم قصيدة طويلة منها الابيات التالية:

قــالَ  لــي

بـصــوتِــهِ   الـمُـجـلـجِــلِ
 
قــولاً  غـريـبــاً  قــالَ  لــي
فـي غُــربَـتـي  ومَـعـزِلـي
 
اريــدُ  أن  تـسـمـعَ   لــي
يُــخـرجُـنـي  مـن  مَـلـلـي
 
يـا  صاحـبـي  انـتَ  الــذي
مُــثــقـلــةً      بـالـعِـلـــلِ
 
إنّ   الـحـيـاة    أصـبـحـتْ
وكـــثـــرَةِ     الــمَـشـاغِــلِ
 
وبــالــهُـمــومِ       تــــارةً
بـوَهَـــنٍ    فـي   أرجُـلــي
 
لــقــدْ    بَــدأتُ    أشـعُـــرُ
تُـعـيـقــنـي  فـي  عَــمَـلـي
 
وبـالــيــديــنِ    رَعـــشَــةً
********
****
********
مِــرآتــهــا   لا   تــنـجَـلــي
 
وأصـبــحَــتْ     ذاكِــرتــي
 ـبـعـضِ ما  قـدْ   قـيـلَ  لـي

حــتـى   غــديـتُ   نـاسِـيـــاً
لــكــنّــنــي   لا   فِـكــرَ لي
 
فـكـمْ  وكـمْ  قـدْ   قـيـلَ   لـي
  كـي   نُــدْفــعَ  لـلــخــبَــلِ؟

الـيــسَ     ذاكَ    كافِـــيـــا
********
****
********
بــنــغــمَـةِ   الـمُـسْـتـرسِـلِ
 
وعــادَ    يَــرنــو     قـــائلاً
مـــنَ   الـــزمـــانِ   الأولِ؟
 
أتـــذكــرُ  مـا   قــد  مَـضـى
وصِــحــبَــةِ     الأفــاضِــلِ
 
مـنْ   رِقــةٍ   فـي  قــولِـنــا
لـلـجـاهِـــلِ      والـغــافِـــلِ
 
ورَحْـمَـةٍ    فـي    فِـعـلِـنـــا
مــنَ  الــزمـانِ  الـمُـخـجِــلِ
 
ومـا   أتـى   مـنْ   بَــعـــدِهِ
وسَـــطـــوةِ     الأســـافِــــلِ
 
مـن  جـشـعٍ   لا   يــنـتـهــي
وكــثــــرَةِ        الــمَـهــازِلِ
 
  وقــســوَةٍ    فـي  بَـعـضِـنــا
يــدعــو  الـى   الـفـضـائــلِ
 
فــقــد   غــزانــا    جــاهـــلٌ
وَهــــو   مـــنَ      ألأراذلِ
 
لـــيَـــدّعــي     حـــضـــارةً
حَـــلاً     لـــذي الـمَـشـاكِلِ؟
 
هـلْ  يا  تُــرى  سـوفَ  نـرى
********
****
********

الى آخر هذه القصيدة التي كتبت خلال هذا العام.

كانون اول 2013

المصدر : كتابى  العراق وصناعة النفط والغاز في القرن العشرين الصادر بالغة الانكليزية عن دار نشر جامعة نوتنكهام البريطانية في ايار 2012 .
 


Comments

الأستاذ الدكتور سمير بشير حديد
02/12/2013 7:04am
توثيق رائع يؤشر نباهة المفاوض العراقي وحرصه بالحفاظ على حقوق بلاده ، أما اصراره على ربط السعر بالذهب فيدل على بعد نظرهم وشجاعتهم وذكائهم. كما لا يمكن اجراء مقارنة بين الماضي وزمن الخير والصفاء والنقاء وبين الوقت الحاضرالذي انقلبت فيه الدنيا رأسا على عقب وخسرنا كل شيء من نفط وموارد نفطية وثروات وكفاءات وعلماء وأعلام ومبدعين وحتى السلوك والأخلاق والأمن والأمان قد ذهب. سلم يراعك ايها الأستاذ القدير خبير النفط غانم العناز وبارك الله فيك، وتقبل تحياتي واحترامي
Reply
غانم العناز
02/12/2013 1:55pm
الاخ العزيز عالم الرياضيات القدير وابن محلتي الاستاذ الدكتور سمير حديد حفظه الله
احييك بدوري اجمل تحية واشكر لك كلماتك الصادقة البهية بحق رجال العراق المخلصين الذين خدموا بلادهم بصدق واخلاص وساعدوا ابناء جلدتهم برقة ورحمة
نعم لقد كانوا اوفياء امناء لوطنهم واهليهم ومع ذلك والبرغم مما نراه ونسمع عنه في ايامنا هذه من قسوة مسرفة وبطش بشع من البعض الا ان الخير لازال موجود بين عامة اهلنا الطيبين وجذوة الخير والامل باقية لمستقبل سعيد ان شاء الله.
بارك الله فيك وفي امثالك من الخييرين لنشر الكلمة الطيبة والعلم النافع والادب الرفيع.
مع اطيب التمنيات
اخوك غانم العناز
Reply
نايف عبوش
03/12/2013 11:58am
الكاتب الفاضل غانم العناز:عرض مهني جميل لجانب معين من جوانب تاريخ الصناعة النفطية في العراق حيث الشركات الاحتكارية الاجنبية تحصن نفسها في العقود بشكل محكم، لانها تسعى الى تحقيق الارباح الى اقصى حد في عملياتها المتكاملة عموديا وافقيا بشتى الطرق.وكم كنت اتمنى لو كان كتابك قد تم تاليفه باللغة العربية او ترجم اليها، لكي يكون في متناول القاريء العربي، ليطلع على الكثير من الامور الغائبة عنه في اقتصايات النفط
نايف عبوش
Reply
غانم العناز
03/12/2013 6:30pm
الاستاذ الاديب والمفكر نايف عبوش حفظه الله
شكرا على مداخلتك القيمة حول المقالة وملاحظتك حول شركات النفط العالمية. نعم فشركة نفط العراق موضوع مقالتنا كانت مملوكة من قبل اقوى واكبر الشركات العالمية المسنودة من قبل الدول العظمى في ذلك الزمان والتي لا زالت كذلك في وقتنا الحاضر.
اما عن تأليف الكتاب باللغة الانكليزية فذلك يعود بصورة رئيسية الى قلة المصادر العربية وصعوبة كتابته وطبعه ونشره باللغة العربية وانا خارج الوطن.
إلا ان كتابته باللغة الانكليزية ونشره من قبل جامعة نوتنكهام البريطانية قد اعطى الكتاب شهرة عالمية واسعة ليصبح من اهم ان لم نقل اهم مرجع متكامل عن صناعة النفط والغاز العراقية العملاقة في القرن العشرين حيث يحتوي على 538 صفحة عن كل ما يتعلق بالصناعة وتشعباتها.
انه ليسعدني ان تتحقق امنيتك وامنيتي معك عن ترجمة الكتاب الى اللغة العربية ان شاء الله. حيث ان هناك مشروع لترجمة الكتاب من قبل احد اساتذتنا الافاضل في جامعة الموصل.
يتبع رج
Reply
غانم العناز
03/12/2013 6:32pm
تتمة الجواب : وكم سيسعدني اكثر ان يتم النشر من قبل جامعة مدينتي العزيزة ليوضع الكتاب بمتناول الباحث والاكاديمي والقارئ العربي الكريم.
علما بان الكتاب قد اخذ مكانه منذ فترة غير قصيرة كمرجع من قبل احد طلبة الدكتوراه في جامعة الموصل الذي سرني ان يتصل بي لاقدم له ما يحتاج اليه من معلومات اضافية تساعده في بحثه اضافة الى بعض العاملين في الصناعة من داخل العراق وخارجه.
مع اطيب التمنيات
غانم العناز
Reply
سالم إيليا
05/12/2013 4:37pm
نعم يا سيدي الكريم غانم العنّاز ، لقد قرأنا بفخر عن وطنية مفاوضينا مع تلك الشركات الجشعة ،وقرأنا عن نزاهتهم وذكائهم وقد صدق حدس وزير المالية الوطني الغيور ساسون حسقيل حينذاك حين أصّر على بيع النفط العراقي بالذهب في الوقت الذي عارضه في رأيه بعض الساسة بضغطٍ من الحكومة البريطانية ، تحية إجلال لكل شرفاء البلد والخزي والعار لسارقي قوت الشعب ومكاسبه ، الشكر الكبير لكم على هذا العرض التاريخي لمسلسل الصراع بين الشركات النفطية العالمية وأصحاب الثروة الحقيقيين .
Reply
06/12/2013 9:57am
الاخ العزيز الاديب وخبير مصافي النفط سالم ايليا
شكرا على ملاحظاتك القيمة واضافة صوتك بالفخر والاعتزاز بوطنية ونزاهة مفاوضينا اضافة الى شجاعتهم لوقوفهم بوجه شركات النفط القوية.
فقد ادى توقيع اتفاقية الامتيازات النفطية في اذار 1925 الى استقالة وزير العدلية رشيد عالي الكيلاني ووزير المعارف محمد رضا الشبيبي وتضحيتهما بمنصبيهما احتجاجا على حرمان العراق من المساهمة في امتلاك 20% من نفطه في اسهم شركة النفط التركية. أما المرحوم عبد المحسن السعدون فقد دفع حياته دفاعا عن حقوق بلده فهل هناك تضحية اكبر من ذلك؟ فتحية وفاءٍ اكرامٍ لمن خدموا العراق بامانة واخلاص عبر العصور كافة