Sunday 4 January 2015

شركة نفط خانقين أو حقل النفطخانه ومصفى الوند

شركة نفط خانقين
أو حقل النفطخانه ومصفى الوند
بقلم : غانم العـنّاز

 
لقد كانت شركة النفط الانكيزية الفارسية اول من اكتشف النفط في العراق في حقل النفطخانه في سنة 1923 لتقوم بعد ذلك بتأسيس شركة فرعية لها باسم شركة نفط خانقين التي قامت بتطوير الحقل وانشاء مصفى الوند فيه لتقوم بعد ذلك بادارة وتشغيل كافة منشآتهما ومن ثم تسويق منتجاتها النفطية ، عن طريق شركتها الفرعية الرافدين ، التي غطت احتياجات السوق المحلية في المنطقة الشمالية والوسطى من العراق لما يقارب الثلاثين سنة.
فما هو تاريخ تلك الشركة؟ وكيف تم لها الحصول على امتيازها؟ وكيف كانت نهايتها؟
الاراضي المحوّلة
The Transferred Territories
لم يكن هناك حدود معترف بها بين العراق وبلاد فارس قبل قيام الدولة العثمانية الا انه ما ان استولت الدولة العثمانية على العراق الا وبدأت العلاقات تسوء بينها وبين الدولة الفارسية بسبب النزاعات الحدودية التي اخذت حدتها بالازدياد. فقد قامت الدولة الفارسية باحتلال بعض الاراضي العراقية في سنة 1514 فقام السلطان سليم الاول باسترجاعها ليتم عقد اول معاهدة حدودية بين الدولتين في سنة 1520.
لم تخفف تلك المعاهدة من حدة النزاعات المستمرة الى ان تم التوقيع على اتفاقية زهاب بينهما في سنة 1636 بعد ان استطاع السلطان مراد الرابع من استرجاع بغداد التي كانت قد احتلتها الدولة الفارسية.
ومع ذلك فقد تجددت النزاعات المتقطعة بين الدولتين الى ان تم عقد معاهدة ارضروم الاولى في سنة 1823 التي نصت على انهاء تلك النزاعات والتأكيد على التزام كل من الدولتين بشروطها.
وبالرغم من كل ذلك فقد استمرت النزاعات حتى بداية القرن التاسع عشر حين شعرت بريطانيا في تلك الفترة بان النزاعات قد بدأت بتهديد طرقها الملاحية الحيوية في شط العرب واعالي الخليج.
كما ان روسيا في ذلك الوقت بدأت بالتفكير في انشاء طريق يربط حدودها الجنوبية عبر العراق الى الخليج فالتقت مصالحها مع المصالح البريطانية لانهاء النزاعات الحدودية بين الامبراطورية العثمانية والدولة الفارسية فقامت الدولتان بالضغط على كل من الحكومتين العثمانية والفارسية التي تكللت بالنجاح بتوقيع معاهدة ارضروم الثانية في سنة 1848.
وعندما اكتشف النفط في حقل مسجد سليمان في جنوب ايران من قبل شركة دارسي البريطانية (شركة النفط الانكيزية الفارسية لاحقا) في سنة 1908 اصبح موضوع انهاء النزاع على الحدود من الامور الاستراتيجية لبريطانيا لتأمين ايصال المعدات اللازمة لتطوير ذلك الحقل والانابيب اللازمة لمد خط النفط منه الى جزيرة عبادان عن طريق نهر الكارون ومن ثم تطوير جزيرة عبادان لانشاء مصفى ومرفأ فيها.
وقد يكون من الجدير بالذكر ان مدينة المحمرة وجزيرة عبادان كانتا من ضمن امارة الشيخ خزعل في تلك الفترة فقامت بريطانيا في عام 1909 بالتوسط لدى الشيخ لتوقيع اتفاقية مع شركة النفط الانكليزية الفارسية لبيع او ايجار الاراضي الواقعة في امارته للشركة 
لمد خط انبوب النفط وانشاء المصفى والمرفأ في جزيرة عبادان.


مد انبوب النفط من حقل مسجد سليمان الى عبادان - 1910
لم تثمر تلك الفاوضات المطولة بين شركة النفط الانكليزية الفارسية والشيخ خزعل في  التوصل الى اتفاق مرض فوصل الامر الى طريق مسدود. وعندما اصبح التأخير في التوصل الى الاتفاق حرجا قد يؤدي الى تأخير تنفيذ مشاريع الشركة قامت الشركة بالتوسط لدى الحكومة البريطانية ليتم اجبار الشيخ خزعل على التوقيع على الاتفاقية تحت التهديد المكشوف من قبل المقيم البريطاني في المنطقة سير برسي كوكس.
قامت اثر ذلك كل من بريطانيا وروسيا بوضع ضغوط هائلة على كل من الحكومتين الفارسية والعثمانية للتوصل الى حل نهائي لخلافاتهما التي تكللت بالنجاح بتوقيع بروتوكول القسطنطينية في 17 تشرين الثاني 1913 الذي وضعت بموجبه الخرائط التفصيلية للحدود بصورة دقيقة ليتم بموجبها انشاء العلامات الحدودية على الارض بشكل لا يقبل الشك في سنة 1914.
لقد نتج عن بنود ذلك البروتوكول تنازل الدولة الفارسية عن 800 كم مربع في منطقة خانقين الى الدولة العثمانية والتي عرفت فيما بعد بالاراضي المحولة وتنازلت الدولة العثمانية عن بعض الاراضي الواقعة في اعالي الخليج وشط العرب ، من ضمنها المحمرة وعبادان ، الى الدولة الفارسية والتي كانت تحت حكم الشيخ خزعل.


الاراضي المحولة مخططة

وبتوقيع ذلك البروتوكول ، الذي لازالت اثاره قائمة حتى يومنا هذا ، استطاعت بريطانيا من تحقيق اهداف شركة النفط الانكليزية الفارسية الاستراتيجية في تأمين متطلبات مد خط انبوب النفط من حقل مسجد سليمان الى جزيرة عبادان وانشاء مصفى عبادان والمرفأ اللازم فيها لتصدير منتجاته. اضافة الى ذلك فقد استطاعت بريطانيا من تأمين خطوطها الملاحية في شط العرب واعالي الخليج لتستطيع بعد ذلك من الهيمنة على المنطقة باكملها ولتفشل روسيا القيصرية بالتوصل الى اهدافها بصورة ذريعة بعد ان ضاعت جهودها الكبيرة سدى في مساعدة بريطانيا.
في نفس الوقت لم تنسى بريطانيا مصالح شركة النفط الانكليزية الفارسية الاخرى فقامت بتضمين بنود بروتوكول القسطنطينية اعترافا من الدولة العثمانية بان (الاراضي المحولة) اليها بموجبه ستبقى من ضمن امتياز شركة النفط البريطانية الفارسية الموقع مع الدولة الفارسية  سابقا الامر الذي سيكون له اهمية كبرى ، كما سنرى ، بعد اكتشاف النفط في تلك الاراضي.
حقل نفط جيا سرخ 
كان المغامر البريطاني وليام دارسي قد حصل ، بعد جهود كبيرة ، على امتيازه من شاه ايران للتنقيب عن النفط في بلاد فارس في 28 أيار 1901. فقام بالتنقيب والاستكشاف في مناطق خانقين وجيا سرخ (الاراضي المحولة لاحقا) ليقوم بالمباشرة بحفر اول بئر له في تاريخ الشرق الاوسط في منطقة جيا سرخ في تشرين الاول 1902 والذي توقف الحفر فيه في حزيران 1903 بعد حصول مشاكل فنية في عملية الحفر.


بوشر بعد ذلك في حفر البئر الثانية وما ان وصل الحفر الى عمق 250 متر حتى تدفق  النفط بمعدل 600 برميل باليوم لتكون بذلك اول بئر للنفط في الشرق الاوسط . لم يستمر الانتاج من البئر بذلك المعدل كثيرا حيث بدأ بالتذبذب بالرغم من استمرار الحفر الى عمق 430 متر. لم يكن الانتاج كافيا للاغراض التجارية  مما ادى الى التوقف عن الحفر وتحويل برج الحفر والمعدات الى منطقة مسجد سليمان في جنوب بلاد فارس ليتم اكتشاف النفط فيها بكميات تجارية لاول مرة في تاريخ الشرق الاوسط في عام 1908.
حقل النفطخانه
قامت شركة النفط الانكيزية الفارسية بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى وقيام الدولة العراقية في سنة 1922 بتقديم صورة من ملكية امتيازها للتنقيب عن النفط في الاراضي الفارسية وصورة من بروتوكول القسطنطينية مطالبة بموجبهما بحق التنقيب والاستكشاف في الاراضي المحولة المشمولة بامتيازها ذلك.
اعترفت الحكومة العراقية بحق الشركة ذلك وشكلت في 13 ايار 1922 لجنة من السادة وزير المالية ساسون حسقيل ووزير العدلية عبد المحسن السعدون ووزير المواصلات والاشغال صبيح نشأت ووزير التجارة جعفر ابو التمن لدراسة الموضوع وتقديم توصياتها بذلك.
قامت اللجنة بالاتصال بشركة النفط الانكليزية الفارسية فعرضت الشركة اعطاء الحكومة 20% من اسهم الشركة لمدة 39 سنة. كان العرض غامضا مما ادى الى قيام اللجنة باعداد  وتقديم توصياتها الخاصة الى مجلس الوزراء التي اشتملت على المشاركة بالارباح بنسبة 20% وتوفير كميات معقولة من النفط بسعر مخفض للعراق وانشاء شركة جديدة تساهم الحكومة في ادارتها. حضيت التوصية بموافقة مجلس الوزراء وقدمت الى المندوب السامي البريطاني في بغداد للنظر فيها.
حولت التوصية من قبل المندوب السامي الى لندن فقامت وزارة المستعمرات ودائرة النفط هناك بدراستها واقترحت زيادة فترة الامتياز من 39 سنة الى 47 سنة واستبدال الفقرة الخاصة بالارباح بتسعير النفط بثلاث روبيات للطن الواحد وتحديد سعر النفط للسوق العراقية بسعر الكلفة زائدا 10%.
كانت الشركة قد بدأت في وقت مبكر بالاستكشاف والحفر في منطقة خانقين من الاراضي المحولة في شباط 1919 لتعثر على النفط في ايار 1923 حين انفجرت البئر وشب فيها حريق استغرق  حوالي الاسبوع قبل ان تتم السيطرة عليه ليتم تسمية الحقل بعد ذلك بالنفطخانه.
يقع المكمن على عمق 650 متر تحت مستوى الارض ويبلغ طوله حوالي 12 كم وعرضه حوالي 1.5 كم وسمك صخوره النفطية حوالي 76 متر. اما  كثافة نفطه فكانت 42 درجة بمقياس معهد النفط الامريكي. وقد ظهر بان جزء من الحقل يمتد داخل الاراضي الفارسية حيث سمي هناك بحقل نفطشاه.
قامت شركة النفط الانكليزية الفارسية بعد ذلك باعداد الدراسات الاولية للتوصل الى امكانيات الحقل الانتاجية التي انتهت في ايلول 1924 لتوصي بان الحقل ليس كبيرا بالحجم التجاري المطلوب مما سيجعل مد خط انبوب الى البحر لتصدير نفطه غير اقتصاديا.    فاوصت الشركة بدل ذلك بانشاء مصفى محليا لاستغلال نفط الحقل وتسويق منتجاته في الاسواق المحلية العراقية.
شركة نفط خانقين المحدودة
Khaniqin Oil Company   limited (KOC)
في هذه الاثناء كانت قد عقدت مفاوضات مباشرة في ايلول 1923 بين اللجنة الحكومية المؤلفة من وزير الاشغال والمواصلات ياسين الهاشمي و البريطاني وكيل وزارة المالية سليتر وشركة النفط الانكيزية الفارسية لتوقيع اتفاقية امتياز للحقل لتنتهي بعدم التوصل الى اتفاق يرضي الطرفين.
استؤنفت المفاوضات بعد ذلك بين الحكومة والمندوب السامي البريطاني والشركة التي استمرت الى ما بعد تاريخ توقيع الاتفاقية بين الحكومة العراقية وشركة النفط التركية (شركة نفط العراق لاحقا) في اذار 1925 والتي حصلت بموجبها تلك الشركة على امتيازها في شمال العراق.
شكلت الحكومة العراقية بعد ذلك في بداية آب 1925 لجنة تتألف من وزيرالعدلية ناجي السويدي ووكيل وزارة الاتصالات والاشغال صبيح نشأت لدراسة الموضوع وتقديم توصياتها. لم تستغرق اللجنة طويلا للتوصل الى تقديم تقريرها في 25 آب 1925 الذي اوصىت فيه بانشاء شركة جديدة بشروط مشابهة لاتفاقية شركة النفط التركية يكون سعر النفط فيها اربعة شلنات (ذهب) للطن الواحد وتكون مدة الامتياز لغاية 1996 مع توفير منتجات نفطية رخيصة للسوق العراقية. حازت التوصية على موافقة مجلس الوزراء كما حازت على موافقة شركة النفط الانكليزية الفارسية.
كانت شركة النفط الانكليزية الفارسية قد قامت خلال تلك الفترة بتأسيس شركة فرعية لها باسم شركة نفط خانقين التي اعطيت لها ملكية حقل النفطخانه ليتم توقيع الاتفاقية في 30 آب 1925 من قبل صبيح نشأت ممثلا عن الحكومة العراقية وكرينوود ممثلا عن شركة نفط خانقين على ان تتم الموافقة عليها من مجلس النواب.
استؤنفت المفاوضات بعد ذلك لغاية آذار 1926 للتوصل الى سعر للنفط المزود للسوق العراقية عرضت في نهايتها الشركة ان تكون اسعار المنتجات النفطية للسوق العراقية تقل بمقدار 25% عن اسعارها في مدينة سوانزي البريطانية بينما طالبت الحكومة بان يكون التخفيض 35%. استمرت المفاوضات لتنتهي اخيرا بالاتفاق على قبول شركة نفط خانقين ان لا تبيع نفطها بسعر يزيد عن اسعار نفط شركة النفط التركية وان لا تقوم بتصدير نفطها الا بعد توفير احتياجات السوق العراقية.
كما وافقت الشركة على استيراد الكميات الاضافية من المنتجات النفطية التي لا تستطيع توفيرها من المصفى المزمع تشييده في حقل النفطخانه لسد كامل احتياجات السوق العراقية وذلك نيابة عن شركة النفط التركية (شركة نفط العراق لاحقا) التي نصت اتفاقية امتيازها على قيامها بتزويد السوق المحلية باحتياجاته من المنتجات النفطية.   
حصلت موافقة مجلس الوزراء على ذلك فقام بتوقيع الاتفاقية النهائية في 24 أيار 1926 كل من  محمد امين زكي وزير الاتصلات والاشغال عن الحكومة العراقية وجاكس عن شركة نفط خانقين المحدودة ليصادق عليها البرلمان في 13 حزيران ومجلس الاعيان في 14 حزيران 1926.
مصفى الوند
كانت شركة نفط خانقين خلال فترة المفاوضات قد باشرت بانشاء المصفى الذي اطلق عليه اسم الوند ، نسبة الى نهر الوند الذي يمر بالمنطقة ، بطاقة انتاجية قدرها 12,000 برميل باليوم في جوار حقل النفطخانة ليتم لها اكماله والمباشرة بتشغيله في شباط 1927 ليصبح بذلك اول مصفى ينشأ في العراق والمزود الرئيسي للمنتجات النفطية  للاسواق المحلية في المحافظات الشمالية والوسطى حتى عام 1954 عندما تم اكمال وتشغيل مصفى الدورة.


مصفى الوند
شركة نفط الرافدين
قامت شركة نفط خانقين خلال ذلك بانشاء شركة فرعية لها باسم شركة نفط الرافدين التي انيطت بها عملية تسويق كافة منتجات مصفى الوند ليتم بذلك لشركة نفط خانقين السيطرة الكاملة على كافة ما يتعلق بحقل النفطخانه ابتداء من انتاج النفط الى توزيع منتجاته في السوق العراقية. كما اصبحت شركة نفط الرافدين مع مرور الزمن المستورد لبقية احتياجات العراق من المنتجات النفطية من مصفى عبادان المملوك من قبل شركتها الام شركة النفط الانكليزية الفارسية لتصبح بذلك الموزع الوحيد للمنتجات النفطية في كافة انحاء العراق.
 لقد قدر انتاج مصفى الوند في سنة 1932 بما يقل قليلا عن 2,000 برميل باليوم الذي نتج عنه ما يقارب 22.7 مليون غالون في السنة من المنتجات النفطية 55% منها للوقود ، 17% كيروسين (كاز) ، 12% بنزين ، 8% منتجات اخرى و 3% مفقودات.
لقد مثلت نسبة ال 17% من الكيروسين ، الذي كان يستعمل للاضاءة بصورة رئسية مع نسبة قليلة جدا للطهي ، بحوالي 3.9 مليون غالون في السنة. وقد قدر بان تلك الكمية من الكيروسين كانت تغطي احتياجات حوالي 70% من السكان اي 2.5 مليون نسمة من مجموع سكان العراق المقدر تعداده في ذلك الزمان ب 3.5 مليون نسمة لتكون بذلك حصة الفرد الواحد 1.58 غالون من الكيروسين في السنة. ان ذلك الرقم قد يكون اليوم للكثير منا من باب الخيال اذا ما قارناه مع ما يستهلكه الفرد الواحد منا في هذا الزمان. انني لاذكر جيدا استعمالنا الكيروسين للاضاءة خلال الاربعينيات من القرن الماضي حيث كان الكيروسين يحفظ في البيوت في الصفيحة حجم 4 غالونات والتي قد تدوم للاضاءة لاسابيع عديدة . غير ان استهلاك الكيروسين ارتفع بصورة كبيرة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية  بعد ان بوشر باستعماله للطهي بعد انتشار االطباخ النفطي السويدي البسيط المسمى بريمس.   
وقد يكون من المفيد ان نذكر بان احتياجات العراق والشرق الاوسط من المنتجات النفطية حتى عام 1912 ، اي تاريخ انجاز مصفى عبادان ، كانت محتكرة من قبل شركة ستاندرد اويل الامريكية. غير انه ما ان تم انشاء وتشغيل مصفى عبادان حتى قررت شركة النفط الانكليزية الفارسية مالكة المصفى الام ان تسيطر على سوق الشرق الاوسط واخراج شركة ستنادرد منه. فقامت باصدار اوامرها الى كافة وكلاء توزيع منتجات مصفى عبادان بتخفيض اسعار منتجاتها لتكون اقل من اسعار شركة ستاندرد لتخرجها من سوق الشرق الاوسط مهما كلفها ذلك من خسارة. لم تستطع شركة ستاندرد منافسة اسعار شركة النفط الانكليزية الفارسية بسبب غلاء شحن منتجاتها من الولايات المتحدة الى الشرق الاوسط فاضطرت الى الانسحاب من سوق الشرق الاوسط لتعود بعد ذلك شركة النفط البريطانية الفارسية لرفع اسعارها تدريجيا لتحتكر السوق وتفرض الاسعار التي تريدها دون منافسة من احد.
تعديل اتفاقية امتياز شركة نفط خانقين
لقد استمرت شركة نفط الرافدين بالسيطرة على توزيع كافة المنتجات النفطية اللازمة لتغطية كامل احتياجات العراق منها وذلك عن طريق انتاجها من مصفى الوند واستيراد القسم الاخر منها من مصفى عبادان ليتم لها احتكار بيعها في كافة انحاء العراق دون منازع حتى نهاية الاربعينيات من القرن الماضي. الا ان ذلك لم يستمر طويلا بعدما بدأت الحكومة تشعر بان استمرار بقاء احتكار انتاج واستيراد وتوزيع المنتجات النفطية بيد شركة اجنبية ، اضافة الى فقدانها السيطرة الكاملة على الاسعار بصورة مباشرة ، فيه الكثير من المحاذير فقررت مفاتحة شركة نفط خانقين بالموضوع.
جرت بعد ذلك مفاوضات حول الموضوع للتوصل الى صيغة تمكن الحكومة من السيطرة على المصفى واسعار المنتجات النفطية تم في نهايتها الاتفاق على انهاء امتياز شركة نفط خانقين لعام 1926 وتوقيع اتفاقية جديدة في 25 كانون الاول 1951 اشترى العراق بموجبها مصفى الوند وجميع ما يتعلق به من المنشآت  اضافة الى حقوق وموجوات شركة الرافدين لتوزيع المنتجات النفطية ليترك للشركة امتيازها للتنقيب واكتشاف النفط في المنطقة ولكن بمساحة اكبر كما يلي :
1- قيام الحكومة العراقية بشراء كافة منشآت مصفى الوند وكافة ما يتعلق بعمليات التصفية والانتاج والتخزين.
2- قيام الحكومة بشراء كافة منشآت شركة نفط الرافدين لتوزيع المنتجات النفطية في كافة انحاء العراق.
3- قيام شركة نفط خانقين بالاستمرار بتشغيل مصفى الوند وتوزيع منتجاته النفطية في الاسواق المحلية بموجب عقد خدمة بقيمة 150 الف دينار سنويا لمدة عشر سنوات من تاريخ توقيع الاتفاقية
4- تمديد مساحة امتياز الشركة لحقل النفطخانة ليشمل الحقول الواقعة في المنطقة كحقل جيا سرخ وبيكا وبقجه وغيرها على ان تقوم الشركة باكتشاف وتصدير النفط من المنطقة بمعدل مليوني طن من النفط سنويا خلال فترة قدرها سبع سنوات.


 نهاية شركة نفط خانقين
 لم تستطع شركة نفط خانقين اكتشاف حقول نفط منتجة في منطقة امتيازها الجديدة تمكنها من الالتزام بتعهدها بانتاج النفط بمعدل مليوني طن سنويا خلال السبع سنوات المحددة في الاتفاقية مما اضطرها للتنازل ، في الاول من كانون الاول 1958 ، عن امتيازها النفطي وعن عقدي الخدمة لتشغيل مصفى الوند وتوزيع منتجاته النفطية ليتم على اثر ذلك قيام الحكومة باستلام حقل النفطخانه ومصفى الوند ليعهد بادارتهما وتشغيلهما الى مديرية حقول نفط خانقين التي استحدثت لذلك الغرض.
كما تم استحداث مصلحة توزيع المنتجات النفطية الحكومية في الاول من تموز 1959 التي انيطت بها مهام توزيع المنتجات النفطية في كافة انحاء العراق وبذلك تم التخلص من شركة نفط خانقين وشركتها الفرعية ، شركة نفط الرافدين ، ليتم للحكومة اخيرا السيطرة على كافة عمليات انتاج النفط الخام وتصفيته ونقل وتسويق منتجاته بالاسعار التي تراها مناسبة للمواطن العراقي. 
حقن البنزين الفائض في حقل النفطخانه
لقد كانت  المنتجات النفطية لمصفى الوند ، كما رأينا سابقا ، لا تكفي لسد حاجة السوق العراقية الا ان تلك الحالة انعكست بعد انشاء وتشغيل مصفى الدورة في عام 1955. فقد اصبح انتاج البنزين من مصفى الدورة في كثير من الاحيان خلال سنواته الاولى يغطي كافة او معظم احتياجات السوق العراقية مما ادى الى كون كميات البنزين المنتجة من مصفى الوند تزيد عن سد بقية حاجة السوق مما ادى ضرورة اعادة حقن الكميات الفائضة منه في حقل النفطخانه. فقد قدرت كميات البنزين التي حقنت في الحقل خلال الفترة من 1955 الى 1960 بحوالي مليون برميل.
خط انبوب النفطخانه - الدورة
قامت وزارة النفط اثر استلامها حقل النفخانه ومصفى الوند في عام 1958 باعداد دراسة اوصت بموجبها بربطهما بخط انابيب بمصفى الدورة لتوفير المرونة اللازمة لتسهيل نقل المنتجات النفطية بين مصفى الوند ومصفى الدورة اضافة الى نقل النفط الخام من حقل النفطخانه الى مصفى الدورة. حصلت الموافقة على ذلك ليتم على اثرها مد خط الانابيب  بقطر 12 عقدة وطول 220 كم الذي تم انجازه في عام 1963.
لقد اثبت ذلك الخط اهميته في نقل الكميات الفائضة من المنتجات النفطية ما بين المصفيين اضافة الى تزويد مصفى الدورة بكميات النفط الخام الفائض عن طاقة مصفى الوند من بعد ان تم رفع الطاقة الانتاجية لحقل النفطخانة تدريجيا ليصل ، في منتصف العقد السابع من القرن الماضي ، الى ما يقارب 30,000 برميل باليوم.
نهاية مصفى الوند
لقد تم رفع الطاقة الانتاجية لمصفى الوند عبر السنين لتصل الى ما يزيد على 12,000 برميل باليوم في اواسط العقد السابع من القرن الماضي قبل تدميره في المراحل الاولى من الحرب العراقية الايرانية.
لقد كانت الاضرار التي لحقت بالمصفى كبيرة جدا بحيث لم يعد بالامكان اصلاحها  بصورة اقتصادية ليتم على اثرذلك ترك المصفى والاستفادة من المعدات والمواد الصالحة منه كادوات احتياطية في بقية المصافي العراقية الاخرى.
وهكذا اسدل الستار على ذلك المصفى الذي زود العراق بمنتجاته النفطية لفترة تزيد عن الخمسين عاما.
مستقبل حقل النفخانة
لقد اشارت عمليات الحفر في السبعينيات من القرن الماضي بان حقل النفطخانه يمتد لمساحات اكبر مما كان معروفا من قبل ، كما ان عمليات الحفر الى اعماق جديدة قد اكتشفت النفط هناك ، الا ان عمليات الحفر تلك لم يكتب لها الاستمرار لتقييم طاقة الحقل الكاملة بسبب قيام الحرب العراقية الايرانية في عام 1980. ومع ذلك فان كميات النفط القابلة للانتاج من الحقل تقدر بحوالي 300 مليون برميل.   
 ومن يدري لعل القيام باعادة تأهيل ونصب معدات جديدة للانتاج في حقل النفطخانة اضافة الى تشييد مصفى وند جديد هناك سيكون ممكننا بعد ان يعود السلام الى العراق فى القريب العاجل ان شاء الله
واتفورد / ضواحي لندن
كانون الثاني2015  
 المصدر - كتابى  العراق وصناعة النفط والغاز في القرن العشرين الصادر باللغة الانكليزية 
عن دار نشر جامعة نوتنكهام البريطانية في ايار 2012 



واتفورد / ضواحي لندن
كانون الثاني 2015 
 المصدر - كتابى  العراق وصناعة النفط والغاز في القرن العشرين الصادر باللغة الانكليزية عن دار نشر جامعة نوتنكهام البريطانية في ايار 2012.


1 comment:

  1. موضوع جميل ومؤلم في نفس الوقت
    عاشت إيدك

    ReplyDelete