Wednesday, 7 March 2018

ضغوط الحياة والتوتر النفسي



 

ضغوط الحياة والتوتر النفسي

أو الكأس التي نصفها ماء

                                                     بقلم غانم العنّاز  

لقد سمعنا وقرأنا الكثير عن ما يتعرضه الواحد منا من ضغوط نفسية ناتجة عن مشاكل سواءً كانت مهنية او اجتماعية او اقتصادية اوغيرها في حياتنا المعاصرة المعقدة التي ينتج عنها التوتر والضيق والقلق والهم والغم والحزن والأسى والكرب وما الى ذلك من الامور التي تعصر القلوب وتهصر النفوس وتدمع العيون وتثير الشجون وعن النصائح والارشادات الكثيرة التي تدعو للتخفيف من آثارها والتهوين من بلائها سواءً كانت نابعة من معتقدات  دينية او تقاليد اجتماعية او حكم عالمية او وصفات طبية.

وقد قرأت مؤخراً مقالة باللغة الانكليزية وصلتني عبر الانترنت دون ان تذكر اسم كاتبها تنظر الى هذا الموضوع من زاوية اخرى جديرة بالتأمل واليك ترجمة لها بشئٍ من التصرف.

وقف الاستاذ ليلقي محاضرته عن هذا الموضوع وقد رفع بيده كأساً زجاجية ملئت الى نصفها ماء.

وهنا تبادر لأذهان مستمعيه بانه سوف يتكلم عن فلسفة التفاؤل والتشاؤم في الامور الحياتية والنظرية التي تقول ان المتفائل من ينظر الى الكأس بان نصفها ممتلئ والمتشائم من ينظر اليها بان نصفها فارغ مما قد قرأوا وسمعوا عنها الكثير.

 

اما الاستاذ فقد خيّب ظنهم وفاجأهم بدل ذلك بابتسامة عريضة بسؤالهم عن وزن الكأس مع الماء الذي فيها. بهت المستمعون لذلك السؤال الغريب ومع ذلك اجابوا عليه حيث تراوحت اجوبتهم بين 300  و 500 غرام.

وهنا جاء جواب الاستاذ لهم كمفاجأة اخرى حين اخبرهم ان وزن الكأس والماء الحقيقي بالغرامات ليس ذا اهمية كبيرة بالنسبة لموضوع محاضرته عن التوتر والقلق وما الى ذلك بل المهم هو المدة التي سسيستطيع الاستمرار فيها رافعاً الكأس.

ثم اردف قائلاً إن انا بقيت رافعاً الكأس بيدي مدة دقيقة واحدة فلن افكر بالموضوع كثيراً ولن يتسسب لي ذلك باي جهد او تعب يذكر.

اما اذا بقيت رافعاً الكأس لمدة ساعة من الزمن فمما لا شك فيه سوف اشعر بشيء من الضيق والارهاق اضافة الى ألم في ذراعي.

واذا ما بقيت رافعاً الكأس مدة يوم فسيكون ذلك مدعاة للارهاق النفسي الشامل والألم البدني الكامل مما قد يتطلب  إستدعاء سيارة الأسعاف!

ان وزن الكأس الحقيقي وما فيها من ماء كما ترون لم يتغير في الحالات الثلاث اعلاه الا انني سوف اشعر بان الكأس ستزداد ثقلاً بمرور الزمن لما يعادل اضعاف اضعاف وزنها الحقيقي بحيث لن استطيع الاستمرار بحملها بعد ذلك.

ان هذه القاعدة تنطبق على حالات التوتر والضيق والقلق وغيرها من الهموم. فإن نحن استمرينا في حمل مثل هذه الأعباء دون ان نطرحها جانباً لفترة معقولة فسوف تزداد ثقلاً مع مرور الزمن كما هي الحال مع كأس الماء الى ان نصبح عاجزين على حملها تماماً فنصاب بالاعياء والانهيار التام.

لذا فكما علينا ان نضع الكأس على المائدة لفترة معقولة للاستراحة قبل رفعها بسهولة تامة مرة ثانية كذلك الحال مع بقية الاعباء والهموم التي يجب علينا ان نطرحها عن كاهلنا جانباً بين الحين والآخر للاستراحة من ثقلها كي نكون اكثر استعداداً على استئناف حملها بيسر من جديد الى ان نجد الحل المناسب لها والتخلص منها نهائياً.


اذن دعونا ايها السادة ان نحاول طرح كافة اعباءنا وهمومنا جانباً بعد وصولنا الى منازلنا في المساء، او على الاقل في عطلة نهاية الاسبوع، لكي لا نستمر بحملها ليلاً ونهاراً حيث ان ذلك سيجعلنا في وضع احسن بكثير على استئناف حملها من جديد صباح اليوم التالي كما هي الحال مع حمل كأس الماء بعد الاستراحة. اضافة الى ذلك فان التمرين على ذلك سيساعدنا مع مرور الزمن على جعلنا بوضع احسن على تحمل اعباء اثقل من ذلك بكثير في المستقبل.

بهذه الصورة انتهت المقالة.

 البلسم الشافي

ان مما لا شك فيه ان ما جاء في هذه المقالة عن طرح اعبائنا وهمومنا جانبا بين الحين والآخر نصيحة جيدة يجدر الاخذ بها ما استطعنا، غير ان الاستاذ المحاضر لم يخبرنا عن السبل التي تساعدنا على طرحها جانبا بين الحين والآخر حيث ان ذلك ليس بالامر الهين.

وقد يكون من المستحن ان نترك ذلك لعلماء واطباء النفس وغيرهم من الخبراء كي يقدموا لنا نصائحهم وارشاداتهم القيمة بهذا الشأن فقد نشر الكثير من الكتب والمقالات والحكم عن هذا الموضوع عبر العصور ولا زال ينشر الى يومنا هذا واذكر منها كتاب ديل كارنيجي الشهير (دع القلق وابدأ الحياة) الذي نشر باللغة الانكيزية منذ عقود كثيرة وترجم الى اللغة العربية ولغات عديدة اخرى.

لكنه في نظري، كمجرب وليس كخبير، فان دور الاديان والايمان العميق والعقيدة الراسخة تأتي في المقدمة في مساعدتنا على التخفيف من همومنا وطرحها جانباً ان لم نقل التخلص منها نهائياً.

ففي الدين الاسلامي هناك الكثير من الآيات القرآنية الكريمة والاحاديث النبوية الشريفة والادعية المستحبة التي تطمئن القلوب المعصورة ووتهدئ النفوس المهصورة لتزيل الهموم الثقيلة وتزيح الافكار العليلة وتهون من القلق المحير وتخفف من الضيق المدمر فبتلاوتها تشيع الراحة في النفوس الحائرة وتنتعش الآمال الذابلة فتنبعث الثقة بالنفوس وترتسم البسمة على الشفاه لتضفي مسحة، وان كانت يسيرة، من البشر والسعادة على حياتنا وعلى حياة من حولنا من الناس.

إنّ تلاوة آية كريمة من بضع كلمات نابعة من القلب عن ايمان عميق مثل الآيات الكريمة (ألا بذكرِ اللهِ تطمئنُ القلوب) أو (قلْ لن يصيبنا إلا ما كتبَ اللهُ لنا) أو دعائنا لانفسنا أو لغيرنا من الاحبة قد ينتج عنه كل ما ذكر اعلاه من طرح لاعبائنا جانباً، ولو لبعض الوقت، وإشاعة الراحة النفسية والاطمئنان في دقائق ان لم نقل في ثوانٍ معدودات، ولي في ذلك تجربة لخصتها بالابيات التالية من قصيدة لي بعنوان (دعاء)

.....أُفـيـقُ  صبـاحـاً  وكُـلّي  صـفــاءْ.......... وقـلـبـي يَـفـيـضُ  بـأ زكى دعــاءْ

.....فـأعـلــمُ  أنّـي  مَــديــنٌ  لأخــتٍ.......... وقـلـبـي يَـفـيـضُ  بـأ زكى دعــاءْ

.....لـتـدعــو  إلـيّ  بـخـيـرٍ  عَـمـيــمٍ.......... وصَـفــوِ  الـحـيـاةِ  وعِــزّ  الـبـقـاءْ

.....فأحـمـدُ  ربّـي  لـهــذا  الـعـطــاء.......... وأشـكـرُ  أخـتـي  لــذاك  الـوفــاءْ

.....وأ دعـو  لأخـتـي  بـعـمــرٍ  مـديــدٍ.......... وعـيـشٍ  رغـيـدٍ  وحـسـنِ  الـجـزاءْ

أليس ذلك من العجائب التي لم يستطع العلم الحديث، رغم تقدمه الهائل، من اعطاء تفسيرٍ كاملٍ أو مقنعٍ لها؟

غانم العناز

آذار 2014

 

Wednesday, 21 February 2018

ألنفط نعمة لا نقمة ورحمة لا لعنة



  ألنفط نعمة لا نقمة ورحمة لا لعنة

ألنفط لإعمار البلاد وإسعاد العباد أي

بقلم غانم العـنّـاز

منذ سنوات وانا اكتب عن نفط العراق ولم يطرق سمعي من التعليقات الكثيرة على مقالاتي من يدعو الى حمده عز وجل على نعمة النفط العظيمة التي وهبها لنا لننعم بخيراتها التي الوافرة.

بل ان الكثير منهم مع الاسف قد وصموا النفط باللعنة واخرين قد اتهموه بالنقمة والبعض الاخر قد قد خلصوا الى ان  كافة المصائب التي حلت بالعراق واهل العراق سببها النفط المسكين. لا بل قد تفتقت قريحة البعض ليكتب قبل ايام قليلة مقالة بعنوان  (نصدر نفطا ، وندفع كمية مساوية دماء عربية).

ما الفائدة من هذا الكلام الذي لا يسمن ولا يغني من جوع الذي يكيل اللوم الى هذه النعمة العظيمة بدلا من تسديد اللوم الى الذين لم يقدروا فضلها ليصرفوا ويبذروا مواردها الهائلة في الحروب العقيمة والسرقات الذميمة بدلا من اعمار البلاد واسعاد العباد المالكين الحقيقيين لها.

اليس من الاصلح ان تكتب مثل هذه المقالات والتعليقات للدعوة الى استخدام موارد النفط الهائلة لاعمار العراق ومدنه المدمرة واسعاد ابناء شعبه الذي ذاق الامرين خلال عشرات السنين الماضية بدلا من القاء اللوم على النفط؟. اليس ذلك ما ينطبق عليه نكران شكر النعمة ونكران رد الجميل لرب العالمين الذي وهبنا هذه النعمة التي تحلم بها وتتمناها الكثير من دول العالم؟

لقد كتبت قبل عدة سنوات مقالة بعنوان (( الذهب الاسود لاعمار العراق) اقتطف منها بعضا مما يلي:  

     النفط نعمة لا نقمة

لقد انعم الله علينا بثروة الذهب الاسود العظيمة هذه التي لو استطعنا استعمالها بحكمة وتعقل لجعلت من العراق بلداً متطوراً ينعم فيه المواطن بالعيش الكريم والأمن العميم وهذا ليس بالشيء العسير ان تكاتف الجميع في البناء بامانة واخلاص.

غير انه مما يؤسف له ان تلك الثروة الهائلة ذهبت هباءً منثوراً في خوض حروب طويلة عقيمة ليتبعها حصار بغيض خانق ادى الى تدهور الاقتصاد وهبوط قيمة الدينار العراقي الى الحضيض وما رافقه من غلاء فاحش. ثم جاء الغزو المقيت والاحتلال البشع الغادر وما تلى ذلك من هذه الحالة المأسوية التي تشهدها البلاد في ايامنا هذه من عدم الاستقرار واضطراب الامن واستشراء الفساد وغير ذلك من الآفات الكثيرة.

لقد راح ضحية هذا المسلسل الدموي الرهيب الملايين من ابناء شعبنا بين شهيدٍ ويتيمٍ ومعوقٍ ومشردٍ ومهجرٍ او مهاجر، لتنقلب تلك النعمة العظيمة بيد السياسيين الجهلة الى نقمة أليمة اوصلتنا الى ما نحن عليه اليوم من خراب شامل وفقر مدقع وفوضى عارمة وقسوة صارمة تدمى لها القلوب وتدمع لها العيون.

الذهب الاسود ومجلس الاعمار العراقي السابق

اما في منتصف القرن الماضي فقد استعملت هذه الثروة بصورة عقلانية وفعالة خلال الفترة 1951 – 1963 من قبل مجلس الاعمار الشهير المؤلف من عشرة منهم رئيس الوزراء (رئيساً) وعضوية وزير المالية ووزير الاعمار الذي يقوم بالتنسيق بين مجلس الاعمار ومجلس الوزراء في الحكومات المتعاقبة. اما اعضاء المجلس السبعة الدائميين المستقلين فيختارون ممن يشهد لهم بالعلم والنزاهة والاخلاص، معظمهم من خبراء المال والاقتصاد، وذلك بعد ان حصن المجلس ضد التدخل في شؤونه سواء كان ذلك مباشراً أوغير مباشر من قبل كافة الجهات سواء كانت رسمية أو غير رسمية.

أهداف مجلس الاعمار

اما اهم اهداف المجلس فكانت النهوض بالواقع العمراني والاقتصادي والصناعي والزراعي والخدمي في العراق عن طريق وضع خطط متكاملة سواءً كانت قصيرة او طويلة الامد لتنفيذ المشاريع المتعددة بهدف رفع مستوى معيشة الشعب من خلال توفير الخدمات والوظائف وفرص العمل التي ستوفرها تلك المشاريع سواءً خلال فترة تنفيذها أو بعد انجازها.

كان على المجلس ان يقدم تقاريره وخططه ومشاريعه وميزانيته وما الى ذلك من المعلومات اللازمة الى مجلس الوزراء للمصادقة عليها لتقدم بعدها الى البرلمان لموافقته علبها ليقوم المجلس بعد ذلك بتنفيذ تلك المشاريع بحرية كاملة بالطرق المناسبة  التي يراها ليقوم خلال ذلك بتقديم تقاريره الدورية عن تقدم العمل في تلك المشاريع الى مجلس الوزراء لابداء ملاحظاته وتوجياته حول ما جاء فيها.

 مشاريع مجلس الإعمار الرئيسية

حددت ميزانية المجلس بكامل ايرادات النفط في العام 1950 لتخفض الى 70% في السنين اللاحقة. صرف الجزء الاول من تلك الايرادات على مشاريع قطاع الري والزراعة والسيطرة على الفيضانات الموسمية المدمرة التي كانت تغرق العاصمة بغداد والكثير من المدن والقرى وذلك باصلاح الاراضي وشق الترع وبناء السدود التي ما زالت قائمة حتى يومنا هذا كسدي دوكان ودربندخان وسدة سامراء وناظم الثرثار ومنخفض الحبانية وغيرها.



                      سد دوكان                                    سد دربندخان

 صرف الجزء الثاني من تلك المبالغ على قطاع الابنية والمواصلات والخدمات التي شملت مشاريع انشاء المساكن والابنية الحكومية والمستشفيات كمشروع مدينة الطب في بغداد والمدارس والكليات اضافة الى مشاريع الطرق الرئيسية كطريق الحلة/الكوفة/النجف وطريق بغداد/الفلوجة والجسور كجسر الملكة عالية او الجمهورية لاحقاً وجسر الأئمة في بغداد ومنشآت تصفية واسالة المياه ومحطات توليد الطاقة الكهربائية وشبكات نقلها وتوزيعها الى غير ذلك من المشاريع الحيوية.   


 
سدة سامراء وناظم الثرثار

اما الجزء الثالث من تلك الايرادات فقد تم صرفه على القطاع الصناعي الذي شمل انشاء معامل الطابوق والسمنت كمعمل سمنت سرجنار في السليمانية لسد حاجة البلد المتزايدة من المواد الانشائية. كما شمل ذلك انشاء معامل حديثة للنسيج كمعمل النسيج في الموصل ومعملي الحديد والورق في البصرة والاثاث والجلود والاغذية والمشروبات الغازية كمعمل السكر في الموصل ومعمل الالبان في ابي غريب وغيرها لتلبية الطلب المتزايد على تلك السلع والمواد الاساسية من قبل المستهلك العراقي. كما شمل هذا القطاع انشاء مصفى القير في القيارة ومصفى الدورة في بغداد لتلبية الزيادة الكبيرة التي حصلت في استهلاك المنتجات النفطية.

تأميم النفط والإزدهار الاقتصادي

كما يجب ان نذكر تأميم النفط وما رافقه من زيادة كبيرة في الطاقة الانتاجية خلال العقد السابع من القرن الماضي وما رافق ذلك من انفجار اسعاره لينتج عن نعمة النفط  العظيمة تلك ذلك الازدهار الاقتصادي والتقدم الاجتماعي والبهاء الحضاري حيث قضي فيه على الامية وتطورت فيه الخدمات في كافة مرافق الحياة ليزدهر العمران وتشيد البنى التحتية ويصل الاحتياطي العراقي في عام 1980 الى ثلاثين مليار دولار او ما تعادل اضعاف ذلك في وقتنا الحاضر.

اليس ذلك التقدم يدل على ان النفط نعمة عظيمة من نعم الله علينا عندما احسنا استعمالها لاعمار البلاد واسعاد العباد؟ اليس من الواجب علينا ان نحمد الله عز وجل على ذلك بدلا من التجني عليها ونكران جميلها ونتعتها بالصفات الذميمة التي اشرنا اليها اعلاه؟  

نعم لمجلس إعمار جديد

لقد كُتب الكثير عن انجازات واخفاقات مجلس الاعمار السابق غير انه لا بد لكل منصف من الاعتراف بان انجازاته كانت عظيمة ومشاريعه التي ما زالت قائمة حتى اليوم تشهد له بذلك.

 كما ان استقلاليته ونزاهته جديرة بالتقدير والاحترام، فأين تلك النزاهة والاخلاص بالعمل مما نراه اليوم من المشاريع الوهمية التي تذهب فيها الاموال ادراج الرياح دون تنفيذها  أو الفساد المستشري في تنفيد المشاريع الاخرى التي احسنها كما يقال اعرج او كسيح؟

لقد ظهرت خلال النوات القليلة الماضية اصوات من جهات مهنية رصينة وشخصيات وطنية شريفة واقتصادية متمرسة عفيفة وسياسية مستقلة نظيفة وهندسية وفنية  خبيرة تدعو الى انشاء مجلس اعمار مستقل على غرار مجلس الاعمار السابق لاصلاح هذا الخراب الشامل والدمار الكامل الذي يشهده العراق في هذه السنين العجاف.

لذا فاننا نضم صوتنا الى تلك الاصوات الوطنية الشريفة التي تدعو لانشاء مجلس اعمار جديد تخصص له نسبة ثابتة من واردات الذهب الاسود الهائلة للمباشرة بإعمار العراق لرفع المعاناة المزمنة، من بطالة مرتفة وخدمات متدنية وامراض متفشية وفقر مدقع وجهل مخجل وفوضى عارمة وقسوة غاشمة وفساد مستشري وتعصب اعمى وامتهانٍ لكرامة المواطن وسلبٍ لحقوقه وغيرها من مثل هذه الآفات التي تنخر في مجتمعنا.

إننا بذلك نستطيع تحقيق ما يصبو اليه الجميع من استتبابٍ للأمن والاستقرار وتثبيتٍ لدعائم العمران والرخاء في ربوع الوطن العزيز فقد طال الانتظار ونفد الصبر وعزّ الرجاء حتى بلغت القلوب الحناجر.

راجين من الله عز وجل ان يصفي القلوب ويوحد الكلمة ويشيع الإخاء ليجمع الشمل ويعيد المحبة والرخاء والحياة الكريمة الى كافة ابنائنا واهلنا الكرام.

غانم العنّاز

واتفورد من ضواحي لندن

شباط 2018

 

Saturday, 3 February 2018

قـصـيدة الـنهــر كايــد , The River Gade


 
 

قـصـيدة الـنهــر كايــد

لقد نشرت جامعة العمر الثالث قصيدة لي باللغة الانكليزية بعنوان النهر كايد وهو النهر الذي يمر خلال مدينة واتفورد التي اسكن فيها

 
University of the third age

Croxley Green Newsletter

January 2018

Ghanim is one of our Croxley Green members. He writes and publishes poems both in English and Arabic. He also belongs the Watford Park U3A and is a member of their Writing Group which has published some of his poems and wrote attaching one of his published poems for inclusion in the Croxley Newsletter for you to enjoy.

The River Gade

In the scenic park of Cassiobury

Watford, Hertfordshire

By : Ghanim Anaz

 


 

Gentle as the soft breeze

Sparkles like a baby’s tears

He meanders as he moves

With no sound from his hooves.

 

But when he comes to cross the weir

He would jump it like a deer

Clearing it with such an ease

With  music to the ears

 

On his banks the herons wait

Snapping fish without a bait

Flocks of ducks love to float

On his surface with no boat

 

I have seen him when he swells

Furiously ringing his bells

He would gallop with no fear

Warning people come no near

 

I usually sit nearby

Watching the dancing sky

To the tune of a singing bird

One of the best I have heard

September 2016

 

 

Tuesday, 30 January 2018

جامعات العمر الثالث في بريطانيا

 
 
جامعات العمر الثالث في بريطانيا
شعار الجامعات
ليس هناك وقت يتوقف عنده التعليم واكتساب المهارات الجديدة!
فالمُتَعَلِّمون ُيعَلِّمون والمُعَلِمون يَتَعَلّمون
يقابله المثل العربي
اطلبوا العلم من المهد الى اللحد
بقلم غانم العـنـاز
 حركة جامعات العمر الثالث
 
ان حركة العمر الثالث منظمة فريدة وحيوية ، تقوم عن طريق فروعها المسماة (جامعات العمر الثالث) بتوفير الفرص والحوافز اللازمة لتغيير وإغناء نظم الحياة لأعضائها. فهي تقوم باتاحة الفرص لعقد الاجتماعات بين المتقاعدين وشبه المتقاعدين من رجال ونساء للحصول على المعرفة وتبادل الخبرات والمهارات في اجواء ودية ، لا للحصول على الشهادات ، وإنما لمجرد الشعور بلذة الاكتشاف والتعلم فحسب. فليس هناك امتحانات ولا شهادات ولا القاب او مؤهلات فالأعضاء متساوون فلا فرق بين البروفسور والعامل او ربة البيت ومديرة المدرسة فالكل ينتمي الى الفرع الذي يشبع هوايته ورغباته بدون تمييز.
فالأعضاء يتبادلون خبراتهم ومهاراتهم ، فالمُتَعلِمون ُيعَلِّمون والمُعَلِمون يَتَعلمون ، ولا فرق بينهم جميعا.
ان الأمانة الوطنية لحركة العمر الثالث البريطانية هي الممثل لكافة جامعاث العمر الثالث التي يزيد عددها على الف جامعة وعدد أعضائها ما يقارب 400 الف في الوقت الحاضر.
كما انها شركة محدودة وهيئة صدقات مسجلة تقوم بدعم ادارات الجامعات وفروعها في طول البلاد وعرضها بتزويدها بالتدريب والخبرات والمهارت المطلوبة لتطوير اعضائها.
لقد إعتمدت الحركة في ميزانيتها في سنواتها الاولى على تبرعات الاثرياء والشركات وبعض المؤسسات الخيرية كمؤسسة كلبنكيان الخيرية وغيرها اضافة الى نسبة معينة من اشتراكات اعضائها في الجامعات  كافة. أما الآن فقد اصبح لها مواردها الخاصة عن طريق الاعلانات التي تنشر على صفحات مجلتها التي تصدر خمس مرات في السنة وصفحاتها على الانترنت وغيرها اضافة الى التبرعات واشتراكات الاعضاء. 
تاريخ حركة العمر الثالث الوطنية البريطانية
لقد بدأت فكرة حركة العمر الثالث لاول مرة في فرنسا في عام 1972 تحت جامعات العمر الثالث. اما بداية الحركة في بريطانيا فقد كانت في عام 1981 بعدد قليل من الأعضاء وبتبرعات من بعض المؤسسات الخيرية وبعض الاثرياء. ان فكرة الحركة قد بدأت في فرنسا تحت مظلة الجامعات الاكاديمية إلا أن اسس الحركة التي اعتمدت في بريطانيا فقد بنيت على مجموعات من الناس الذين يختارون ما يريدون َتعلُمَهُ بالتعاون فيما بين الاعضاء انفسهم. حيث ان فكرة الإنضواء تحت مظلة الجامعات الاكاديمية استبعدت ليتم الاتفاق على ان تكون الحركة تشتمل على فعاليات اجتماعية وترفيهية اضافة الى التعليمية وعلى ان تكون ادارتها منتخبة من الاعضاء ديمقراطيا.
لقد كان الاشتراك السنوي للعضوية في عام 1983 اربعة باوندات اي حوالي ست دولارات امريكية أما في الوقت الحاضر فيتراوح ما بين 15 – 20 باوند استرليني (حوالي 20 – 28 دولار امريكي) وهو مبلغ زهيد في متناول كافة المتقاعدين في بريطانيا اذا ما قورن بالفوائد الجمة التي يحصلون عليها من علوم وفنون ولغات ومواد ترفيهية او رياضة وغيرها.
شاع اسم الحركة بسرعة لتستطيع الحصول على اعانات مالية تساعدها على التوسع في فعالياتها لتصدر اول مجلة لها في ايلول 1983 لتصبح مع مرور الزمن تصدر خمسة اعداد في السنة الواحدة تعنى بنشر اخبار الحركة وفعاليات الجامعات وفروعها واعضائها.    
استمرت الحركة بالتوسع بصورة مطردة ليبلغ عدد جامعاتها 570 جامعة في عام 2003 وعدد   اعضائها 152,997. وفي التعداد الذي اجري للحركة عام 2001 فقد ظهر بان معدل أعمار الأعضاء بلغ 70.6 سنة وان نسبة عدد الاعضاء من النساء كانت 74% اي ما يقارب ثلاث اضعاف الرجال.
 ومع ازدياد الطلب على انشاء جامعات جديدة فقد وصل عددها في عام 2008 الى 716 وعدد اعضائها 229 الف. وقد تم الاحتفال في بداية سنة 2017 بافتتاح الجامعة رقم الف التي بلغ عدد مجموع اعضاء تلك الجامعت ما يقارب 400 الف عضوا.
 جامعات العمر الثالث
ان كل جامعة من هذه الجامعات تدار من قبل المتطوعين من اعضائها بصورة كاملة.حيث يمكن اعتبار كل جامعة من جامعات العمر الثالث كأي نادي من النوادي فله ادارة منتخبة من اعضاء الجامعة نفسها بصورة ديمقراطية تشرف على فعاليات الجامعة وقد تختلف جامعة عن اخرى بالفعاليات التي يقترحها الأعضاء  في فروعها.
اما اسم كل جامعة فيتكون من اسم المدينة او القرية + اسم المحلة او الحي وبذلك يكون اسم كل جامعة كما يلي ، (جامعة العمر الثالث + اسم المدينة + الحي).
ولنأخذ على سبيل المثال العراق الذي نأمل ان تطبق في جميع انحائه هذه الحركة. فيكون اسم الحركة
 ( الحركة الوطنية العراقية للعمر الثالث)  ومركزها بغداد.
ولنأخذ الموصل كمثل للجامعات ولنفترض ان فيها عشر جامعات باسم محلة من محلاتها او حي من احيائها فيكون هناك على سبيل المثال
جامعة الموصل للعمر الثالث لحي الثقافة وجامعة الموصل للعمر الثالث لحي النور ولحي الزهور. وجامعة الموصل للعمر الثالث لمحلة الشفاء ولمحلة النبي يونس ولمحلة رأس الجادة ولمحلة الجامع النوري ولمحلة المشاهدة ولمحلة رأس الكور ولمحلة السرجخانة  وهكذا.
تقوم كل جامعة بانتخاب هيئة ادارية لها من بين اعضائها لمدة سنتين ويسمح باعادة ترشيح اي من اعضاء الهيئة السابقة او تمديد فترة الهيئة الادارية السابقة لدورة ثانية.
تقوم كل جامعة بتحويل نسبة معينة من اشتراكات اعضائها الى مركز الحركة في بغداد لتمكينها من القيام بواجباتها.
 
فروع فعاليات الجامعة
 
ان كل جامعة من هذه الجامعات تدار من قبل المتطوعين من اعضائها بصورة كاملة. حيث يمكن اعتبار كل جامعة من جامعات العمر الثالث كأي نادي من النوادي فله ادارة منتخبة من اعضاء الجامعة نفسها بصورة ديمقراطية تشرف على فروع فعاليات الجامعة وقد تختلف جامعة عن اخرى بالفعاليات التي يقترحها اعضاء فروعها. وقد تضاف فعاليات جديدة ان توفرالعدد اللازم من الأعضاء أو الغاء فرع اخر لعدم توفر العدد اللازم من الاعضاء. فقد يكون هناك على سبيل المثال فرع لفعالية الكتابة واخر للموسيقى وثالث للبستنة ورابع للفلسفة وخامس لكرة المنضدة وسابع لتعلم لغة من اللغات وهكذ تماما كفروع اي جامعة اخرى.  ويتراوح عدد اعضاء مثل هذه الجامعات من عدد قليل لا يتجاوز المائة عضو في الجامعات الحديثة ليصل الى 400 او اكثر في الجامعات القديمة.
 
 يشكل كل فرع لفعالية معينة (كفروع الجامعات الاكاديمية) من قبل اعضاء الفرع انفسهم الذين يعتمدون على المعارف والخبرات والمهارات التي يمتلكها اعضاؤه. فالمتعلمون يعلمون والمعلمون يتعلمون. هذا ويقدر عدد فروع فعاليات الحامعة الواحدة على ما يزيد على 30 فرعا في حقول الفنون واللغات، والأداب والموسيقى والتاريخ وعلوم الحياة والفلسفة والحاسبات والفنون اليدوية والتصوير والبستنة والمشي والرياضة ومناقشة احداث الساعة اضافة الى اعداد السفرات السياحية والتعليمية سواء كان ذلك داخل البلد نفسه او غيره من البلدان الأخرى وغيرها من الفعاليات بحسب رغبات اعضاء الفروع. هذا وارفق جدول لاحدى الجامعتين اللتين انتسب اليهما شخصيا واحدى الفعاليات التي انتمي اليها هي (الكتابة والشعر) الذي يشمل القصة القصيرة والشعر والمقالات الادبية وغيرها. وقد نشر بعض قصائدي على صفحة الكتابة لاحدى الجامعتين التي يمكن قرأتهما على الرابط التالي :
 
اما عدد اعضاء كل فرع من هذه الفعاليات فلا يزيد عن 15 عضوا لضيق الاماكن المتاحة لهم للاجتماعات التى عادة ما تكون قاعات في البنايات العامة التي تعود للبلديات أو في المدارس او الكنائس او بيوت الاعضاء انفسهم. اوقد يزيد العدد كثيرا عن ذلك في الفروع التي تنشط في الهواء الطلق كالمشي والهرولة والبستنة والسفرات وغيرها. علما بانه يحق للعضو الاشتراك في اكثر من فعالية من هذه الفعاليات فقد ينتمي الى فعالية الكتابة ووكرة المنضدة والبستنة والتطريز وهكذا.
أما في العراق فنأمل ان توفر مثل هذه الاماكن في بعض مرافق البلديات والنوادي والجوامع او المدارس وغيرها.
وفي الختام نأمل ان تنتشر هذه الفكرة الرائعة في كافة البلاد العربية لتقدم لكبار السن والمتقاعدين اماكن يتبادلون فيها الاحاديث والتمارين الرياضية البسيطة او في اكتساب خبرات ومهارات جديدة كالبستنة وكتابة المقالات او القصائد او تعلم  لغة من اللغات او القراءة والكتابة لمن لا يحسنها وللنساء دروس في الخياطة والحياكة والتطريز والازياء غير ذلك من المواضيع التي يصعب حصرها.
الخلاصة
إن هذه الفكرة الانسانية النبيلة تقدم لكبار السن خدمات جليلة باشتراكات اسمية سنوية سهلة لا ترهق المتقاعدين من ذوي الدخل المحدود. فالعلم هنا للجميع من كل عضو حسب مقدرته لكافة الاعضاء فالمُعلمون يَتَعلمون المُتَعلمون يُعَلمون كل في مجال اختصاصه او خبرته وكل ذلك في اجواء وديّة تخفف من همومهم وتنشئ صداقات جديدة بينهم لتخفف من وحدتهم.
انها في بعض فعالياتها تقارن بالمقاهي الشعبية المنتشرة حاليا في بلادنا التي كثيرا ما تناقش فيها احداث الساعة اضافة الى بعض الالعاب كالطاولة والدومينا والشطرنج.
فالعمر الاول للطفولة والدراسة
والعمر الثاني للعمل وتنشئة الاولاد
والعمر الثالث للتعلم والهوايات والترفيهة والسفرات وغيرها من متع الحياة
هذا ونرفق جدولين بفعاليات الجامعتين اللتين انتمي اليهما في مدينتي واتفورد لتعطي فكرة عن جيدة للقراء.
والله الموفق
غانم العـنّـاز
واتفود من ضواحي لندن
كانون الثاني 2018


 
 
 
 
 
 



 


Wednesday, 24 January 2018

هـمسات أندلسية

 
 
هـمسات أندلسية




لقد كانت زيارة الأندلس من امنياتى منذ سمعت عنها ونحن في المدرسة الأبتدائية. وقد زاد اشتياقي لها عبر السنين لكثرة ما قرأت عنها وعن الحضارة الأسلامية الرائعة هناك والتى كانت من أهم الروافد التي ساهمت في النهضة الأوربية الحديثة.ـ
 
ولم تسنح لي الفرصة لزياتها الا في العام 2009 بعد ان جاوزت السبعين من عمري. لذلك فقد كانت زيارتي لها ليست ممتعة بقدر ما كانت مدهشة حقا لطول اشتياقي للأندلس ومعرفتي بأدبائها وشعرائها وعلمائها وفلاسفتها إضافة الى فنونها كفن العمارة الذي لا زال يدهش السياح من جميع أنحاء المعمورة حتى يومنا هذا.ـ

إشـبـيـلـيـه

فما أن اقترابنا من إشبيلية ولاحت لنا منارتها الشاهقة من بعيد  حتى انتابني شعور بالفخر والإشتياق لها وكأنني أعرفها منذ زمن بعيد. فبدأت أتلهف لزيارتها وما هي إلا سويعات حتى وجدت نفسي واقفا بقربها بين المئات من السائحين من جميع الأجناس. لم يكن شعوي كأي سائح عادي بل شعرت بقرب ودفء وفرح هز كياني وكأنني ألاقي صديقا عزيزاَ بعد غياب طويل. فهرعت أسعى إلى بوابتها لأدلج في جوفها لأبدأ صعود ذلك الطريق اللولبي الذي كان يصعده ذلك المؤذن منذ ما يقارب الألف ومائتي عام والذي يحتاج إلى لياقة بدنية جيدة لارتفعها الشاهق. ويقال بإن الخليفة كان يصعد الى سطحها ممتطيا جواده وأن قسما من المؤذنين الذين بلغوا سن الشيخوخة أخذوا يصعدون الى سطحها على ظهور الحمير.ـ 

ما أن وصلت إلى سطحها ونظرت إلى ما حولها من الطرقات إلا وتخيلت ذلك المؤذن يرفع صوته بالأذان ورأيت جموع المصلين يملأون تلك الطرقات التي حولها سعيا لأداء الصلاة. إنتابني عندها شعور جميل هز كياني وكأنني أنا ذلك المؤذن وتلك الجموع حقيقة لا خيال ورحت في شبه غيبوبة عن من حولي من عشرات السياح وضجيجهم المعتاد.



منارة اشبيليه





لقد هدموا جامعها العظيم  وبنوا على ارضه كثيدرائية فخمة الا انهم لم يمسوا المنارة بسوء بل جعلوها برجا  للكثيدرائية وذلك بتعليق الاجراس في قمتها. ولكن هيهات ان يقلل ذلك من مكانتها الرائعة فقد طغت على الكثيدرائية بهيبتها بدلا من ان تكورن برجا لها.
بقيت على سطحها ما شاء الله لي أن ابقى أفحص آجرها وزخارفها ومتانة بنيانها قبل أن أنزل لأودعها كما يودع الأخ أختا عزيزة عليه.ـ

قـرطــبــه

وعندما وصلنا إلى قرطبة وجدت نفسي مسرعا في اتجاه جامعها الذي يعتبر تحفة معمارية تأخذ بالأبصار. دخلته لأجد نفسي مذهولا كأنني في غابة من الأعمدة التي تخيلتها كأشجار النخيل والتي يقال بأن عددها كان ما يقارب 1293 عمودا تحمل فوقها أقاسا خيلت إلي كأمواج البحر الصاخب.ـ

ـوما أن أفقت من ذهولي حتى جلب انتباهي ذلك المحراب الرخامي العظيم والبديع في آياته القرآنية الجميلة والذي خيل إلي كشيخ جليل ذي هيبة ووقار. تخيلته يرنو إلي  وكأنه يدعوني فوجدت نفسي أسعى نحوه بلهفة واشتياق وكأن بيني وبينه صلة قرابة حميمة أو كأننا  كنا على موعد طال انتظاره. فسلمت على ذلك الشيخ الوقور وشعرت بمودة عظيمة له حيث خيل الي وكأنه أحد أجدادي منذ زمن بعيد. لقد كنت أعرف بأنه قد عاصر وعرف جميع خلفاء وعلماء وأدباء قرطبة  وعلم أخبارهم وأسرارهم عن قرب والذين لم أعرفتهم أنا إلا عن بعد. فطلبت منه أن يروي لي ما شاهده منهم وما عرفه عنهم ورحت  في شبه غيبوبة أصغي اليه وهو يحكي لي عن أخبارهم وقصصهم.

تخيلته يحكي لي عن ابن زيدون الذي قد أقاموا له في عصرنا هذا تمثالا بالقرب من الجامع وعن هيامه بوَلّادة بنت الخليفة المستكفي بعد أن فرق بينهما الوشاة والتي قال فيها أرق قصائده الغزلية التي في طليعتها قصيدته الرقيقة ذات الديباجة الرائعة التي تسيل شوقا وهياما والتي أدرج أدناه بعضا من أبياتها المختارة:ـ

ــــــــ أضحى التنائي بديلا  من تدانينا       و ناب  عن طيب  لقيانا  تجافينـــا
ــــــــ إنّ    الزمان   الذي  ما  زال        أنساً   بقربهمُ   قد  عاد    يبكينـا
ــــــــ غيظ العدا من  تساقينا  الهوى        فدعوا بأن نغصّ فقال الدهر آمينـا
ــــــــ بنتم  وبنّا  فما ابتلت  جوانحنا       شوقاً   إليكم   ولا   جفّت   مآقينا

وتخيلته يروي لي قصة الخليفة وأظنه المعتمد بن عباد الذي كان شاعرا كذلك والذي كان ابن زيدون قد مدحه وكان ذا حظوة عنده لتجري بينهما مطارحات شعرية كثيرة. يقول  كان المعتمد في نزهة مع حاشيته فرأى ما نسجته الريح على سطح الماء فارتجل ما شطر بيته المشهور:ـ

ـــــــــــــــــــــــــ             نسج  الريحُ على الماء زردْ

وطلب من حاشيته ان يكملوا الشطر الثاني فلم يأتوا بشئ يستحق الذكر وإذا بأحدى الجواري تكمله بقولها:ـ

ـ ــــــــــــــــــــــــــــــــ أيُّ  درع  لقتالٍ  لو  جمدْ

وبقيت أصغي اليه مستمراً بأحاديثه عن حلقات العلم التي كانت تقام أمام عينيه ويحظرها كبار العلماء والفلاسفة والأدباء عبر القرون وعن العصر الذهبي لقرطبة ووقصورها وحدائقها الغناء ونهرها الخالد لينهي حديثه بأسى وحزن عن إنحطاطها وأخيراً عن سقوطها. وكان قد حان وقت الرحيل فدعوت له بالخير وكان الوداع حاراً وخيل لي بأن عيون شيخي كانت كعيوني مغرورقات بالدموع.ـ
ذهبت بعدها الى الوادي الكبير نهر قرطبة الذي خلدته قصائد الشعراء والذي لا زال يعرف بذلك الأسم الى يومنا هذا فيدعونه اليوم (كوادي الكبير)ويكتبونها كلمة واحدة. وقفت على جسره أجول بنظري في واديه وضفافه فخيل لي أني أرى ابن زيدون في نزهة مفترشاً الزهور مع أصحابه يصدح بقصيدته (قرطبة الغراء) والتي منها هذه الأبيات:ـ

ــــــــــــــــــــــــــــ سقى الغيث أطلال الأحبة  بالحمى
ــــــــــــــــــــــــــــ وحاك  عليها ثوب وشيٍ   منمنما
ـــــــــــــــــــــــــــــوأطلعَ    فيها   للأزاهيرِ   أنجماً
ـــــــــــــــــــــــــــــفكم  رفلت  فيها الخرائد  كالـدمى
ـــــــــــــــــــــــــــ إذ العيشُ غضٌّ  والزمان  غـــلامُ

وعدت أصغي من جديد لأسمع ذلك الجمع يصدح بغناءٍعذبٍ إرق من الصبا مردداً ذاك الموشح الجميل الذي منه:ـ
ـــــــــــــــــــــــــــــ  يا  غصن  نقا   مكللّلا   بالذهـبِ
ــــــــــــــــــــــــــــــ أفديك   من  الردى   بأمي  وأبي
ــــــــــــــــــــــــــــــ إن كنتُ قد أسأتُ في هواكم أدبـي
ــــــــــــــــــــــــــــــ فالعصمةُ لا   تكون   إلا   لنبــي

وما أن انتهى ذلك الغناء العذب حتى خيل لي أني أسمع أحدهم يدعو الساقي ويشتكي الظمأ ليبدأ إثر ذلك الجمع بالغناء من جديد بذلك الموشح البديع:ـ

ـ     أيها الساقي إليك المشتكى    قد دعوناك وإن لم تسمعِ

ـ                    ونديمٍ  همتُ  في   غرّتهِ
ـ                    وبشرب الـراح من راحتهِ
ـ                    كلما استيقظ  من  سكرتهِ
ـ         جذب الزق إليهِ واتّكا    وسقاني أربعاً في أربعِ


ـ                    ما لعيني عشيت بالنظــــرِ
ـ                    أنكرت بعدك ضؤء القمــرِ
ـ                   وإذا ما شئت فاسمع خبري

ـــــــ غشيت عيناي من طول البكا    وبكى بعضي على بعضي معي

 

وفي لحظة من اللحظات خلال ذلك الغناء خيل إلي أن زرياب ذلك العبقري الذي أطرب بغداد بعوده وغنائه كان بينهم منكبا يعزف على عوده الجديد الذي أضاف إليه وتراً سادساً.ـ
أفقت بعد ذلك من حلمي الجميل لأودع ذلك الجمع الطروب لأتجول في طرقات قرطبة العتيقة قبل أن أودعها وقلبي مفعم بالفخر والحزن في آن واحد مردداً موشح لسان الدين الخطيب الجميل الذي يقول

فيه :-

ـ جادك  الغيث  إذا  الغيث هما     يا زمان الوصل في الأندلـسِ
ـ لم   يكن  وصلكَ   ألا  حلما     في الكرى أو خلسة المختلسِ


إلى آخر ذلك الموشح الجميل والطويل.ـ


غانم الـعـنّـاز

 كانون الثاني  2018