ضغوط الحياة والتوتر النفسي
أو الكأس التي نصفها ماء
بقلم غانم العنّاز
لقد سمعنا وقرأنا الكثير عن ما يتعرضه الواحد منا من ضغوط نفسية ناتجة
عن مشاكل سواءً كانت مهنية او اجتماعية او اقتصادية اوغيرها في حياتنا المعاصرة
المعقدة التي ينتج عنها التوتر والضيق والقلق والهم والغم والحزن والأسى والكرب
وما الى ذلك من الامور التي تعصر القلوب وتهصر النفوس وتدمع العيون وتثير الشجون
وعن النصائح والارشادات الكثيرة التي تدعو للتخفيف من آثارها والتهوين من بلائها
سواءً كانت نابعة من معتقدات دينية او
تقاليد اجتماعية او حكم عالمية او وصفات طبية.
وقد قرأت مؤخراً مقالة باللغة الانكليزية وصلتني عبر الانترنت دون ان
تذكر اسم كاتبها تنظر الى هذا الموضوع من زاوية اخرى جديرة بالتأمل واليك ترجمة
لها بشئٍ من التصرف.
وقف الاستاذ ليلقي محاضرته عن هذا الموضوع وقد رفع بيده كأساً زجاجية
ملئت الى نصفها ماء.
وهنا تبادر لأذهان مستمعيه بانه سوف يتكلم عن فلسفة التفاؤل والتشاؤم
في الامور الحياتية والنظرية التي تقول ان المتفائل من ينظر الى الكأس بان نصفها
ممتلئ والمتشائم من ينظر اليها بان نصفها فارغ مما قد قرأوا وسمعوا عنها الكثير.
اما الاستاذ فقد خيّب ظنهم وفاجأهم بدل ذلك بابتسامة عريضة بسؤالهم عن
وزن الكأس مع الماء الذي فيها. بهت المستمعون لذلك السؤال الغريب ومع ذلك اجابوا
عليه حيث تراوحت اجوبتهم بين 300 و 500
غرام.
وهنا جاء جواب الاستاذ لهم كمفاجأة اخرى حين اخبرهم ان وزن الكأس
والماء الحقيقي بالغرامات ليس ذا اهمية كبيرة بالنسبة لموضوع محاضرته عن التوتر
والقلق وما الى ذلك بل المهم هو المدة التي سيبقى رافعاً الكأس فيها.
ثم اردف قائلاً إن انا بقيت رافعاً الكأس بيدي مدة دقيقة واحدة فلن
افكر بالموضوع كثيراً ولن يتسسب لي ذلك باي جهد او تعب يذكر.
اما اذا بقيت رافعاً الكأس لمدة ساعة من الزمن فمما لا شك فيه سوف
اشعر بشيء من الضيق والارهاق اضافة الى ألم في ذراعي.
واذا ما بقيت رافعاً الكأس مدة يوم فسيكون ذلك مدعاة للارهاق النفسي
الشامل والألم البدني الكامل مما قد يتطلب
إستدعاء سيارة الأسعاف!
ان وزن الكأس الحقيقي وما فيها من ماء كما ترون لم يتغير في الحالات
الثلاث اعلاه الا انني سوف اشعر بان الكأس تزداد ثقلاً بمرور الزمن لما يعادل
اضعاف اضعاف وزنها الحقيقي بحيث لن استطيع الاستمرار بحملها بعد ذلك.
ان هذه القاعدة تنطبق على حالات التوتر والضيق والقلق وغيرها من
الهموم. فإن نحن استمرينا في حمل مثل هذه الأعباء دون ان نطرحها جانباً لفترة
معقولة فسوف تزداد ثقلاً مع مرور الزمن كما هي الحال مع كأس الماء الى ان نصبح
عاجزين على حملها تماماً فنصاب بالاعياء والانهيار التام.
اذن دعونا ايها السادة ان نحاول طرح كافة اعباءنا وهمومنا جانباً بعد
وصولنا الى منازلنا في المساء، او على الاقل في عطلة نهاية الاسبوع، لكي لا نستمر
بحملها ليلاً ونهاراً حيث ان ذلك سيجعلنا في وضع احسن بكثير على استئناف حملها من
جديد صباح اليوم التالي كما هي الحال مع حمل كأس الماء بعد الاستراحة. اضافة الى
ذلك فان التمرين على ذلك سيساعدنا مع مرور الزمن على جعلنا بوضع احسن على تحمل
اعباء اثقل من ذلك بكثير في المستقبل.
بهذه الصورة انتهت المقالة.
البلسم الشافي
ان مما لا شك فيه ان ما جاء في هذه المقالة عن طرح اعبائنا وهمومنا
جانبا بين الحين والآخر نصيحة جيدة يجدر الاخذ بها ما استطعنا، غير ان الاستاذ
المحاضر لم يخبرنا عن السبل التي تساعدنا على طرحها جانبا بين الحين والآخر حيث ان
ذلك ليس بالامر الهين.
وقد يكون من المستحن ان نترك ذلك لعلماء واطباء النفس وغيرهم من
الخبراء كي يقدموا لنا نصائحهم وارشاداتهم القيمة بهذا الشأن فقد نشر الكثير من
الكتب والمقالات والحكم عن هذا الموضوع عبر العصور ولا زال ينشر الى يومنا هذا
واذكر منها كتاب ديل كارنيجي الشهير (دع القلق وابدأ الحياة) الذي نشر باللغة
الانكيزية منذ عقود كثيرة وترجم الى اللغة العربية ولغات عديدة اخرى.
لكنه في نظري، كمجرب وليس كخبير، فان دور الاديان والايمان العميق
والعقيدة الراسخة تأتي في المقدمة في مساعدتنا على التخفيف من همومنا وطرحها
جانباً ان لم نقل التخلص منها نهائياً.
ففي الدين الاسلامي هناك الكثير من الآيات القرآنية الكريمة والاحاديث
النبوية الشريفة والادعية المستحبة التي تطمئن القلوب المعصورة ووتهدئ النفوس
المهصورة لتزيل الهموم الثقيلة وتزيح الافكار العليلة وتهون من القلق المحير وتخفف
من الضيق المدمر فبتلاوتها تشيع الراحة في النفوس الحائرة وتنتعش الآمال الذابلة
فتنبعث الثقة بالنفوس وترتسم البسمة على الشفاه لتضفي مسحة، وان كانت يسيرة، من
البشر والسعادة على حياتنا وعلى حياة من حولنا من الناس.
إنّ تلاوة آية كريمة من بضع كلمات نابعة من القلب عن ايمان عميق مثل
(ألا بذكرِ اللهِ تطمئنُ القلوب) أو (قلْ لن يصيبنا إلا ما كتبَ اللهُ لنا) أو
دعاءنا لانفسنا أو لغيرنا من الاحبة قد ينتج عنه كل ما ذكر اعلاه من طرح لاعبائنا
جانباً، ولو لبعض الوقت، وإشاعة الراحة النفسية والاطمئنان في دقائق ان لم نقل في
ثوانٍ معدودات، ولي في ذلك تجربة لخصتها بالابيات التالية من قصيدة لي بعنوان
(دعاء)
وقـلـبـي
يَـفـيـضُ بـأ زكى دعــاءْ
|
أُفـيـقُ صبـاحـاً
وكُـلّي صـفــاءْ
|
|
تـقـومُ
الـلـيـالي تُـطـيـلُ الرجـاءْ
|
فـأعـلــمُ
أنّـي مَــديــنٌ لأخــتٍ
|
|
وصَـفــوِ
الـحـيـاةِ وعِــزّ الـبـقـاءْ
|
لـتـدعــو
إلـيّ بـخـيـرٍ عَـمـيــمٍ
|
|
وأشـكـرُ
أخـتـي لــذاك الـوفــاءْ
|
فأحـمـدُ
ربّـي لـهــذا الـعـطــاء
|
|
وعـيـشٍ
رغـيـدٍ وحـسـنِ الـجـزاءْ
|
وأ دعـو
لأخـتـي بـعـمــرٍ مـديــدٍ
|
أليس ذلك من العجائب التي لم يستطع العلم الحديث، رغم تقدمه الهائل،
من اعطاء تفسيرٍ كاملٍ أو مقنعٍ لها؟
غانم العناز
آذار 2014
Comments
معن الغلامي
21/03/2014 8:53am
لاشك ان ديننا الحنيف وتعاليم رسولنا الاكرم صلى الله
عليه وسلم هي البلسم الشافي للقلوب وفيها راحة النفوس ذاك انها منهاج رباني اراده
خالق الكون لهذا الانسان ليسير على ضوءهديه ووفق تعاليمه واذا كان من المسلم ان
خالق الكون ومبدعه هو الحق تبارك وتعالى فان ما يريده لمن خلقهم وما يضعه لهم من
محددات وضوابط تضبط سلوكهم وتهذب مسارهم هو الانجع والاصلح والافضل فان من يصنع
شيئا هو الاعلم باسراره وما يحويه من امكانيات ولله المثل الاعلى فاذا ما تماشى
هذا الانسان مع ما اراده له خالقه فسيعيش حياة وادعة هانئه لاتشوبها شوائب القلق
والتوتر وهذا هو ما تفضلتم استاذي الكريم بذكره من احساس سليم صادق عند تلك الحظات
الصافيه النقيه بوركت استاذنا الكريم وشكرا جزيلا
Reply
23/03/2014 3:52pm
شكراً لك عزيزي الاستاذ المهندس معن الغلامي، وبارك الله
فيك على تعليقك القيم والفائض بالمعاني السامية الذي اعطى بعداً اضافياً لما جاء
في المقال وبما يشعر به المؤمن من راحة نفسية واطمئنان عندما يلجأ الى خالقه عز
وجل
مع اطيب تمنياتي لك بحياة وادعة هانئة لا تشوبها شائبة
مع اطيب تمنياتي لك بحياة وادعة هانئة لا تشوبها شائبة
معد الجبوري
21/03/2014 3:32pm
عزيزي الشاعر والخبير في شؤون النفط الأستاذ غانم العناز
ما نشرته عن ضغوط الحياة والتوتر النفسي كان مقالة جميلة خاصة الجزء المترجم منها بتصرف، فقد كان مشوقا .. أما ما طرحته عن البلسم الشافي من تراكم الهموم وضغوط الحياة ورأيك بأن في مقدمة ذلك كله دور الاديان والايمان العميق والعقيدة الراسخة ، فهو كما أرى عين الصواب فلا يُطمئِن الإنسان ويزيح همومه مثل التصاقه بالإيمان والعودة إلى الدين ما استطاع
أحييك أخي الأستاذ العناز على هذه المقالة الجميلة التي تخفف هي أيضا من الضيق والضنى .. معد الجبوري
ما نشرته عن ضغوط الحياة والتوتر النفسي كان مقالة جميلة خاصة الجزء المترجم منها بتصرف، فقد كان مشوقا .. أما ما طرحته عن البلسم الشافي من تراكم الهموم وضغوط الحياة ورأيك بأن في مقدمة ذلك كله دور الاديان والايمان العميق والعقيدة الراسخة ، فهو كما أرى عين الصواب فلا يُطمئِن الإنسان ويزيح همومه مثل التصاقه بالإيمان والعودة إلى الدين ما استطاع
أحييك أخي الأستاذ العناز على هذه المقالة الجميلة التي تخفف هي أيضا من الضيق والضنى .. معد الجبوري
Reply
23/03/2014 3:55pm
لقد زانت وعمقت كلماتك الصافية، عزيزي الشاعر الخلاق
وصوت الحق الهادر معد الجبوري، ما جاء في مقالتي المتواضعة التي ارجو ان تكون قد
ساهمت بالتخفيف، ولو بشئ يسير، عما يعانيه البعض منا في هذه الايام التي طغت فيها
الحياة المادية على القيم النبيلة والاخلاق الكريمة
احييك اخي الشاعر المبدع وابن الموصل الاصيل، معد الجبوري، واشكر لك جهودك الخيرة بنشر الكلمة الطيبة وادعو من الله ان يديمك نبراساً ينير طريق الحق للاجيال القادمة
مع اطيب تمنياتي لك بالصحة الوافرة والحياة السعيدة ...........غانم العناز
احييك اخي الشاعر المبدع وابن الموصل الاصيل، معد الجبوري، واشكر لك جهودك الخيرة بنشر الكلمة الطيبة وادعو من الله ان يديمك نبراساً ينير طريق الحق للاجيال القادمة
مع اطيب تمنياتي لك بالصحة الوافرة والحياة السعيدة ...........غانم العناز
صبحي صبري
21/03/2014 4:42pm
مَنْ منا لا يعيش في هذه الايام بتوتر نفسي حاد ..؟
عزيزي الشاعر والخبير بشؤون الذهب الاسود الاستاذ غانم العناز ، أنا عندما اشعر
اني في حالة نفسية قلقة ومتوترة و الاسى يغلفني ما علي الا الذهاب الى مقبرة
عائلتي لقراءة سورة الفاتحة ترحماً على ارواح امي وابي واخوتي وسائر المسلمين كافة
وبعدها اتجول بين الازقة القديمة لمدينتنا الموصل الحبيبة ..لاغتسل مما اعانيه من
توتر وقلق نفسي ، شكرا جزيلا لهذه المقالة العلمية ..دمت سالماً و ندعوا الله ان
يبعدك عن الهم والغم والحزن والاسى والتوتر النفسي ..حفظك الله ورعاك
Reply
23/03/2014 3:57pm
شكراً لك عزيزي الاعلامي البارع صبحي صبري على اضافتك ونصيحتك القيمة التي زينت المقال بتجربتك الشخصية التي لابد ان يستفيد منها البعض من قرائنا الكرام
نعم ان لكل منا اسلوبه وطريقته في التخلص من الهموم التي لا يكاد ان يسلم منها احد، في زمان عصر السرعة هذا، والتي تستمد قوتها من الايمان العميق واللجوء الى الله عز وجل
رحم الله والديك واخوتك وسائر المسلمين وادعو من الله ان يشرح لك صدرك وييسر لك امرك ويبعد عنك الهموم كافة ويحفظك من كل سوء لتدوم ترش بشاشتك وابتسامتك الجميلة علينا باستمرار
نايف عبوش
22/03/2014 6:54am
الكاتب الفاضل الاستاذ غانم العناز:احسنت الاختيار في
الكتابة بهذا الموضوع المهم للغاية،وهنا اود ان اشير الى ان الرسول محمدا- صلى
الله عليه وسلم - جسد أقصى درجات التطلع المؤمن، في تعامله مع حقائقِ الحياة
الإنسانية، إذ كان ينظر إلى التعاملمع متطلباتها بعين التفاؤل على طولِ الخط، في
نهجِه النبوي الكريم، ويمكن تلمس هذه الرؤية في ذلك الأسلوب المتطلع جليا في قوله
- صلى الله عليه وسلم (إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألاَّ تقوم
حتى يغرسها، فليغرسها).فلا مكان في ثقافتنا العربية الاسلامية لليأس والقنوط في
تعاطيها مع حقائق الحياة بقياس: (إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون).
دام قلمك متوهجا بكل ما هو مفيد
نايف عبوش
نايف عبوش
Reply
24/03/2014 11:03am
أحسنت قولاً عزيزي الكاتب القدير الاستاذ نايف عبوش فيما
اشرت اليه في اضافتك القيمة فالتفاؤل، أو كما يقال، النظر الى النصف الممتلئ من
الكاس من صفات المؤمن (تفاءلوا بالخير تجدوه)، فهو القاهر فوق اليأس والقنوط بعون
الله تعالى
دمت داعياً للخير والصلاح مع اطيب تمنياتي لك بكل خير
غانم العناز
دمت داعياً للخير والصلاح مع اطيب تمنياتي لك بكل خير
غانم العناز
الدكتور محمود الحاج قاسم
22/03/2014 7:54am
بوركت أيها الأستاذ الفاضل غانم العناز على هذا الطرح
الصائب
أجل أستاذنا الكريم إن الدعاء نداء وتضرع وطلب ورغبة وطرح لما في الصدور من القلق والهموم والآلام ، والدعاء يمكن إقتباسه من القرآ ن الكريم أو من أدعية سيد البلغاء والأنبياء ، فالمؤمن المهموم يفتح كف الضراعة أمام باب الرحمن الذي هو المحراب الأبدي ليشرح ويشكوما يجول في أعماقه وبذلك يتخلص من كل ما في نفسه من الغم . شكراً لك وجعل الله ذلك في ميزان حسناتك والسلام .
أجل أستاذنا الكريم إن الدعاء نداء وتضرع وطلب ورغبة وطرح لما في الصدور من القلق والهموم والآلام ، والدعاء يمكن إقتباسه من القرآ ن الكريم أو من أدعية سيد البلغاء والأنبياء ، فالمؤمن المهموم يفتح كف الضراعة أمام باب الرحمن الذي هو المحراب الأبدي ليشرح ويشكوما يجول في أعماقه وبذلك يتخلص من كل ما في نفسه من الغم . شكراً لك وجعل الله ذلك في ميزان حسناتك والسلام .
Reply
24/03/2014 11:10am
ما اجمل واصدق كلماتك عزيزي الدكتور والخبير في فنون
تأليف الكتب القيمة التي تبحث في تاريخ الطب العربي الذي غرف الغرب منه عندما كان
في العصور المظلمة كما يقال
نعم، من منا من لم يبسط يديه في التضرع بين يدي الخالق عز وجل داعياً لنفسه أو لاحبته أو لأُمته بخير عميم أو دفع لأذى أو شفاء لمريض أو هداية لضال وما الى ذلك مما يخفى في الصدور؟
إن مما لا شك فيه ان الدعاء يهدئ الروع ويخفف من الآلام ويبعث الامل في النفوس ويشيع بعضاً من الراحة في الاجساد ويضفي مسحة من البشر والسرور في نفس الداعي وفي من حوله من الناس
بارك الله فيك وتقبل اطيب تمنياتي لك بكل خير
غانم العناز
نعم، من منا من لم يبسط يديه في التضرع بين يدي الخالق عز وجل داعياً لنفسه أو لاحبته أو لأُمته بخير عميم أو دفع لأذى أو شفاء لمريض أو هداية لضال وما الى ذلك مما يخفى في الصدور؟
إن مما لا شك فيه ان الدعاء يهدئ الروع ويخفف من الآلام ويبعث الامل في النفوس ويشيع بعضاً من الراحة في الاجساد ويضفي مسحة من البشر والسرور في نفس الداعي وفي من حوله من الناس
بارك الله فيك وتقبل اطيب تمنياتي لك بكل خير
غانم العناز
No comments:
Post a Comment