الخزن الجوفي لغاز كركوك السائل
مصفى الدورة
لقد كان استعمال الكيروسين (الكاز) شائعا في العراق بصورة رئيسية في
المنازل للطبخ والتدفئة خلال العقدين الرابع والخامس من القرن الماضي. فقد كانت
الاجهزة المستعملة في ذلك بسيطة لا تتم فيها عملية الاحتراق بصورة كاملة مما ينتج
عنه الدخان المضر بالصحة وترسبات السخام على حيطان المطابخ وغيرها
اما مزيج غازي البروبان والبيوتان المعروف باسم (الغاز السائل) فلم
يستعمل في المنازل الا في عام 1958 عندما تم انتاجه كناتج عرضي في مصفى الدورة
ليتم تعبئته وتسويقه في بغداد في قناني الغاز الشائعة الاستعمال في الوقت الحاضر.
لقد كان انتاج الغاز السائل محدودا حيث بلغت كميته 250 طن في عام 1959 لترتفع
بصورة كبيرة الى 20,000 طن في عام 1969 وذلك بعد ان شاعت شهرته كوقود نظيف.
معمل استخلاص الكبريت في كركوك
وبالنظر لمحدودية الطاقة الانتاجية منه في مصفى الدورة فقد تقرر
الاستفادة من الغازات المصاحبة لانتاج النفط والتي كانت تحرق كناتج عرضى.
فتم على اثر ذلك انشاء معمل استخلاص الكبريت في كركوك بطاقة 100 مليون
قدم مكعب باليوم من تلك الغازات المصاحبة لانتاج الكبريت والغاز السائل (اي غازي
البروبان والبيوتان) الذي تم تشغيله في عام 1972. لقد تم ارسال معظم انتاج المشروع
من غازي البروبان والبيوتان السائلين عن طريق خط انابيب الى معمل التاجي للغازات
النفطية في بغداد لتزويد سكان العاصمة باحتياجاتهم المتزايدة منهما.
مجمعي غاز الشمال وغاز الجنوب
ومع تزايد عدد السكان وانتشار استعمال الغاز السائل بين المواطنين
بصورة كبيرة اضافة الى توفر الغازات المصاحبة لعمليات انتاج النفط الخام من حقول
كركوك والبصرة فقد تقرر الاستفادة من تلك الغازات لانتاج الغاز السائل.
وبناء على ذلك فقد تم انشاء مجمع غاز الشمال في كركوك بطاقة قدرها 520
مليون قدم مكعب من الغازات المصاحبة باليوم ليتم انجازه في عام 1979.
اما مشروع غاز الجنوب في البصرة فتقدر طاقته ب 1,600 مليون قدم مكعب
من الغازات المصاحبة ليتم انجازه وتشغيله في عام 1983.
الخزن الجوفي
وبما ان استهلاك الغاز السائل موسمي يقل صيفا ويزداد شتاء لذلك يتوجب
انشاء خزانات اما كروية تحت ضغوط عالية او خزانات مبردة تحت الضغط الجوي لخزن
الكميات الفائضة عن الحاجة في فصل الصيف. وبما ان مثل هذه الخزانات محدودة الحجم
ومكلفة اضافة الى الحاجة لادامتها فقد تم النظر في امكانية خزن البروبان والبيوتان
السائلين في التجاويف الارضية.
ولحسن الحظ فقد تم العثور على طبقة ملحية بلورية سميكة صالحة للخزن
بالقرب من مجمع غاز الشمال في حقل كركوك تصلح لعمل فجوات واسعة فيها لاستعمالها
كخزانات آمنة قليلة الكلفة وسهلة التشغيل .
اما طريقة عمل تلك الفجوات فيتم عن طريق حفر بئر في طبقة الملح ومن ثم
حقن الماء العذب في اسفل البئر وتدويره لاذابة الملح لعمل فجوة هناك واعادة الماء
المالح الناتج عن ذلك الى حفرة واسعة على سطح الارض لتجفيفه. تستمر عملية تدوير
المياه العذبة بهذه الصورة لتوسيع الفجوة
تدريجيا الى ان يتم الحصول على الحجم المطلوب والذي عادة ما يكون على شكل الكمثرى.
يتم خلال عملية توسيع الفجوة الملحية انزال ما يسمى بانابيب البطانة من
رأس البئرالى اعلى الفجوة الملحية ليتم تثبيتها بحقن الاسمنت بينها وبين جدارالبئر
لمنع اي تسرب في المستقبل.
يتم بعد الانتهاء من عمل الفجوة المطلوبة انزال انبوب واسع باسم انبوب
الغاز السائل داخل البئر ليعلق من اعلى البئر وينتهي في اعلى الفجوة الملحية.
واخيرا يعلق انبوب اصغر حجما باسم انبوب الماء داخل انبوب الغاز السائل لينتهي
بالقرب من اسفل التجويف.
اما طريقة خزن البروبان السائل
فتتم عن طريق حقن غاز البروبان السائل تحت الضغط العالي عن طريق انبوب الغاز
السائل المعلق من رأس البئر الى اعلى الفجوة المملوءة ماءً ليقوم بازاحة ودفع
الماء الى رأس البئر عن طريق انبوب الماء المعلق ما بين رأس البئر واسفل الفجوة
ليطفو سائل البروبان على سطح الماء داخل الفجوة. تستمر عملية ضخ هذه الى حد الحصول
على الكمية المطلوب خزنها من غاز البروبان السائل.
اما عملية تفريغ البروبان السائل من الفجوة الملحية فيتم بعكس الطريقة
اعلاه وذلك عن طريق حقن الماء عن طريق انبوب الماء المعلق الى اسفل التجويف ليقوم
بدفع وازاحة غاز البروبان السائل الى اعلى البئر ومنه الى الخزانات الكروية على
سطح الارض لتعبئته في قناني الغاز المعروفة كما موضح في الشكل ادناه.
كما تتم عملية خزن وتفريغ غاز البيوتان السائل بنفس الطريقة اعلاه.
لقد شاع استعمال طريقة الخزن الجوفي هذه في العالم لكونها رخيصة اضافة
الى كونها آمنة خصوصا لخزن النفط والمواد
الهيروكابونية كالمنتجات النفطية كالبنزين والكيروسين وغيرها بكميات كبيرة كونها بعيدة
عن الانظار وعلى اعماق يصعب العثور عليها.
التجويف الملحي وطريقة عمله
لا زال حرق الغازات المصاحبة مستمراً
وبالرغم من ارتفاع انتاج النفط من الحقول العراقية من 3.5 مليون برميل
باليوم في عام 1979 الى حوالي 5.0 مليون برميل باليوم في الوقت الحاضر وما رافق
ذلك من الزيادات الكبيرة في انتاج الغازات المصاحبة فان الحكومات المتعاقبة منذ عام
2003 الى يومنا هذا قد عجزت عن استغلال هذه الغازات الثمينة.
فقد ملت آذاننا عن تصريحات الحكومات المتعاقبة خلال العشر سنوات
الماضية وعن تغنيها عن مشاريعها لانشاء معامل معالجة الغازات المصاحبة لتلبية حاجة
المستهلك العراقي من الغاز السائل لا بل عن تصدير الفائض منه لا بل عن استخدامه في
الصناعات البتروكيمياوية. فهل تحقق اي شيء من ذلك؟ والجواب كلا فلا زالت الغازات
المصاحبة تحرق ولا زالت شحة الغاز السائل مستفحلة ولا زال الكثير من ابناء الشعب
يستعمل الكروسين (الكاز) غير الصحي في طبخ طعامه وتدفئة داره ناهيك عن امكانية
استعمال تلك الكميات الهائلة من الكيروسين في مشاريع اخرى او تصديرها.
وباستمرار عملية حرق وهدر هذه الغازات الثمينة التي تكفي لتزويد
العديد من محطات توليد الطاقة الكهربائية تستمر معها شحة الطاقة الكهربائية
وتقنينها بعدد من الساعات في اليوم الواحد ليبقى المواطن المسكين يصطلي بحرارة
الصيف الحارقة وبرد الشتاء القارص ناهيك عن إمكانية تضرر أطعمته المخزونة في
ثلاجاته ومجمداته. وبذلك تستمر عملية استيراد الطاقة الكهربائية من ايران وصرف
الملايين من الدولارات لشرائها.
ترى متى سترى مثل هذه المشاريع الاقتصادية الحيوية النور؟
غانم الـعـنّـاز
آب 2018
واتفورد – ضواحي لندن
المصدر - كتابى العراق وصناعة
النفط والغاز في القرن العشرين الصادر باللغة الانكليزية عن دار نشر جامعة
نوتنكهام البريطانية في ايار 2012.
No comments:
Post a Comment