ألنفط نعمة لا نقمة ورحمة لا لعنة
ألنفط لإعمار البلاد وإسعاد العباد أي
بقلم غانم العـنّـاز
منذ سنوات وانا اكتب عن نفط العراق ولم يطرق سمعي من التعليقات
الكثيرة على مقالاتي من يدعو الى حمده عز وجل على نعمة النفط العظيمة التي وهبها
لنا لننعم بخيراتها التي الوافرة.
بل ان الكثير منهم مع الاسف قد وصموا النفط باللعنة واخرين قد اتهموه
بالنقمة والبعض الاخر قد قد خلصوا الى ان كافة المصائب التي حلت بالعراق واهل العراق سببها
النفط المسكين. لا بل قد
تفتقت قريحة البعض ليكتب قبل ايام قليلة مقالة بعنوان (نصدر نفطا ، وندفع كمية مساوية دماء عربية).
ما الفائدة من هذا الكلام الذي لا يسمن ولا يغني من جوع الذي يكيل
اللوم الى هذه النعمة العظيمة بدلا من تسديد اللوم الى الذين لم يقدروا فضلها
ليصرفوا ويبذروا مواردها الهائلة في الحروب العقيمة والسرقات الذميمة بدلا من
اعمار البلاد واسعاد العباد المالكين الحقيقيين لها.
اليس من الاصلح ان تكتب مثل هذه المقالات والتعليقات للدعوة الى استخدام
موارد النفط الهائلة لاعمار العراق ومدنه المدمرة واسعاد ابناء شعبه الذي ذاق
الامرين خلال عشرات السنين الماضية بدلا من القاء اللوم على النفط؟. اليس ذلك ما
ينطبق عليه نكران شكر النعمة ونكران رد الجميل لرب العالمين الذي وهبنا هذه النعمة
التي تحلم بها وتتمناها الكثير من دول العالم؟
لقد كتبت قبل عدة سنوات مقالة بعنوان (( الذهب الاسود لاعمار العراق)
اقتطف منها بعضا مما يلي:
النفط
نعمة لا نقمة
لقد انعم الله علينا بثروة الذهب الاسود العظيمة هذه التي لو استطعنا
استعمالها بحكمة وتعقل لجعلت من العراق بلداً متطوراً ينعم فيه المواطن بالعيش
الكريم والأمن العميم وهذا ليس بالشيء العسير ان تكاتف الجميع في البناء بامانة
واخلاص.
غير انه مما يؤسف له ان تلك الثروة الهائلة ذهبت هباءً منثوراً في خوض
حروب طويلة عقيمة ليتبعها حصار بغيض خانق ادى الى تدهور الاقتصاد وهبوط قيمة
الدينار العراقي الى الحضيض وما رافقه من غلاء فاحش. ثم جاء الغزو المقيت
والاحتلال البشع الغادر وما تلى ذلك من هذه الحالة المأسوية التي تشهدها البلاد في
ايامنا هذه من عدم الاستقرار واضطراب الامن واستشراء الفساد وغير ذلك من الآفات
الكثيرة.
لقد راح ضحية هذا المسلسل الدموي الرهيب الملايين من ابناء شعبنا بين
شهيدٍ ويتيمٍ ومعوقٍ ومشردٍ ومهجرٍ او مهاجر، لتنقلب تلك النعمة العظيمة بيد
السياسيين الجهلة الى نقمة أليمة اوصلتنا الى ما نحن عليه اليوم من خراب شامل وفقر
مدقع وفوضى عارمة وقسوة صارمة تدمى لها القلوب وتدمع لها العيون.
الذهب الاسود ومجلس الاعمار العراقي السابق
اما في منتصف القرن الماضي فقد استعملت هذه الثروة بصورة عقلانية
وفعالة خلال الفترة 1951 – 1963 من قبل مجلس الاعمار الشهير المؤلف من عشرة منهم
رئيس الوزراء (رئيساً) وعضوية وزير المالية ووزير الاعمار الذي يقوم بالتنسيق بين
مجلس الاعمار ومجلس الوزراء في الحكومات المتعاقبة. اما اعضاء المجلس السبعة
الدائميين المستقلين فيختارون ممن يشهد لهم بالعلم والنزاهة والاخلاص، معظمهم من
خبراء المال والاقتصاد، وذلك بعد ان حصن المجلس ضد التدخل في شؤونه سواء كان ذلك
مباشراً أوغير مباشر من قبل كافة الجهات سواء كانت رسمية أو غير رسمية.
أهداف مجلس الاعمار
اما اهم اهداف المجلس فكانت النهوض بالواقع العمراني والاقتصادي
والصناعي والزراعي والخدمي في العراق عن طريق وضع خطط متكاملة سواءً كانت قصيرة او
طويلة الامد لتنفيذ المشاريع المتعددة بهدف رفع مستوى معيشة الشعب من خلال توفير
الخدمات والوظائف وفرص العمل التي ستوفرها تلك المشاريع سواءً خلال فترة تنفيذها
أو بعد انجازها.
كان على المجلس ان يقدم تقاريره وخططه ومشاريعه وميزانيته وما الى ذلك
من المعلومات اللازمة الى مجلس الوزراء للمصادقة عليها لتقدم بعدها الى البرلمان
لموافقته علبها ليقوم المجلس بعد ذلك بتنفيذ تلك المشاريع بحرية كاملة بالطرق
المناسبة التي يراها ليقوم خلال ذلك
بتقديم تقاريره الدورية عن تقدم العمل في تلك المشاريع الى مجلس الوزراء لابداء
ملاحظاته وتوجياته حول ما جاء فيها.
مشاريع مجلس الإعمار الرئيسية
حددت ميزانية المجلس بكامل ايرادات النفط في العام 1950 لتخفض الى 70%
في السنين اللاحقة. صرف الجزء الاول من تلك الايرادات على مشاريع قطاع الري
والزراعة والسيطرة على الفيضانات الموسمية المدمرة التي كانت تغرق العاصمة بغداد
والكثير من المدن والقرى وذلك باصلاح الاراضي وشق الترع وبناء السدود التي ما زالت
قائمة حتى يومنا هذا كسدي دوكان ودربندخان وسدة سامراء وناظم الثرثار ومنخفض
الحبانية وغيرها.
سد
دوكان
سد دربندخان
صرف الجزء الثاني من تلك
المبالغ على قطاع الابنية والمواصلات والخدمات التي شملت مشاريع انشاء المساكن
والابنية الحكومية والمستشفيات كمشروع مدينة الطب في بغداد والمدارس والكليات
اضافة الى مشاريع الطرق الرئيسية كطريق الحلة/الكوفة/النجف وطريق بغداد/الفلوجة
والجسور كجسر الملكة عالية او الجمهورية لاحقاً وجسر الأئمة في بغداد ومنشآت تصفية
واسالة المياه ومحطات توليد الطاقة الكهربائية وشبكات نقلها وتوزيعها الى غير ذلك
من المشاريع الحيوية.
اما الجزء الثالث من تلك الايرادات فقد تم صرفه على القطاع الصناعي
الذي شمل انشاء معامل الطابوق والسمنت كمعمل سمنت سرجنار في السليمانية لسد حاجة
البلد المتزايدة من المواد الانشائية. كما شمل ذلك انشاء معامل حديثة للنسيج كمعمل
النسيج في الموصل ومعملي الحديد والورق في البصرة والاثاث والجلود والاغذية والمشروبات
الغازية كمعمل السكر في الموصل ومعمل الالبان في ابي غريب وغيرها لتلبية الطلب
المتزايد على تلك السلع والمواد الاساسية من قبل المستهلك العراقي. كما شمل هذا
القطاع انشاء مصفى القير في القيارة ومصفى الدورة في بغداد لتلبية الزيادة الكبيرة
التي حصلت في استهلاك المنتجات النفطية.
تأميم النفط والإزدهار الاقتصادي
كما يجب ان نذكر تأميم النفط وما رافقه من زيادة كبيرة في الطاقة
الانتاجية خلال العقد السابع من القرن الماضي وما رافق ذلك من انفجار اسعاره لينتج
عن نعمة النفط العظيمة تلك ذلك الازدهار
الاقتصادي والتقدم الاجتماعي والبهاء الحضاري حيث قضي فيه على الامية وتطورت فيه
الخدمات في كافة مرافق الحياة ليزدهر العمران وتشيد البنى التحتية ويصل الاحتياطي
العراقي في عام 1980 الى ثلاثين مليار دولار او ما تعادل اضعاف ذلك في وقتنا
الحاضر.
اليس ذلك التقدم يدل على ان النفط نعمة عظيمة من نعم الله علينا عندما
احسنا استعمالها لاعمار البلاد واسعاد العباد؟ اليس من الواجب علينا ان نحمد الله
عز وجل على ذلك بدلا من التجني عليها ونكران جميلها ونتعتها بالصفات الذميمة التي
اشرنا اليها اعلاه؟
نعم لمجلس إعمار جديد
لقد كُتب الكثير عن انجازات واخفاقات مجلس الاعمار السابق غير انه لا
بد لكل منصف من الاعتراف بان انجازاته كانت عظيمة ومشاريعه التي ما زالت قائمة حتى
اليوم تشهد له بذلك.
كما ان استقلاليته ونزاهته
جديرة بالتقدير والاحترام، فأين تلك النزاهة والاخلاص بالعمل مما نراه اليوم من
المشاريع الوهمية التي تذهب فيها الاموال ادراج الرياح دون تنفيذها أو الفساد المستشري في تنفيد المشاريع الاخرى
التي احسنها كما يقال اعرج او كسيح؟
لقد ظهرت خلال النوات القليلة الماضية اصوات من جهات مهنية رصينة
وشخصيات وطنية شريفة واقتصادية متمرسة عفيفة وسياسية مستقلة نظيفة وهندسية
وفنية خبيرة تدعو الى انشاء مجلس اعمار
مستقل على غرار مجلس الاعمار السابق لاصلاح هذا الخراب الشامل والدمار الكامل الذي
يشهده العراق في هذه السنين العجاف.
لذا فاننا نضم صوتنا الى تلك الاصوات الوطنية الشريفة التي تدعو
لانشاء مجلس اعمار جديد تخصص له نسبة ثابتة من واردات الذهب الاسود الهائلة
للمباشرة بإعمار العراق لرفع المعاناة المزمنة، من بطالة مرتفة وخدمات متدنية
وامراض متفشية وفقر مدقع وجهل مخجل وفوضى عارمة وقسوة غاشمة وفساد مستشري وتعصب
اعمى وامتهانٍ لكرامة المواطن وسلبٍ لحقوقه وغيرها من مثل هذه الآفات التي تنخر في
مجتمعنا.
إننا بذلك نستطيع تحقيق ما يصبو اليه الجميع من استتبابٍ للأمن
والاستقرار وتثبيتٍ لدعائم العمران والرخاء في ربوع الوطن العزيز فقد طال الانتظار
ونفد الصبر وعزّ الرجاء حتى بلغت القلوب الحناجر.
راجين من الله عز وجل ان يصفي القلوب ويوحد الكلمة ويشيع الإخاء ليجمع
الشمل ويعيد المحبة والرخاء والحياة الكريمة الى كافة ابنائنا واهلنا الكرام.
غانم العنّاز
واتفورد من ضواحي لندن
شباط 2018
No comments:
Post a Comment