Friday 2 June 2017

الاغتيال عن بعد Assassination from afar



 

ألإغــــتـــــيـــال عـــــــن بـــــعـــــد


                                                         بقلم: غانم العنّـاز

 كان واحدا من زملائه الذين يتوقون للاتحاق بالقوات الجوية لبلادهم الذين يتم اختيارهم لا لياقتهم البدنية فحسب بل لمهاراتهم في المناورات الجوية ودقة التصويب لاصابة منشآت الاعداء الثابتة والاهم من ذلك دقة اصابة الاهداف المتحركة كعجلاتهم الحربية من دبابات ومدرعات وناقلات افراد وشاحنات للعتاد والتموين وغير ذلك من المعدات الحربية. كما انها مفيدة جدا لاغتيال الشخصيات السياسية والعسكرية المهمة للعدو. وبما ان تحديد مواقع مثل هذه الاهداف المتحركة قد يستغرق وقتا طويلا ورصدا مستمرا فان اي خطأ في اصابة مثل هذه الاهداف سوف ينتج عنه اضاعة لفرصة ثمينة قد لا يسنح لمثلها في المستقبل. هذا اضافة الى ما في ذلك من تبذير للصواريخ والقنابل الغالية الثمن التي تحملها مثل هذه الطائرات اضافة الى تنبيه العدو لأخذ التدابير والاحتياطات اللازمة لاخفاء مثل تلك الاهداف قدر المستطاع. كما يتطلب من قادة مثل هذه الطائرات سرعة البديهة والمناورة الدقيقة لتجنب اسقاط طائراتهم من قبل الدفاعات الارضية او الجوية للعدو.
 فتدريب مثل هؤلاء الطيارين قد يستغرق وقتا طويلا من دروس نظرية وعملية يقضونها في الصفوف امام شاشات الحاسبات المتطورة التي تحاكي اهدافا واقعية متحركة يراد الانقضاض عليها تماما كما نراه في بعض الالعاب الالكترونية المنتشرة في محلات اللهو وبعض المقاهي اوالتي يمكن شراءها واللهو بها على الحاسبات الخاصة في البيوت. والغاية من مثل هذه الالعاب اصابة اهداف اللعبة المتحركة من جنود ومعدات وطائرت وغيرها وجميعها تتطلب مهارات فائقة من سرعة عالية في التفكير وردود الفعل المطلوبة ودقة وخفة عالية باليدين لاصابة العدو او تفادي اي اصابة منه. ومن العجيب فان كل تلك المهارات المطلوبة لا تشتمل على الشجاعة الفائقة؟ فيكفي ان يكون قائد الطائرة متزن التفكير ، سريع البديهة ، ماهر التسديد ، حاذق المناورة ، والمراوغة بطائرته لتفادي نيران العدو اكثر من كونه شجاعا.
 كما تشمل سنوات الدراسة التعرف على انواع الصواريخ والقنابل والاعتدة الاخرى التي تستعمل للاهداف المختلفة. كما تشمل الدروس التعرف على جغرافية بلاد الاعداء والاسلحة المتوفرة لديها من طائرات وصواريخ ارض جو وغيرها.
 انتهت الفترة الدراسة ليمنح الطلاب رتبهم ليلتحقوا بالوحدات الفعالة ليستمر التدريب اليومي دو انقطاع لحين صدور الاوامر لمشاغلة وتدمير الاهداف الحقيقية للعدو.
 لقد كان ذلك الطيار عند صدور الاوامر له للقيام بمهمته الاولى معتدا بقيادة طائرته واثقا من قدرته على مشاغلة الاهداف سواء كانت ثابتة او متحركة مستعدا لتفيذ واجبه في قصف الاهداف التي اوكلت له وتدميرها بمن فيها من الناس. غير انه لم يكن متأكدا بانه مستعد لقتل البشر الذين لا يعرف عنهم شيء سوى انهم لابد ان يكونوا مثله لهم اولاد وزوجات وامهات واخوة واقارب واصدقاء. لقد خطرت على باله مثل هذه الافكار من قبل لكنها لم تمس ضميره بالحاح كما هي الحال الان. فهو يعرف انه سيكلف بالقتل اضافة الى الإغتيال. اذن هو قاتل في كلتا الحالتين فهل هو مستعد الآن لذلك؟
 لقد وجد عند ذلك بان الوقت على مناقشة موضوع القتل وتأنيب الضمير قد فات وقد حان وقت تنفيذ الاوامر دون تردد او تخاذل. هرع الى مقعده امام لوحات السيطرة التي امامه والتي يعرف عنها كل صغيرة وكبيرة ويستطيع تشغيلها وعيونه معصوبة كما يقال. وجلس بقربه مساعده الذي لا يبدو عليه اية علامة من علامات الاهتمام وكأن الامر لا يهمه من قريب او بعيد بل هو عمل روتيني كبقية الاعمال التي يمارسها بقية الناس في حياتهم اليومية. وبالرغم من انه يحب ان يقتنع بذلك المنطق كمساعده الا انه لم يستطع اقناع ضميره بان القتل والتدمير قد اصبح مهنة له سواء كان ذلك فعليا او بالتدريب المستمر عليه.
 لقد حملت طائرته بصاروخين وقنبلتين وزودت بالوقود اللازم واصبحت جاهزة للاقلاع لقصف هدفه الذي يبعد عن قاعدته بآلاف الكيلومترات. 




 شغلت محركات الطائرة واتجهت نحو الهدف الذي يتألف من رتل من السيارات والشاحنات في احدى المناطق الجبلية الوعرة في افغانستان ليقوم بتسديد صاروخه الاول الى السيارة الاولى والصاروخ الثاني الى السيارة الاخيرة ليقوم بالقاء قنبلتيه الحارقتين على بقية االسيارات والشاحنات. لقد كان تسديده محكما نتج عنه تدمير معظم القافلة واضرام النيران فيها. لقد حدث ذلك بسرعة فائقة كان فيها مشدود الاعصاب غائبا عن ما حوله من الوجود سوى ذلك الرتل الذي يجب ان لا يخطئه مهما كلفه الامر ليبدأ حياته العملية وقد نفذ مهمته الاولى بنجاح باهر.
شعر بعد ذلك بهدوء تام فقد استنزفت المهمة كامل طاقاته العصبية والنفسية والجسمية ليترجل من مقعد القيادة ويعانق مساعده على نجاح مهمته الاولى ليقود سيارته راجعا الى داره لتناول العشاء بين زوجته واولاده ليقضي ليلته في نوم متقطع متذكرا كل دقيقة من دقائق تلك الغارة على ذلك الرتل من السيارات. فكم يا ترى كان عدد القتلى؟ وكم كان عدد الجرحى؟ وعدد الذين اصابتهم الحروق؟ والاعاقة؟ وهل هو راض عن ما قام به؟ وهل كان باستطاعته التخفيف من الاصابات ليريح بعض الشيء من تأنيب الضمير؟ ام يا ترى بأنه قد اصبح آلة من آلات القتل والتدمير التي قد اتخذها كمهنة كأي مهنة من المهن الاخرى؟ وهل سيستطيع القيام بممارسة مهنته هذه مدى الحياة؟ وماذا عن اطفال اولئك الناس الذي تم قتلهم؟ ومن الذي سيعيلهم؟ وهل يرضى لأولاده مثل ذلك المصير؟ أسئلة كثيرة لا تكاد تحصى ولا تنتهى.
 التهم فطوره بسرعة وبشبه غيبوبة عن ما حوله ليستقل سيارته ويذهب الى عمله في زحام شوارع احدى المدن الامركية ليجد نفسه في غرفة العمليات بمعية مساعده ورئيسه وآخرين من زملائه. شغلت الة الفيديو ليرى بالتفصيل ما حدث خلال غارته في الامس ليقوم بالتعليق على ذلك. كما قام الآخرون بطرح اسئلتهم واستفساراتهم حول الموضوع لتنتهي المناقشات ويتم الاتفاق بان المهة قد نفذت بدقة ومهنية عالية كللها النجاح الباهر باصابة الاهداف المطلوبة وتكبيد العدو خسائر فادحة.
 اما طائرته فقد كانت في ذلك الوقت قابعة في مطار صغير على بعد آلاف الكيلومترات في احدى القواعد الامريكية في احدى دول الشرق الاسط الصديقة. فقد تم فحصها وتزويدها بالوقود ليعاد تسليحها بالصواريخ والقنابل والعتاد لتكون جاهزة لمهمتها القادمة التي ستنفذ في الوقت المناسب في اليمن ذلك البلد الذي سيبدأ بدراسة جغرافيته وشعبه وساسته وجيشه وتاريخه وما الى ذلك.
 وحتى ذلك الحين فقد عاد الطيار للجلوس امام حاسبته الالكترونية للتدريب من جديد في ضوء مهمته الاولى في افغانستان لصقل مواهبه في دقة اصابة الاهداف بانتظار تلقي الاوامر الجديدة للقتل والتدمير التي يجب عليه ان ينفذها بدقة وبدون نقاش وليطرد تلك الافكار التي فيها شيء من تأنيب الضمير وليعود نفسه من الآن فصاعدا على طرد واماتت ذلك الضمير شيئا فشييء والا ستصبح حياته جحيما لا يطاق.
 بقي الطيار يفكر في اختياره لمهنته الجديدة وعليه القيام بها بصورة جيدة من قتل واغتيال للآخرين وتدمير لعوائلهم في سبيل إعالة اولاده وزوجته!! فيا من مفارة من مفارقات الحياة ما كان ليفكر بها من قبل.
واتفورد - من ضواحي لندن
أيار  2017


Top of Form




Comments

 


سرد رائع بكل معنى الكلمة صور ببراعة المشاعر المتناقضة التي تدور في اغوار نفس الطيارين الذين ينفذون غاراتهم وما يترتب على ذلك من نتائج على الارض..لقد ابدعت استاذ غانم في معالجة الموضوع ومن كافة زواياه.


شكرا لك عزيزي الاخ باسل راجيا من الله ان يديمك في صحة جيدة وخير

 · 


الله ينطيك الصحه والعافيه علا هذه المعلومات


شكرا يا ابن اختي رحمها الله

 

 

 


أحسنت الوصف.
ألا ترى يا عزيزي انت القيم لدى الناس كانت ولا زالت متباينة ، فالحق عند اناس هو باطل لدى اخرين ، والمصلح متضاربة والخلق القويم معطل . هكذا عند الافراد والمجتمعات والدول . ولا زال منطق القوة وليس الحق هو السائد بين البشر ، وأن الضعفاء بكافة صنوفهم ومراتبهم هم الضحية. وأن الالتزام بالقيم السليمة قد تصبح عبئا على صاحبها !!!!!

 


عزيزي واخي انور ، ان الحق يعلو ولا يعلى علىه ولو بعد حين. فالباطل ضد الحق وهو مدحور مهما طال به الزمن. اما القوة فهي نوعان فان كانت مع الحق فذلك ما نبغيه لدحر قوى الشر. اما ان كانت القوة مع الباطل والشر فذلك ما يجب مقاومته والسعى لدحره مهما طال بنا الز...See more


احسنت النشر الاستاذ ابو قاسم كيف يدحر الظلم وهو معشعش منذ 14 سنة في نفوس بعض المسؤلين في بلدنا الحبيب العرلق ولم يدخض يتطلب معجزه لان هذا الظلم اصبح نفط المسؤليين يستخدمونه عندما توشك جيوبهم تكون خاويه.


ااشاركك شعورك بالظم المعشعش عزيزي ابا باسل لكنه يدحظ بسهولة اذا بتكااتف الشعب المقهور فهو يستطيع انجاز المعجزات وان شاء الله يكون ذلك قريبا

 


الله يحميك من كل شر ورمضان كريم عليك يا طيب. ..


شكرا لك يا ابن اختي رحمها الله ورمضان مبارك لك ولعائلتك


عفوا رمضان مبارك عليك

 


سردك ساحر.. وكلماتك رشيقة .. وقلمك سيال.. قصة دراماتيكية مكتضة بصور متزاحمة من الانثيالات.. دامت قريحتك متدفقة بالابداع..


شكرا لك عزيزي الاخ نايف على اطلالتك الكريمة ونقدك الجميل الذي غمرتني به دمت لنا رافدا بكتاباتك الشيقة واسلوبك الرائع بارك الله فيك ورعاك

 


مقالة جميلة ورائعة وواقعية


شكرا يا سارّة سلامي للاهل والحمد لله على تحريرهم

 

 


وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته


 


تسلم الايادي كل ماتنشره يستحق القراءه اهنئك بشهر رمضان المبارك عليك وعلى الاهل سلامي لكم

 


شكرا لك يا ابنة اخي العزيزة واتمنى لك ولعائلتك رمضانا مباركا حفظكم الله ورعاكم


سرد اكثر من رائع سلمت يداك وكلماتك رمضان مبارك علينا وعليك اعاده الله باليمن والايمان


 · Reply · 7 hrs

 


شكرا لك يا ابن اختي لكلماتك الجميلات ودعائك الكريم ورمضانكم مبارك

Bottom of Form

 

No comments:

Post a Comment